السبت 26 أيار (مايو) 2012

للتدمير ثم للتعمير؟

السبت 26 أيار (مايو) 2012 par محمد عبيد

خطوة منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، التي أرست عطاء تنفيذ مشروعات محطات مياه في قطاع غزة، كانت دمرت تماماً في عدوان الاحتلال على القطاع، على شركتين «إسرائيليتين» تضع العديد من علامات الاستفهام والتعجب على سلوك هذه المنظمة التي وضعت مهمة من مهام إعمار ما دمّره الاحتلال، بين يدي من يمثلون مصالحه، وربما من يقودون المشهد الداخلي «الإسرائيلي»، ويدعمون كيان الاحتلال مادياً ومعنوياً.

نائب نقيب اتحاد المقاولين الفلسطينيين أسامة كحيل كشف أن «يونيسيف» تركت شأن التعمير إلى شركات كيان التدمير، بفوز شركتين «إسرائيليتين» بعطاءات لتنفيذ مشروعات محطات مياه في قطاع غزة، رغم تسبب الاحتلال بتدمير غزة وفرضه الحصار عليها، مقابل حرمان شركات فلسطينية تقدمت للعطاءات ذاتها.

المشهد المذكور مثير للشك في نزاهة هذه المنظمة الأممية التي تزعم كغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة الأم بحد ذاتها، الحرص على إنسانية الإنسان وكرامته وحقوقه أينما كان، والتي تضع نصب العينين خدمة هذا الهدف بمختلف الطرق المتاحة. ومهما كانت ذريعة هذه المنظمة لتبرير ترسية العطاء على الشركتين «الإسرائيليتين»، إلا أنها لا يمكن أن تنفي الحقيقة الواضحة والماثلة للعيان، المتمثلة بأن «يونيسيف» تسهم بأموال المنظمة الأممية، وداعميها حول العالم، في دعم كيان الاحتلال والتدمير والحصار، ومنحه ما يشبه «مكافأة» على جعل حياة الشعب الفلسطيني أكثر صعوبة، من خلال سياسات الخنق والحصار والعدوان العسكري.

إضافة إلى ما تثيره من شكوك، فإن هذه الخطوة من منظمة يفترض بها الدفاع عن حقوق الطفولة ورعايتها، تتجاهل تراث الاحتلال الغارق بدماء الأطفال الفلسطينيين الذين ارتقوا شهداء في غارات الاحتلال وقصفه لقطاع غزة، وبرصاص قنّاصيه الذين أعدموا الطفولة في فلسطين بدم بارد، في أكثر من مناسبة تثير الحنق والاشمئزاز، ولا يمكن إلا أن تدين الاحتلال، وتؤدي على الأقل إلى مقاطعته، وملاحقته دولياً بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بدلاً من منحه شيكاً على بياض لتدمير مقدرات وحاجات الشعب الفلسطيني الأساسية، ومن ثم دعمه ثانية لتعمير ما كان دمّره بآلته الحربية.

على الناحية الأخرى، الفلسطينية تحديداً، لا نجد صوتاً أو موقفاً رسمياً، من الحكومة المقالة في قطاع غزة، ولا من حكومة تسيير الأعمال في الضفة الغربية المحتلة، ولا نجد كذلك صوتاً من المجتمع المدني أو المنظمات الأهلية، وكأن الأمر شأن يتعلق حصراً بالمقاولين واتحادهم الذين لا يجب أن يصوروا كمتضررين بالدرجة الأولى من خسارة العطاء لمصلحة «إسرائيل»، ولا يجب أن يُعدّ الأمر مجرد مصلحة أو عطاء كان ليدرّ أموالاً على الشركات الفلسطينية المعنية، فما حدث يعد ضرباً لمصالح الفلسطينيين وتعميقاً لمعاناتهم، وازدراء صبرهم على عدوان الاحتلال ودمار آلته الحربية، كما أنه يعد استهانة بدماء الأطفال الشهداء الذين قضوا على أيدي الاحتلال، أو بسبب حصاره، أو تدميره لمصادر الحاجات الحيوية والأساسية.

ذاك كله مفروغ منه وغير قابل للجدل، وإن ساقت هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة أمامها جبالاً من الذرائع، وإن زعمت أن ما حصل كان بناء على «أسس مهنية»، أو ضمن «منافسة عادلة»، فلا عدالة في منافسة بين المتضرر والمتسبب بالضرر والدمار، ولا مهنية في إفساح المجال أمام شركات الكيان لتعمير ما دمره الاحتلال وآلته الحربية، وفي المحصلة النهائية لا توجد حجة في العالم يمكنها إقناع فلسطيني فقد عزيزاً، أو عانى الموت البطيء بسبب انقطاع الكهرباء أو المياه، أو بسبب منع وصول الدواء إلى القطاع، أو وليد لم يجد عناية طبية، أو طفل استبد به العطش في يوم حار، بأن الجلاد الذي عاث فساداً ودماراً في أرضه، سيعود بقناع البناء والتعمير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165549

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165549 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010