الخميس 24 أيار (مايو) 2012

الأقصى للزيارة والقدس للسياحة والوطن للضياع هل لهذا تشد الرحال؟

الخميس 24 أيار (مايو) 2012 par د. انيس مصطفى القاسم

أين عمامة مفتي الديار المصرية وهو في المسجد الأقصى؟

وهل من فرائض شَدِّ الرحال إليه التخلي عن العمامة واستبدالهاِ بقُبَّعَةٍ؟

وكيف ساهمت زيارةٌ كهذه في تحرير القدس وإغاثة أهلها كما يًدّعى لها ولمثيلاتها؟

والداعية الإسلامي اليمني الذي بثت صوره على الفضائيات والخُيَلاءُ تملأُ جوانحه وهو يسير تحت حماية الأمن «الإسرائيلي» لماذا وقع الاختيار عليه وعلى فضيلة المفتي لبدء عملية تطويع الإسلام والمسلمين لخدمة المصالح «الإسرائيلية» وتثبيت الاحتلال وشرعنته؟

وهل يصح تضليل الناس واستغفالهم وإساءة استخدام الدين والعواطف بالادعاء بأن الزيارات للمسجد الأقصى لا تحتاج الى تأشيرة أو موافقة «إسرائيلية»، وأن يُرَوِّجَ لذلك رجالٌ دين يُفترضُ فيهم الصدقُ في القول والنصيحة، ومسؤولون فلسطينيون يفترض فيهم التدقيق في معرفة وفهم سياسات العدو وأهدافه وما يمارسه يومياً من تَنَكُّرٍ كامل لكل حق من حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه؟ ألا يرون أشجار الزيتون المُعَمِّرَة وهي تُقْتَلعُ أو تُحرق، والمحصولات الزراعية وهي تلتهمها النار في موسم الحصاد، ثم يتحدثون عن إنعاش اقتصادي للفلسطينيين بهذه الزيارات الطارئة؟

ولماذا تضليل الناس بالادعاء بسوابق تاريخية لا صحة لها لدرجة الافتراء على الرسول الكريم بأنه شد الرحال الى المسجد الحرام بمكة والمسجد تحت الاحتلال؟ هل كانت الكعبةُ المسجدَ الحرامَ قبل فتح مكة؟ وهل كانت قريش، سيدةُ قبائل مكة، سلطةٍ أجنبيةً احتلت مكة واحتلت معها مسجداً حراماً لم يكن موجوداً أصلاً؟ وكيف كان المسلمون يشدون الرحال الى المسجد الأقصى أيام الاحتلال الصليبي، كما يدعي المطبعون، والمسجد كان قد تحول الى اصطبل لخيول فرسان الصليبيين، ومسجد قبة الصخرة أصبح موقعاً للقمامة الى أن شد صلاح الدين، الفارسُ الكرديُّ المسلم، الرحالَ إليهما ومعه علماء عصره محرراً لتصح الزيارة والإقامة والمجاوَرَة، ولم يسبقه الى الزيارة القاضي الفاضل، عالم عصره، ولا أي عالم آخر من علماء الإسلام في ذلك العصر؟

تُرى هل شد المسلمون الرحال في عهد الرسول الكريم أو عهدي أبي بكر وعمر لزيارة المسجد الأقصى أم شدوها لتحرير فلسطين كلها من الاحتلال البيزنطي بحيث يصبح المسجد قادراً على استقبال زائريه وهو تحت سيادة إسلامية دون إذن من أية جهة أجنبية للوصول إليه أو لمجاورته كما جاور الكثيرون من مختلف ديار الإسلام؟ هل ستسمح سلطات الاحتلال للزائرين بالبقاء في القدس أو الاستقرار فيها، ناهيك عن مجاورة المسجد الأقصى، ليصبحوا الملايين الذين تخيل وزير أوقاف السلطة الفلسطينية أن يصلوا إليها، وبالتالي أن يحرروها، و«إسرائيل» قد باشرت عمليات الهدم والإزالة في محيط المسجد الأقصى في الأسبوع الأول من احتلال المدينة، فهدمت الزوايا والمنازل والأسواق والأحياء بكاملها وبدأت عملية تهويدها بالكامل؟ وهل «الإسرائيليون» من الغباء والسذاجة بحيث يسمحون لوقوع انتعاش اقتصادي فلسطيني في المدينة وسياستهم الثابتة هي أفراغها، بل إفراغ فلسطين كلها، من جميع أهلها العرب، مسلمين ومسيحيين، لتصبح أرضاً يهودية خالصة لهم؟ أليست السياسة «الإسرائيلية» هي خنق البلاد وتدمير اقتصادها، والقدس بالذات، من مصادر الرزق بحيث يضطر الأهل للهجرة أو الاعتماد على فتات يقدمه المجتمع الدولي بالقدر الذي تراه «إسرائيل» متمشياً مع سياستها في إبقاء الفلسطينيين تحت رحمتها في معاشهم اليومي؟.

من الذي سيتحكم في الزوار وتحركاتهم وأماكن إقامتهم؟ رجال السلطة الفلسطينية؟ هؤلاء لا سلطة لهم حتى في عاصمتهم رام الله، فكيف تكون لهم سلطة في مدينة اسمها القدس لا يسمح لهم حتى بدخولها؟ وإنه لمن التضليل المتعمد الادعاء بغير هذه الحقائق المُرَّة التي سريعًا ما يكتشفها أي زائر.

غريبٌ أن تغيب أمور كهذه عن أذهان رجال السلطة الفلسطينية، وهم يسوقون للسياحة الدينية للقدس، هذه السياحة التي لها وزير «إسرائيلي» ووزارة لإيهام العالم بأن «إسرائيل» تحترم الأديان الأخرى وتحترم حرية اتباعها في الوصول الى أماكنها المقدسة وزيارتها. وهذا هو المطلوب وفقاً للقانون الدولي، وسيكون هذا متاحاً ومرحباً به في ظل السيادة «الإسرائيلية»، وخطوة خطوة يصبح التعايش مع الاحتلال مقبولاً وتنُسى القضيةُ الأساسية ويتم تهويد القدس بمقدساتها بصورة تدريجية وينهار المسجد الأقصى بسبب ما يجري تحته من حفريات، وتعلن «إسرائيل» أسفها لما حدث وأنها ستسمح بإعادة بنائه ولكنها، كعادتها، لن تفي بوعدها ولن تجد من يذكرها به أو يتمسك، تماماً كما نسي القادة الفلسطينيون والعرب أن عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة عضوية مشروطة، ولكنهم لا يحركون ساكناً ولو في محاولة للتذكير بذلك.

السياحة الدينية تعبر عن مرحلة متقدمة من مراحل تنفيذ مخطط السيطرة الدائمة والكاملة على فلسطين ومقدساتها بعد أن أحكمت «إسرائيل» سيطرتها على القدس ومحيطها بما أحدثته من تغييرات سكانية وعمرانية، وبعد أن طوعت النظام الفلسطيني والنظم العربية للقبول بتنازلات من جانب هذه النظم وفقاً للمخطط «الإسرائيلي». وفي الوقت ذاته فإنها الرد العملي على العزلة المتنامية لـ «إسرائيل» في كثير من الأوساط الشعبية العالمية، ونسبةٍ متزايدةٍ من الأوساط الرسمية. فهناك حركة شعبية دولية متزايدة في تأثيرها لما أصبح يعرف بنزع الشرعية عن «إسرائيل». وقد دل استطلاع للرأي على مستوى العالم بأن «إسرائيل» جاءت رابع دولة في المكروهية وذلك بسبب سياساتها حيال الشعب الفلسطيني. وليس أقوى في الرد على ذلك كله في الدعاية الصهيونية مِنْ فَتْحِ الأبواب أمام السائحين من مختلف الديانات والجنسيات، لزيارة مقدساتهم ليعودوا الى بلدانهم يرددون ما ردده فضيلة المفتي وبعض الزوار الأقباط المصريين من أنهم لم يلاقوا صعوبات ولم يملأوا استمارات دخول أو خروج ولم تختم جوازات سفرهم ولم يروا جنودا «إسرائيليين» على نقاط الحدود ولم تفتش حقائبهم. وماذا يريد المجتمع الدولي من «إسرائيل» أو أية دولة أخرى أكثر من هذا؟ وهكذا يُنسى احتلال عام 1967 كما نسي احتلال عام 1948 ثم تم الاعتراف بشرعية بقائه.

«إسرائيل» تتحكم في الزوار عن بٌعْدٍ بحيث تتمشى زيارتهم مع الهدف «الإسرائيلي» من السماح بها . وقد جرى هذا النوع من التحكم مع فضيلة المفتي. فضيلته دخل فلسطين ثم القدس ثم المسجد الأقصى وقابل من قابل في إطار هذا التحكم. دخل وهو لا يشعر بأي علاقة لـ «إسرائيل» بدخوله، وظن أنها لا دخل لها. زار المسجد الأقصى، وكان من المفروض، ولو من باب اللياقة، ان يكون في استقباله إمام المسجد وخطيبه الشيخ عكرمة صبري، حتى ولو كانت الزيارة شخصية كما ذكر فضيلته. ولكن ذلك لم يحدث، لأن الشيخ عكرمة كان ممنوعاً من زيارة مسجده والصلاة فيه. وفضيلته لم يلتق بالشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الإسلامية في الداخل والمناضل الكبير لحماية المسجد الأقصى من التهويد والذي لم يخرج من السجن «الإسرائيلي» إلا ليعود إليه بسبب مواقفه من الاعتداءات المتتابعة على المسجد الأقصى. ربما لم يسمع فضيلة المفتي ومستشاروه بهاتين القمتين، لكن من المؤكد أن الذين رتبوا هذه الزيارة يعرفونهما حق المعرفة، وعدم إدراج اللقاء بهما كان متعمداً.

وبالمثل فقد كانت لقاءات فضيلته مع رجالات الكنيسة في فلسطين متميزة. فقد التقى بالبطريرك اليوناني رئيس الكنيسة الأرثوذكسية، وهي كنيسة الطائفة الفلسطينية الأكبر عدداً، وتغدى على مائدته التي دعا إليها من أراد مُسْتَبْعِداً أقطاب الكنيسة الفلسطينيين. وغادر القدس دون أن يلتقي بأي من القيادات الدينية المسيحية الأخرى، بمن فيهم المطران عطا الله حنا القائد الروحي الفلسطيني للطائفة الأرثوذكسية التي يرأسهما البطريرك اليوناني. وميزة البطريرك اليوناني هذا أنه مٌقاطَعٌ من طائفته الأرثوذكسية الفلسطينية والأردنية لأنه تصرف في أملاك الكنيسة، وخاصة في القدس، بيعاً وتأجيراً، «لإسرائيليين» أو يهود، وطالبت الطائفة، وما زالت تطالب، بسحب الاعتراف به من جانب الحكومتين الأردنية و«الإسرائيلية» والسلطة الفلسطينية، دون جدوى. وكذلك فإن فضيلة المفتي لم يلتق بالصحافة الفلسطينية ولم يصدر بياناً واحداً يُستَفادٌ منه ذرة انتقاد للاحتلال أو للحفريات الجارية تحت المسجد الأقصى، ناهيك عن شجبه للاحتلال وسياساته ودعمه لحقوق الشعب الفلسطيني.

أما المطران عطا الله حنا، الزعيم الروحي للطائفة الأرثوذكسية وابن فلسطين والذي لم يقابله فضيلة المفتي فقد حدد موقفه من هذه الزيارات من دون مواربة. قال : إنني ارفض زيارة القدس في ظل الاحتلال. فهذا موقف مبدئي أتمسك به وسأبقى. ولكنني لا اشكك في مصداقية او وطنية من يخالفونني الرأي. إن الذي يحرر القدس هو ليس زيارتها في ظل الاحتلال، وإنما أن يتخذ العرب قراراً استراتيجياً بتحريرها واستعادتها. أما السماح بزيارة القدس دون أي ضوابط فهذا لن يحرر القدس بل سيستعمل من قبل «إسرائيل» لكي تظهر أمام العالم وكأنها دولة ديموقراطية ترحب بزائريها وتفتح الأبواب أمامهم بهدف الوصول الى المقدسات. ويقول المطران عطا الله حنا أولئك الذين يدعون لزيارة القدس عليهم أن يعرفوا بأن «إسرائيل» هي المستفيد الحقيقي من هذه الزيارات، وهي تستفيد اقتصادياً وسياسياً واعلامياً لكي تظهر أمام العالم بأنها تستقبل المؤمنين من كل الأديان وتقدم لهم كل التسهيلات.

لقد جاءت زيارة فضيلة المفتي والداعية اليمني حبيب الجفري في أعقاب خطاب الرئيس الفلسطيني الذي حث فيه على زيارة القدس وارتكب أخطاء تاريخية فاضحة، كان الأجدر به أن يدقق فيما يقول ولا يرتجل. هذا الخطاب مهد للسياحة الدينية التي أسست «إسرائيل» وزارة خاصة بها. وجاء هذا الخطاب والزيارتان في الوقت الذي كان أنصار القضية الفلسطينية وشعبها يشدون الرحال من مختلف الأقطار للمجيء الى القدس وفلسطين بمناسبة ذكرى يوم الأرض الفلسطيني وبرنامج «مرحباً بكم في فلسطين» وهما مناسبتان تبناهما المجتمع المدني الفلسطيني بدعم من منظمات المجتمع المدني في أقطار أجنبية متعددة. هؤلاء الزوار تدخلت «إسرائيل» لدى شركات الطيران الأوروبية والأمريكية التي قامت بإلغاء حجوزاتهم، في حين كان الاعتقال في المطار والترحيل نصيب من استطاعوا الوصول. هؤلاء الزوار لم يجيئوا مقاتلين وإنما جاؤوا معبرين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، ومع ذلك هذه كانت معاملتهم. وشتان بين هذه المعاملة ومعاملة فضيلة المفتي والداعية اليمني.

وليس من باب المصادفة أن تتم زيارة المفتي والداعية في نفس الفترة وأن يكون القائمان بها من رجال الدين الإسلامي: هذا داعية وذاك مفتي. لقد وفرت زيارتهما وخطاب الرئيس الفلسطيني في نفس الفترة الدعاية التي تتمناها «إسرائيل» للرد على الزوار الآخرين وللرد على اتهامها بالعنصرية وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني. مرة أخرى كسبت «إسرائيل» الجولة بسبب ضحالة التفكير والقدرة على التحليل لدى من تتوجه إليه من قيادات فلسطينية وعربية وإسلامية. فهل أقوى من موقف الرئيس الفلسطيني ومفتي الديار المصرية وداعية يمني قد يكون ممن اشتهروا بدور أثناء الثورة اليمنية في مقابل مواقف شباب متهور مندفع يؤيد «الإرهاب» كما تصفهم الدعاية «الإسرائيلية».

وجاء الرد الشعبي على الزيارتين في المغرب حيث ظهرت حركة تقودها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وذلك لكسر الحصار المفروض على القدس، وستنطلق هذه الحركة في العديد من المدن المغربية وبمشاركة المكونات المدنية والسياسية المغربية بالإضافة الى مبادرات رسمية. وذكرت جريدة «القدس العربي» في عددها الصادر بتاريخ 9 مايو 2012 أن السيد محمد بنجلون الأندلسي رئيس الجمعية دعا العرب والمسلمين الى الكف عن تبذير الأموال على نزواتهم وتوجيه الدعم الى أشقائهم الفلسطينيين، وقال إذا ضاعت القدس سيضيع العرب والمسلمون وليس القدس وحدها.

وأملنا أن ينشط شباب المغرب في اتصالاته مع بقية الشباب العربي لتمتد هذه الحركة الشعبية وتكون رداً عملياً ومؤثراً على دعاة الزيارات ودعمها لدعاة التحرير.

المشكلة هي في الحدث وفي مغزاه وفي مناسبة يبدو أن من بين متطلباتها أن يكون رأس فضيلة المفتي، والمفتي بالذات، مغطى بقبعة لا عمامة. ومن المؤكد أنه ليس من متطلبات زيارة المسجد الأقصى أو أي مسجد التخلي عن العمامة ولبس قبعة، ولكن لبسها مشترط لديهم عند زيارة مكان مقدس من أماكنهم. هناك سر نود من فضيلته أن يتحراه ويكشف عنه. ويؤلمنا أن سمح فضيلته لنفسه بأن لا يتروى فيما دعي إليه ـ غفر الله له.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2165777

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165777 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010