الخميس 24 أيار (مايو) 2012

قمة «مجموعة الصفر»

الخميس 24 أيار (مايو) 2012 par جميل مطر

أحسن معلق أمريكي كان يحلل سلوك الدول العظمى في قمة الثماني التي انعقدت في كامب ديفيد نهاية الأسبوع الماضي، حين اقتبس من الشاعر وليام بايكر ييتس Yeats مقدمة قصيدة كتبها عام 1921 يصف فيها أعضاء في اجتماع لم يثمر، قال فيها «إنه وجد أحسنهم مفتقراً إلى قناعة ومبدأ، وأسوأهم مفعماً بحماسة وعاطفة شديدتين».

لا أجد وصفاً أفضل من هذا الوصف ينطبق على أعضاء مؤتمر قمة الدول الصناعية الكبرى في دورته الأخيرة التي استضافها الرئيس باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد قبل أيام قليلة. هذه المقدمة لقصيدة الشاعر ييتس كافية في حد ذاتها، كمقدمة، لتحليل اللحظة السياسية الراهنة في عالم اليوم. وقد أضيف إليها من جانبي خلاصة تحليلي الشخصي لوقائع هذا المؤتمر ونتائجه وأصدائه، فأقول، وبقليل من المبالغة، إن هذه المجموعة أصبحت بفضل سوء أدائها المتكرر في السنوات الأخيرة، والمستوى المتدني بشكل لافت في اجتماع كامب ديفيد، تستحق عنوان «مجموعة الصفر» (G-Zero)، بدلاً من مجموعة الثماني (G- 8) أدرك أن في هذه الخلاصة بعض القسوة، ولكنها أفضل ما استطعت التوصل إليه للتعبير عن حال المجموعة التي عرضت ثم عينت نفسها قيادة جماعية للنظام الدولي.

ملاحظتي الأخرى هي أنني أتصور أن الأمريكيين أخطأوا حين قرروا عقد قمتين في تعاقب سريع، قمة حلف الأطلسي «الناتو» في شيكاغو في أعقاب قمة الثماني في كامب دفيد بمرتفعات ميريلاند المتاخمة للعاصمة واشنطن. إذ إن الضعف، ولا أقول الفشل، الذي أحاط بقمة الثماني في كامب ديفيد انتقل بالعدوى أو التماهي إلى قمة الناتو في شيكاغو التي انعقدت بفاصل يوم واحد عن قمة كامب ديفيد. كان في إمكان منظمي المؤتمرين مراعاة أن البند الأصعب في قمة الثماني هو نفسه البند الأصعب في قمة الناتو، ألا وهو استعداد الدول الغربية أو قدرتها على تمويل عمليات انسحاب الحلف الغربي من أفغانستان، ثم تمويل عمليات الاستمرار هناك في شكل آخر وبأعداد أخرى، في وقت تعلم واشنطن كما يعلم العالم بأسره، أن الحلفاء الأوروبيين يعانون أزمات اقتصادية خانقة، وأنه قد يكون في حكم المستحيل أن يوافق مجلس نواب في أي دولة أوروبية من دول الحلف على إنفاق أموال على أفغانستان بينما شعبه محروم منها.

يقال عادة، قبل انعقاد قمة الثماني وبعدها مباشرة، إن جدول الأعمال زاخر بالموضوعات العديدة والحيوية، ثم يتبين أن معظم بنود هذا الجدول لم تناقش وأن فقرات في شأنها كانت قد أعدت سلفاً لتصدر في البيان النهائي. من هذه البنود التي جاءت في جدول أعمال قمة كامب ديفيد، موضوع الأمن الغذائي وتخصيص مبلغ اثنين وعشرين مليار دولار لإنعاش الزراعة في دول إفريقيا بخاصة. وقد جاءت في البيان النهائي الفقرة كثيرة التردد في مؤتمرات سابقة تقول إن الأمر نوقش وإن الدول أكدت التزاماتها وتعهداتها حسب مبادرة عام 2009، وإنها جميعاً مسرورة وسعيدة وترحب بالضيوف «الأفارقة» الأربعة الذين جاؤوا هذه المرة من إثيوبيا وبنين وغانا وتانزانيا. وكالعادة جعلهم المنظمون يظهرون في صورة، كما فعلوا مع غيرهم من «الزعماء الأجانب» الذين يؤتى بهم في كل عام لتزيين صورة «القيادة الدولية». وكانت بريطانيا قد اقترحت ضم دول «البريكس» والمكسيك إلى قائمة الضيوف.

أتفهم تركيز الكبار على قضيتين رئيستين هما أزمة منطقة اليورو ومستقبل اليونان من ناحية، ومن ناحية أخرى احتمالات وقوع أزمة في الطاقة خلال الأسابيع القليلة المقبلة بسبب الحصار المفروض على إيران أو لأسباب أخرى تتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية . أما فيما يتعلق بأزمة منطقة اليورو، فقد بات واضحاً أن أنجيلا ميركل تعرضت لضغط كبير من زملائها وبخاصة من باراك أوباما، لتخفيف إصرارها على الاستمرار في سياسة خفض الإنفاق في دول منطقة اليورو، رغم ما تسببت هذه السياسة من بطالة أوسع، فضلاً عن أنها صارت تهدد اليونان بالإفلاس وتزيد من احتمالات سقوط إيطاليا وإسبانيا بعد اليونان. لا غرابة في أن يهتم باراك أوباما، فقد أدرك الرجل، وإن متأخراً، أن الأزمة في أوروبا حدّت من فرص الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة . ولم يتبق سوى شهور قليلة على الانتخابات الرئاسية، وهي الانتخابات التي ستقرر فوز أو هزيمة أوباما لأسباب اقتصادية. يقول اقتصاديون أمريكيون إن سياسات التقشف الأوروبية أفقدت المستهلكين الثقة بحكوماتهم وبالسياسيين عموماً، وضاعفت من فرص نشوب أزمة اجتماعية وسياسية كاسحة في دول الغرب.

كان واضحاً أيضاً أن الدول الثماني تريد أن تبقى اليونان في منطقة اليورو، وهذا معناه أن تخفف ألمانيا من بعض شروطها، ولكن معناه أيضاً أن يتخذ شعب اليونان موقفاً حازماً ضد اليسار المتطرف فيه. يقول اللورد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا، إن الناخبين اليونانيين يجب أن ينفذوا تعهداتهم كأعضاء في منطقة اليورو. وهم أمام خيارين، إما تنفيذ الالتزامات فيستمرون أعضاء في منطقة اليورو، وإما التخلي عن الالتزامات فيخرجون من منطقة اليورو، يحدث هذا إذا انتخبوا «بعض المتطرفين المهووسين الذين سيرفضون تسديد أقساط الديون، وهنا تقع الكارثة، لأن منطقة اليورو ستطالبهم بالخروج منها وبعدها يواجهون الفقر الحقيقي».

التهديد حقيقي ويردده مسؤولون آخرون في أوروبا، ليس تعاطفاً مع الشعب اليوناني بقدر ما هو خوف شديد من انعكاسات طرد اليونان من منطقة اليورو على الاقتصاد العالمي وبخاصة الأوروبي والأمريكي. المشكلة الحقيقية الآن التي يتهرب من الاعتراف بوجودها معظم حكام الغرب هي المتعلقة بأزمة الرأسمالية الغربية، فبالحال المتدهور للاقتصادات الرأسمالية الكبرى في العالم، يصعب تصور أن يتحمل النظام الاقتصادي العالمي عواقب هزات جديدة، كتلك التي يمكن أن يتسبب فيها ألكسيس تسيبراس زعيم حزب سيريتسا اليساري المتطرف، وبخاصة بعد أن وصلت شعبيته إلى ما يزيد على 25%. هذا هو الدليل الجديد على صحة ما يذهب إليه اقتصاديون كبار في أوروبا من أن استمرار الأزمة الراهنة في القارة سوف يؤدي إلى أن يسار ويمين أوروبا كلاهما سيزداد تطرفاً. وهو أيضاً الدليل الذي يؤكد ما ذهب إليه مسؤول بريطاني كبير قال إن منطقة اليورو «أصبحت في حقيقة الأمر بلا قيادة، وإن حالة عدم الاستقرار السياسي في أوروبا قد أودت بتسع حكومات في ثلاث سنوات، وهو وضع لا يمكن أن يستمر لأنه يعني شللاً سياسياً وزيادة في التطرف والتعصب القومي».

لم يكن غائباً عن أذهان قادة العالم الغربي أن استمرار الأزمة الاقتصادية إضافة إلى احتمالات نقص المعروض من النفط في الأسواق العالمية في الشهور المقبلة، سيضيف دليلاً جديداً إلى قائمة مطولة من دلائل الفشل في قيادتهم للعالم. لذلك حمل البيان الصادر من قمتهم محاولة لطمأنة الأسواق، بأن الاستعدادات جارية لدعوة وكالة الطاقة الدولية إلى التدخل وإعلان استعداد كل الدول الأعضاء استخدام احتياطاتها النفطية لمنع وقوع كارثة.

تذكرت تصريحاً كان قد أدلى به هوبر فيدرين، حين كان وزيراً للخارجية الفرنسية في عهد جاك شيراك، دعا فيه إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب ليحل محل عالم القطب الواحد، تشترك في قيادته الدول الكبرى وتتقاسم تكلفة إدارته.

تقول الصورة الفوتوغرافية التي التقطت لقادة الدول الثماني الذين اجتمعوا في كامب ديفيد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، إن شيئاً قريباً مما دعا إليه فيدرين قد تحقق. لقد قامت بالفعل قيادة أقرب شبهاً بقيادة متعددة الأقطاب ولكن مفلسة ومنهكة وبحصيلة عمل مازالت حتى الآن «محصورة في خانة الصفر».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181205

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

70 من الزوار الآن

2181205 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 71


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40