السبت 12 أيار (مايو) 2012

نكبة أم نكبات؟

السبت 12 أيار (مايو) 2012 par محمد عبيد

أقل من أيام ثلاثة تبقت على دخول الذكرى الرابعة والستين على اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتهجير نسبة كبيرة من أبنائه قسراً، تحت نيران ومدافع وجرائم إبادة جماعية ارتكبتها عصابات الإرهاب الصهيونية بحق الآلاف، تاركة مساحة سوداء كبيرة في سجل التاريخ الإنساني الحديث، في ما عرف منذ ذلك الحين باسم «النكبة»، تعبيراً عن عمق المأساة الإنسانية، وفظاعة الجريمة التي ارتكبتها الصهيونية العالمية، بدعم من قوى الاستعمار والتفتيت في ذلك الحين وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة.

العقد السابع من مأساة الشعب الفلسطيني المشتّت في أصقاع الأرض يشارف على الانتصاف، ومع مرور زمان الاحتلال الغارق في جرائمه بحقه، يبرز سؤال من بين أنقاض الذكرى الأليمة، عمّا إذا كان الفلسطينيون تعرضوا فقط لهذه النكبة، أم أن تاريخهم الحديث حمل لهم نكبات لا تعد ولا تحصى؟

التاريخ الفلسطيني الحديث لم يبدأ بالتأكيد العام 1948، والمأساة الإنسانية التي مازال الشعب الفلسطيني يعانيها حتى اليوم وغداً، لن تقتصر على ملايين المهجّرين قسراً، وعشرات آلاف الشهداء، وآلاف الشهداء «مع وقف التنفيذ» (الأسرى)، ولن يستطيع أحد اختزالها بيوم لإحياء ذكرى، أو حفل تأبين للضمير الإنساني، والمجتمع الدولي الذي يتحمّل بقواه العظمى والفاعلة مسؤولية كبرى عما حل بالشعب الفلسطيني، والمدان بدعم كيان الإرهاب والاغتصاب والسلب، والغارق في سبات اختياري على مدى العقود الماضية، والمتورط في تشريع سرقة فلسطين التاريخية، من خلال قرار التقسيم البغيض.

التاريخ الفلسطيني أعمق من أن يعطى تاريخاً محدداً كنقطة بداية، وأكثر تعقيداً من أن يبسّط إلى درجة تحويله إلى مرثاة، أو وقوف على أطلال الذاكرة بإحياء الذكرى، أو جعله أشبه بحفل تأبين كبير يشارك فيه القاتل أولياء الدم، في مسرحية لا تخلو من «كوميديا سوداء»، وتطبيق عملي للمثل الشعبي «يقتل القتيل ويمشي بجنازته».

نكبات الشعب الفلسطيني على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، قد لا تحصى، وإن وضعت في إطار سلسلة من المحطات المفصلية التي طبعت مستقبل قضية هذا الشعب، والاستهداف «الإسرائيلي» المتواصل لكل ما يمتّ بصلة إلى هذه القضية أو شعبها، يشي بما سيكون عليه المستقبل القريب، وما سيواجهه أبناء الشعب الفلسطيني من عدوان وجرائم.

والمثال الأكبر والأقرب إلى الذهن حالياً، ما آلت إليه حال أسرى الحرب الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، الذين يخوضون معركة سلمية كبرى ضد سجّانيهم، فمنهم من تجاوز في معركة الأمعاء الخاوية سبعين يوماً، وبات فعلياً شهيداً محتملاً مع تعنت الاحتلال، وفي ظل إعلان خمسة أسرى بينهم صاحبا أطول فترة إضراب عن الطعام التي تبلغ اليوم 75 يوماً، بلال دياب وثائر حلاحلة، إضرابهم عن تناول الماء والدواء، ومنهم وهؤلاء هم الأغلبية المتبقية من الأسرى، من أتموا خمسة وعشرين يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام، الذين ناهز عددهم ثلاثة آلاف أسير، ما يعني عملياً قرابة ثلاثة أرباع الأسرى، وهؤلاء جميعاً يواجهون بأمعاء خاوية نكبة جديدة محققة، يرسم الاحتلال «الإسرائيلي» معالمها، برفض مطالبهم، ويصرّ على مواصلة استهدافهم بممارسات وسياسات القتل البطيء.

الشعب الفلسطيني الذي بات معتاداً تلقي الصدمات، وتجرع الخيبات يومياً من العدو والصديق، ومدّعي حماية حقوق الإنسان، يواصل معركته التاريخية، وأبرز عناوينها العودة والدولة، وتقرير المصير، وإنهاء أطول احتلال كولنيالي في التاريخ الحديث، ولا شك في أن سلسلة النكبات التي واجهها على مدار سنوات النضال والصبر، ستستمر إلى حين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010