السبت 5 أيار (مايو) 2012

انتصار الضحية على دمها

السبت 5 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

لم تبق مؤسسة أو دائرة أو زاوية أو قانون في «إسرائيل» خلواً من الكراهية والعنصرية ضد كل ما ومن هو عربي. عنصرية تعلو وتصعد وتتسع على مستوى السلطة والأفراد وطالت حتى المقابر والمساجد. لكن في هذه الأجواء تفوز فتاة فلسطينية في مسابقة عنوانها الغناء الشعبي في «إسرائيل». نسرين قادري فتاة فلسطينية من مدينة حيفا المحتلة عام 48، انتقلت من مغنية أعراس إلى فائزة بأكبر مسابقة لاختيار الأصوات الشابة الجديدة في الكيان، بعدما غنت أغنية باللغة العبرية كُتبت في ذكرى الجنود القتلى الصهاينة. لم تكن الأغنية للسلام والتعايش كما اعتاد بعض فناني التطبيع، بل كانت عبارة عن صلاة لحماية «إسرائيل».

بعض الأوساط الثقافية في مناطق الـ «48» رأت في هذا الفوز اختراقاً لحصن العنصرية، حفنة أخرى أوضح ليبرالية و«تعايشاً» اعتبرت مجرد المشاركة اختراقاً وكسراً لحاجز تنسب بناءه لـ «متطرفين يهود». والآن يجب أن ننتظر وجهة نظر أكثر جرأة تعتبر فوز فلسطينية بمسابقة صهيونية نصراً وفتحاً مبيناً.

يبدو أننا بحاجة في كل ساعة ودقيقة للعودة لبدايات المنطق كي نفهم أين نقف وإلى أين نتجه، فمن لا يرى الصورة كاملة لا يمكنه أن يميّز الأنف من الأذن من زر القميص، فكيف بالقضايا المصيرية التي لا يتورّع البعض عن بيعها في سبيل ابتسامة من مؤسسة أمريكية أو أوروبية أو حتى «إسرائيلية»؟. فنجمة نجوم التطبيع الغنائي هذه لم تقتحم حصن العنصرية الصهيونية بسيفها العربي، ولم تحصل على عار المشاركة في المسابقة إلى أن ملأت الأشهر الثلاثة التي سبقت المسابقة بتصريحات الولاء للصهاينة والتنصل من أصلها العربي الفلسطيني، والتعبير عن الفخر الأجوف بهويتها «الإسرائيلية»، فأين الاختراق وأين الانتصار؟ عندما تقتحم ثقافة الآخرين بثقافتك تكون انتصرت، لكن إذا تبنيت ثقافتهم وهويتهم تكون بعت نفسك ونصرتهم.

ما فعلته نسرين يعيد للأذهان قصة أحد فلسطينيي الـ 48 من مدينة اللد، الذي يقول إنه عندما كان في المدرسة دأب على ارتداء «شورت وتي شيرت» والاحتفال مع «الإسرائيليين» بذكرى نكبة شعبه باعتبارها «استقلالاً» للكيان الصهيوني، وحتى تلك اللحظة كان بنظرهم تلميذاً «نجيباً»، وعندما كبر وأتيح له أن يفهم حقيقة الصراع التحق بإحدى فصائل المقاومة، وها هو يقبع في أحد سجون الاحتلال منذ أكثر من ربع قرن.

«إسرائيل» تنخرها العنصرية وهذا لا نقاش فيه، لكنها تدرك أن دخول أي فلسطيني وعربي في أي من لعباتها أمر مرحب به، لأن من شأنه أن يخدم دعايتها «الديمقراطية»، وبالتأكيد سيكون الأمر مرحباً به أكثر عندما يكون هذا الدخول تبنياً لثقافتها وموقفها و«هويتها». من يشارك في مناسبة «إسرائيلية» يكون «إسرائيلياً» بالوكالة والتطوّع، ومن يدخل «الكنيست» من مدخل مكتوب عليه «اعملوا على قيام «إسرائيل» من الفرات إلى النيل»، لن يكون مختلفاً عن «الإسرائيلي». لذلك لا تمانع «إسرائيل» في أن يترشّح عربي لمنصب رئيس حكومتها، لأن العنصرية ستظهر لاحقاً عندما يحصل على أصوات زوجته وأولاده وبعض أبناء عمه، فيسقط وتحيا الديمقراطية «الإسرائيلية».

«إسرائيل» تعمل للتحول إلى «دولة يهودية»، هذا مؤكّد، ولكنها تستخدم بعض الفلسطينيين والعرب لتحقيق هذه الغاية، وبعد ذلك لن يكون لهؤلاء مكان في «دولة» تعلن أنها لأتباع دين واحد. وعندما يحيط بـ «إسرائيل» عدد من الدول الدينية، ستقول للعالم: جاء دورنا، وستكون الترجمة العملية لذلك أن يذهب أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في مناطق الـ 48 إلى دول ينتمون إلى ديانتها.

صحيح أن نسرين نجحت في الاستيلاء على قلوب الصهاينة، لكنهم نجحوا في الاستيلاء على كل فلسطين، والقادم أخطر طالما الضحية تنتصر على دمها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178784

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178784 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40