الجمعة 4 أيار (مايو) 2012

أميركا تخطط لحرب عالمية

الجمعة 4 أيار (مايو) 2012 par د. سمير كرم

قبل أربعة أشهر ظهر بحث مطول على موقع «غلوبال ريسيرش» الالكتروني الأميركي تحت عنوان «عولمة الحرب: خريطة الطريق العسكرية الى الحرب العالمية الثالثة». وقد انقسم البحث المذكور الى عدة أجزاء، كان الجزء الأول منه تحت عنوان: «التصميم العسكري العالمي لـ «البنتاغون» تقسيم يهدف الى غزو العالم»، والجزء الثاني تحت عنوان: «الانتشار العسكري لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يتم في مناطق عديدة من العالم في وقت واحد». وأما الجزء الثالث فحمل عنوان: «مفهوم الحرب الطويلة يميز المذهب العسكري الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».

بدا البحث قريباً للغاية من كتابات الاستراتيجيين السوفيات قبل أكثر من عشرين عاماً ولمدة طويلة من زمن الاتحاد السوفياتي. ولهذا بدا يكرر مفاهيم قديمة كنا قد اعتقدنا انها انطوت بتفكك الاتحاد السوفياتي والنهاية التي ختمت وجوده. ولكن تطورات الشهور الماضية تعيد الى الأذهان مفاهيم العسكرية الأميركية، وتجعل الاتهامات السوفياتية تبدو مبررة ومعقولة. بل إن هذه المفاهيم المتجددة تبدو مثيرة للفزع، خاصة أنها تأتي من كتاب أميركيين للشؤون الإستراتيجية، وأن هؤلاء الكتاب ابعد ما يكونون عن الشيوعية في اي صيغة من صيغها.

فما الجديد؟ أمران على درجة قصوى من الأهمية، أولهما ما أعلنه البنتاغون قبل أيام (بالتحديد في 26 نيسان /ابريل الحالي) عن إنشاء وكالة جديدة للمخابرات العسكرية الأميركية باسم «خدمة الدفاع السرية». وأعلن «البنتاغون» ان الوكالة الجديدة ستنشر عدة مئات من ضباط المخابرات للقيام بعمليات تجسس موجهة الى أهداف تتعلق بحروب أميركية مستقبلية وتستهدف كلاً من الصين وإيران. أما الأمر الثاني فهو الجهد الهائل الذي تبذله الولايات المتحدة لتحويل حلف شمال الأطلسي الى حلف دولي، لا تقتصر مهامه الدفاعية او الهجومية على شمال الأطلسي من ناحيته الغربية حيث تقع الولايات المتحدة نفسها، او من ناحيته الشرقية حيث تقع أوروبا. فالواضح ان خطة توسيع نطاق المهام العسكرية للحلف لا تقتصر على مد مظلة الحلف لتشمل أوروبا الشرقية، إنما تمتد لتشمل منطقة «الشرق الأوسط» والشمال الأفريقي وكل إفريقيا و كل آسيا، بما فيها الصين وجنوب شرق آسيا التي تشمل فيتنام وماليزيا والفيلبين وأندونيسيا حتى استراليا، بل تمتد الى أميركا اللاتينية لتشمل القارة الأميركية الجنوبية بأكملها. وقد عقد «حلف الأطلسي» في بروكسل مؤتمراً على مدى يومين حضره القادة العسكريون من خمسين دولة، أي ما يزيد على ربع دول العالم. كان الهدف المعلن للمؤتمر «بحث مستقبل أفغانستان». ولكن الهدف غير المعلن الذي تسرب الى الإعلام الأميركي والأوروبي، ربما بصورة متعمدة من القيادة الأميركية للحلف، ارتبط باجتماع سابق عقد في بروكسل أيضاً في كانون الثاني/ يناير الماضي وحضره القادة العسكريون من 67 دولة، وبالتالي كان «اكبر اجتماع لرؤساء أركان الحرب في تاريخ العالم كله». بالإضافة الى هذا، فإن اجتماعي القادة العسكريين كانا تمهيداً لاجتماع أكثر توسعاً لما يسمى «اللجنة العسكرية لحلف الناتو». وهذا الاجتماع مقرر عقده على مستوى رؤساء الأركان في مدينة شيكاغو الأميركية. وتفيد المعلومات المتاحة حتى الآن عن اجتماع «القمة العسكرية» هذا ان موضوعه الرئيسي سيكون دور حلف «الناتو» العسكري العالمي. والدول التي سيمثلها في هذا المؤتمر رؤساء أركانها هي دول أميركا الشمالية وأميركا الوسطى وأميركا الجنوبية وأوروبا و«الشرق الأوسط» ودول القوقاز (الجمهوريات السوفياتية السابقة في وسط آسيا) وشمال شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية) وجنوب شرق آسيا ودول جنوب المحيط الهادي. وقد تأكد ان الإمارات العربية المتحدة ستكون بين الحضور.

واذا عدنا الى التطور الأول الذي ذكرناه فإن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤول عسكري أميركي قوله إن الهدف من إنشاء «خدمة الدفاع السرية» هو إعادة ترتيب العمليات البشرية المخابراتية لوزارة الدفاع الأميركية ككل، فضلاً عن تأمين وجود ضباط المخابرات الأميركيين في المواقع الصحيحة لمتابعة المتطلبات. والمسؤول العسكري نفسه لم يشأ ان يوضح ما يعنيه على وجه التحديد بهذه «المتطلبات». ولكن الباحث الاستراتيجي الأميركي بيل فان اوكين قال إن من المرجح ان يكون هدف الوكالة الأميركية الجديدة للتجسس هو «إيران التي تنظر إليها واشنطن على أنها عقبة لا يمكن احتمالها أمام مسعى الامبريالية الأميركية لتأكيد هيمنتها على المناطق المنتجة للطاقة ذات الأهمية الإستراتيجية، مناطق الخليج وآسيا الوسطى». وألمح الباحث الى ان «وكالة المخابرات الدفاعية الأميركية تركز أساساً على إمداد القادة الميدانيين خاصة في العراق وأفغانستان، إلا ان الخدمة الدفاعية السرية ستوجه فيما يبدو نحو الاستعداد لحروب لم تقع بعد».

معنى هذا أن إيران تقع في دائرة الاهتمام العسكري الأميركي، ليس فقط من زاوية التعهد الأميركي بالوقوف الى جانب «إسرائيل» اذا قررت هذه ان تنفذ تهديداتها بشن هجمات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية. وهنا ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار ما ذكرته صحيفة «واشنطن تايمز» اليمينية الاتجاه في 26 نيسان/ ابريل الفائت، من ان الإدارة الأميركية تعتقد ان إيران تسعى لتشكيل «جيش قراصنة» بغرض استهداف «وحدات البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة كمحطات توليد الكهرباء وشبكات المياه عبر هجمات على أنظمة التشغيل بـ«الإنترنت» حال نشوب مواجهات مستقبلية بين البلدين». وذكرت الصحيفة أيضاً أن لجنتي الأمن الداخلي بمجلسي النواب والشيوخ الأميركيين عقدتا جلسة استماع مشتركة لمناقشة هذا الأمر مع تصاعد المخاوف من طموحات نووية إيرانية وتوقعات بوجود عملية عسكرية وشيكة من جانب «إسرائيل» ضد ايران.

في الوقت نفسه كشف الجنرال بيني غانتز، رئيس أركان حرب الجيش «الإسرائيلي»، عما وصفه بأنه «إمكانية مشاركة دول أخرى مع «إسرائيل» في شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية». وعقبت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية على هذا التصريح قائلة إن هذا التلميح يفيد بوجود ضوء اخضر من دول أخرى لمهاجمة إيران والبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل». وعلى الرغم من ان رئيس الاركان «الإسرائيلي» رفض الإفصاح عن تلك الدول الأخرى واتخذت الصحيفة البريطانية الموقف نفسه، إلا أن أسماء دول مثل السعودية وقطر والإمارات تتردد في مصادر إعلامية عديدة في الفترة الأخيرة باعتبارها دولاً تؤيد مهاجمة إيران وتبدي استعداداً للمشاركة في هذا الهجوم. وقد ورد أيضاً اسم جمهورية آذربيجان في آسيا الوسطى، عندما ذكرت صحافة الغرب منذ نحو أسبوعين، ان «إسرائيل» وأذربيجان وقعتا اتفاقاً عسكرياً بأن تستخدم طائرات «إسرائيل» أراضي هذه الدولة كقاعدة لشن الغارات على أهداف إيران المجاورة.

وفيما يتردد الحديث عن استعداد دول أخرى لمشاركة «إسرائيل» في مهاجمة إيران عسكرياً، فإن وزير الدفاع «الإسرائيلي» ايهود باراك رأى هذا الوقت مناسباً للتحذير من انضمام دول أخرى الى إيران في مجال التسابق على امتلاك القوة النووية. ولكن في هذا المجال لم يتردد الوزير «الإسرائيلي» في تحديد أسماء الدول الأخرى. فقد حذر من انضمام مصر وتركيا لسباق التسلح النووي أسوة بإيران. وقال باراك، الذي كان يتحدث في ذكرى يوم الاستقلال «الإسرائيلي»، «إن التعامل مع هذا التصميم الإيراني الذي قد تنتهجه مصر او تركيا أمر معقد، غير ان التعامل مع هذا التحدي نفسه بعد حصول إيران على قدرة نووية عسكرية سيكون اكثر تعقيداً بشكل ملموس».

وذهبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون الى أقصى مدى في تأكيد تأييد الولايات المتحدة ودعمها لـ«إسرائيل»، إذ أصدرت بياناً في يوم الاستقلال «الإسرائيلي» وصفت فيه أمن «إسرائيل» بأنه حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية في منطقة «الشرق الاوسط»، مؤكدة ان واشنطن و«تل أبيب» تجمعهما روابط عميقة تقوم على أساس المصالح والاحترام المتبادل. وأضافت «ان علاقاتنا مع «إسرائيل» تزداد قوة يوماً بعد يوم، ونحن نعمل على تعزيز الأمن الإقليمي وإنشاء شراكات اقتصادية جديدة وزيادة حجم التجارة البينية وتوسيع التعاون في مجال الطاقة... «اعلموا، وأنتم تحتفلون بعيد استقلالكم وسط التغييرات التي تجتاح المنطقة، ان الولايات المتحدة تقف معكم للحصول على فرص جديدة ومواجهة التحديات الصعبة وستواصل العمل معكم ومع جيرانكم لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط».

ويبقى سؤال لا يمكن الإفلات من الإجابة عليه «هل تستطيع الولايات المتحدة ان تستعد لعولمة الحرب، أي لإثارة حرب عالمية ثالثة - لتأكيد هيمنتها الإستراتيجية والاقتصادية والثقافية على العالم - بينما هي عاجزة تماماً عن الخروج من مأزقها في حرب أفغاستان التي استمرت حتى الآن لنحو احد عشر عاماً، من دون التوصل الى نتيجة حاسمة تمكنها من الخروج من هذه الورطة»؟

لعل الإجابة الوحيدة الممكنة على هذا السؤال هي ان الولايات المتحدة بصدد خطط حربية ضد الصين وفي «الشرق الأوسط»، لمساندة «إسرائيل» ضد إيران وتأمين سيطرتها على مصادر الطاقة النفطية لأجل غير مسمى، وفي أوروبا لفرض هيمنتها الاقتصادية، وبالمثل في أميركا اللاتينية، بسبب هذا العجز الواضح الملموس عن الخروج من مأزق الحرب «الصغيرة» في أفغانستان.

إن خطة الحرب العالمية الثالثة تهدف بالدرجة الأولى والأخيرة الى تأخير تراجع الولايات المتحدة الى مركز الدولة الثانية ـ بعد الصين ـ اقتصادياً واستراتيجياً، الأمر الذي يتوقعه الإستراتيجيون الأميركيون أنفسهم بحلول العام 2020. ولهذا فإن التقدير الاستراتيجي الأميركي يقوم على استخدام القوة الأميركية من الآن وقبل ان يحين وقت التراجع. والتقدير الاستراتيجي الأميركي يعتمد اعتماداً أساسياً على قوة حلف الأطلسي الموسع وليس على القوة الأميركية في حد ذاتها.

وإذا أخذنا بوجهة النظر القائلة إن التغييرات الأخيرة في «الشرق الأوسط» ما هي إلا جزء من الخطة الأميركية فإن الصورة تصبح أكثر تعقيداً مما كانت في أي وقت.

إن أميركا تريد الخروج من الأزمة بتكبير هذه الأزمة.

والأمر المؤكد أن «إسرائيل» هي الطرف الأوحد الذي يمكن ان يخوض هذه الحرب الأميركية عارفاً بتفصيلاتها من الألف الى الياء. مع ذلك فإن أميركا نفسها لا تبدو موحدة وراء هذا الهدف. إنما يبدو لها ان مصلحة «إسرائيل» يمكن ان توحد الأميركيين وراءه. وهذه بدورها رؤية تنظر الى الخلف، فإن النظرة للأمام تؤكد ان تيارات قوية داخل المجتمع الأميركي لم تعد ترى تطابقاً بين مصالح «إسرائيل» ومصالح أميركا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010