الجمعة 11 أيار (مايو) 2012

المعارضة السورية وخيبة الأمل الأميركية

الجمعة 11 أيار (مايو) 2012 par د. سمير كرم

قليلة الى حد الندرة هي الأشياء المؤكدة هذه الأيام بشأن الوضع في الوطن العربي وبشأن الموقف الأميركي إزاء هذا الوضع، باستثناء عدم ثقة أميركا بقدرة المعارضة السورية على تحقيق انتصار حاسم على الدولة السورية.

وقد وصل الأمر الى حد تخشى معه أميركا ان التدخل الأميركي - الأطلسي في سوريا ـ بقرار مؤيد من الأمم المتحدة او بدون هذا القرار ـ لا يضمن للمعارضة السورية القدرة على التغلب على الدولة السورية. وهذا ما يصرح به المسؤولون الأميركيون، بل والناطقون بلسان المعارضة السورية في باريس وغيرها من العواصم، إلا ما يقوله المعارضون السوريون في عواصم الوطن العربي. فهؤلاء تنطق تصريحاتهم ببيانات مغايرة تماماً لتلك التي تنطلق خارج المنطقة العربية. ولهذا تبدو المعارضة السورية، التي تصورها تصريحات الناطقين بلسانها، في العواصم العربية مختلفة تماما عن المعارضة السورية التي تكشف انقساماتها ونقاط ضعفها تصريحات الناطقين بلسانها في العواصم الغربية.

يضاف الى هذا الاختلاف البالغ الدلالة صمت «الأطلسي» البالغ الدلالة أيضاً بشأن أحداث سوريا وبشأن المعارضة السورية. مع ان الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة يملك خبرات واسعة وعميقة تراكمت مع اتساع دوره في بلدان يوغوسلافيا السابقة (ما كان يسمى في حينه حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات من القرن الماضي) وتأكيد هذا الدور في ليبيا.

المسألة بالنسبة لسوريا لا تدعو واشنطن او بروكسل الى الاطمئنان الى دور يتحتم على المعارضة السورية القيام به لكي تستطيع القوات الأميركية والأطلسية ان تؤدي الدور الذي كانت تستعد للقيام به. وبطبيعة الحال فإنه ليس في الوضع العربي العام ما ينبئ بأن مواقف عربية معينة تحول دون التدخل في سوريا عسكرياً بشكل مواز للتدخل السياسي. بل الواقع إن موقف الجامعة العربية والأمم المتحدة اختلفت بداياته عن نهاياته نتيجة لما بدا من ضعف المعارضة السورية وانكماش قدرتها في مواجهة الدولة السورية (النظام السوري وفقاً للتعبير السائد في الإعلام الرسمي وغير الرسمي في البلدان العربية).

وصل الأمر الى حد أن الناطقين بلسان المعارضة السورية في عواصم الغرب أبدوا مخاوفهم من انه بشأن سوريا بالذات تبدو القيادات العسكرية في الولايات المتحدة أكثر انغماساً في التفكير بتجاربها الأليمة السابقة للتدخل العسكري في فيتنام وفي كوبا وغيرهما، منها بالتفكير في تجربتها الناجحة في ليبيا مؤخراً. كما ان الهزائم المتوالية لقوات المعارضة السورية في الداخل ـ وعلى الرغم من استمرار الإمدادات بالأموال والأسلحة من المملكة السعودية ومن قطر والإمارات وغيرها ـ حملت الولايات المتحدة وقيادة «الأطلسي» على التفكير في سيناريو مختلف لما يمكن ان يحدث في سوريا: «إن جماعات المعارضة تصبح أكثر إدراكاً بان فرصتها الأفضل في تغيير ذي مغزى لا تكمن في القتال العسكري الذي ستخسره بالتأكيد والذي سيؤدي الى قتلها الى جانب فقدانها الدعم والمصداقية، إنما عن طريق المفاوضات والمشاركة في عملية إصلاحية وفي الحوار الذي عرضته الحكومة». (الباحث الأميركي دان غلازبروك في موقع «انفورميشن كليرنغ هاوس» على شبكة «الإنترنت» بتاريخ 5 /5 / 2012).

ويرجح الباحث الأميركي هذا الاحتمال: «نهاية للحرب الأهلية وصلح عن طريق التفاوض الذي يؤدي الى عملية إصلاحية من دون زعزعة استقرار البلد، بأنه هو الاحتمال الذي أدى الى اليأس بين القوى الامبريالية. فعلى الرغم من زعمها بنقيض ذلك فإن آخر ما تريده هو عملية تؤدي الى سوريا مستقرة، لأن هذا الاحتمال يترك الباب مفتوحاً لإمكانية أن تبقى سوريا دولة قوية مستقلة ومناهضة للامبريالية. وهذا على وجه التحديد ما تريد هذه القوى الامبريالية ان تزيله. من هنا وخلال أيام من كسب خطة كوفي أنان استجابة إيجابية من كلا الطرفين في أواخر آذار/ مارس الماضي تعهدت القوى الامبريالية للمرة الأولى بملايين الدولارات لـ«الجيش السوري الحر».

إن مثل هذه التحليلات لا تجد طريقها الى النشر في الإعلام العربي الذي يستمر في تصوير الوضع في سوريا بصورة مغايرة للمسار الحقيقي الذي تصوره كتابات مثل تلك التي صاغها الباحث الأميركي غليزبروك. وأخطر ما في هذه الكتابات ما تؤكده عن اهتمام الغرب بمواصلة نزف الدم والطاقة في سوريا، ليس فقط بهدف استمرار الصدامات المسلحة في سوريا، إنما بهدف مواصلة إضعاف سوريا وتبديد طاقاتها. وهذا يفسر تبني الولايات المتحدة و«حلف الأطلسي» إستراتيجية استمرار الأمر الواقع وليس إستراتيجية تغيير هذا الأمر الواقع لصالح أي من الطرفين المتصارعين في سوريا.

إن الإستراتيجية الأميركية - الأطلسية تواجه الآن احتمالات الفشل بسبب ما تراقبه من اختلافات بين قوى المعارضة السورية في الداخل وفي الخارج. وأخطر ما تراقبه هذه الإستراتيجية الاختلاف بين معارضة سورية تريد ان تعمل من داخل الأراضي التركية وبدعم من الولايات المتحدة و«حلف الأطلسي»، ومعارضة ترفض هذا باعتبار ان نشاطها من داخل الأراضي التركية يفقدها القدرة على العمل من دون الرضوخ لتوجيهات الحكومة التركية، ويفقدها بالتالي أي تأييد او حتى احترام يمكن أن تأمل فيه من جانب الشعب السوري.

مع ذلك، فإن صانعي القرار الغربيين يصرون على إفشال أي اتفاق يمكن التوصل إليه لوقف إطلاق النار بين الدولة السورية والمعارضة، مهما كان رأي المعارضة السورية، وبالطبع مهما كان رأي الحكومة السورية، فإنهم يضعون نصب أعينهم ان يستمر نزف الدم السوري ونزف الطاقة السورية. ووراء هذا الهدف يأتي التطور الأخير الذي تمثل في تمكين مرتزقة أجانب من دخول الأراضي السورية، من اجل القيام بدور أصبحت أقسام من المعارضة السورية ترفضه. وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية ان هذه الخطة الجديدة لإدخال عناصر أجنبية الى سوريا لخوض معارك ضد الدولة السورية يتم تنفيذها بواسطة روبرت فورد السفير الأميركي في دمشق. ولكي تؤكد الصحيفة الأميركية صحة معلوماتها عن هذه الخطة فإنها تذكّر قراءها بأن السفير فورد هو من أتباع جون نيغروبونتي. أما من هو نيغروبونتي فهو الدبلوماسي الأميركي السابق الذي نظم استخدام وحدات القتل التي حملت اسم «الكونترا» عندما كانت الخطة الأميركية تنفذ لزعزعة استقرار نيكاراغوا في الثمانينيات من القرن الماضي. وتؤكد «واشنطن بوست» ان السفير فورد ينظم جماعات مماثلة في سوريا في الوقت الحاضر، وهو نفس ما فعله في سوريا أيضاً في العام الماضي لأغراض مماثلة. كما تؤكد الصحيفة ان هذه الجماعات الأجنبية التي تجند الآن في سوريا على يد الأميركيين والتي يمكن ان نطلق عليها أيضاً وصف «الكونترا» هي المسؤولة عن التفجيرات الوحشية التي حدثت في كل من دمشق وحلب في الأسابيع الماضية.

مع ذلك يبدو ان حالة الإحباط التي أصابت المعارضة السورية آخذة في الازدياد لأن الخطط الأميركية والأطلسية لا تولي اهتماماً او اعتباراً بسمعة المعارضة السورية من وراء استخدام «الكونترا» الأجنبية، الأمر الذي لا يتطابق مع رؤية بعض قوى المعارضة السورية، وخاصة القوى التي أرادت وأعلنت بوضوح إنها تؤيد خطة كوفي أنان لتحقيق وقف حقيقي لإطلاق النار في سوريا. وبطبيعة الحال فإن خطة «الكونترا»، التي تشرف على تنفيذها الدبلوماسية الأميركية السرية، تزيد من اتساع الهوة بين جماعات المعارضة السورية في الداخل وجماعات المعارضة في الخارج. وكتب المعلق السياسي الأميركي جون غليزر (وكالة «اسوشييتد برس» الأميركية للأنباء في 4/ 5/ 2012) إن إحدى حركات المعارضة السورية النشطة تدعو الآن لوقف الصراع المسلح وتدعو بشكل خاص الجماعات المعارضة لإلقاء أسلحتها والعودة للالتزام بالاحتجاج السلمي. مع ذلك ـ يمضي غليزر ـ «فإن بعض جماعات المعارضة المسلحة لا تزال ترفض وضع أسلحتها جانباً وتعلن صراحة تطلعها الى تدخل دولي. في الوقت نفسه تعلن إدارة الرئيس أوباما اعتقادها بأن وقف إطلاق النار الذي تتوسط فيه الأمم المتحدة آخذ بالفشل...».

الى هذا الحد يتناقض ما تنشره الصحافة الأميركية، وما ينشره الإعلام الأميركي بوجه عام، عن الصراع الدائر في سوريا وعلى سوريا، مع ما ينتشر في الإعلام العربي ـ ليس فقط في الإعلام السعودي والخليجي وإنما في الإعلام المصري بالمثل، حيث يبدو الصراع السوري الجاري تعبيراً عن ثورة شعبية، وحيث يبدو ان الاحتمالات تشير الى نهاية حتمية واحدة هي نهاية النظام السوري، وأما بعد ذلك فإن الإعلام العربي ـ مع استثناءات قليلة للغاية ـ لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم (...).

لا يزال الإعلام العربي في مجمله يتحدث عن «أصدقاء سوريا»، بينما الإعلام الغربي يجاهر صراحة بأن «أصدقاء سوريا ليسوا أصدقاء الشعب السوري»، وفقاً لما قاله موقع «آكسس أوف لوجيك» على شبكة الانترنت في 2/ 5/ 2012). وفي هذا التحقيق نفسه تظهر «إسرائيل» بين «أصدقاء سوريا» ومعها ـ بطبيعة الحال ـ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمملكة السعودية وتركيا وقطر والكويت والأردن ومصر والبحرين. وهي جميعاً بوصف هذا الموقع «دول قمعية ومنتهكة لحقوق الإنسان... لقد دعمت الولايات المتحدة وحلفاءها ولا تزال مستمرة في دعم أكثر نظم الحكم قمعية وارتكاباً لجرائم القتل على كوكب الأرض». ان من المهم ان نتذكر ان «أصدقاء سوريا» هم نفس الأصدقاء الذين تواطأوا مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في غزو وتدمير العراق.

إن تحيز الإعلام العربي ـ في مجمله ـ لخيبة الأمل الأميركية وضد الشعب السوري ومصالحه ومستقبله ليس من شأنه ان يغير شيئاً من الواقع. ولكن الحقيقة ستتضح وتسطع حين تعطي الأحداث ختاماً مختلفاً عن توقعات الإعلام العربي لما يجري من صراع في سوريا وخارجها. ربما لا يتضح إلا أمر واحد وهو أن الإعلام العربي يضع نفسه على قائمة «أصدقاء سوريا» (...).



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40