السبت 12 حزيران (يونيو) 2010

مطلوب تكامل الأدوار لا تنافسها

السبت 12 حزيران (يونيو) 2010 par شاكر الجوهري

هجمتان خاطئتان تشنان بالتزامن بإتجاه غزة..

الهجمة الأولى يشنها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، وهدفها خلط اوراقه بأوراق حركة “حماس”.

فرئيس السلطة أصبح “مستقتلاً” على مصالحة حركة “حماس”، بعد أن عطل المصالحة الفلسطينية طوال ثلاث سنوات.

في هذه المرة قرر عباس إرسال وفد مصالحة إلى غزة يتشكل من اللجنتين المركزية لحركة “فتح” والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، دون اشتراط توقيع حركة “حماس” على الورقة المصرية، التي سبق له أن وقع على نسخة معدلة منها بعلم المصريين، وبعكس ما تم الإتفاق والتوافق عليه بين وفدي الحركتين، بهدف تحميل حركة “حماس” المسؤولية عن تعطيل وعرقلة المصالحة.

الخارجية المصرية عبرت في تصريح علني لحسام زكي الناطق بلسانها، عن مضمون المناورة السياسية المشتركة مع عباس، بقوله “عودة السلطة الشرعية إلى غزة يرفع الحصار عن القطاع”..!

كما أن عباس، قرر فجأة القيام بزيارة سريعة إلى أنقرة، عله ينجح في:

أولاً: تجيير جانب من المواقف التركية المشرفة لصالح سلطته، بدلاً من أن يصب كل الدعم التركي لحركة “حماس”.

ثانياً: توظيف الثقل التركي للضغط على “حماس” كي تقبل مصالحته.

كيف يكون عباس هو الذي عرقل وعطل المصالحة الوطنية الفلسطينية، وهو الذي يريد الآن توظيف الثقل التركي للضغط على “حماس” من أجل مصالحته..؟!

سؤال منطقي يطرح نفسه في ضوء ما سبق.

لا جدال في أن عباس هو الذي عطل المصالحة، بعد أن أوجد الشرخ العميق في الساحة الفلسطينية.

هو أوجد الشرخ العميق برفضه الإعتراف بفوز حركة “حماس” في الإنتخابات التشريعية، مكتفياً بإعلان اعترافه بهذا الفوز نظرياً.

فعباس رفض اشتراك حركة “حماس” في أول حكومات “حماس”، وقام بتحويل جميع صلاحيات الحكومة للرئاسة، بما في ذلك حجاج بيت الله الحرام. وترك لحليفه محمد دحلان كل الفرص التي تؤهله لأن يرقص “حماس”.. “خمسة بلدي”، كما قال في خطاب علني له في غزة.

رقصة “الخمسة بلدي” هذه أدت إلى افشال اتفاق مكة، واضطرار حركة “حماس” لأن تحسم الموقف عسكرياً في قطاع غزة، ووضع حد للفلتان الأمني الذي استهدف ترويع المواطنين، وتفشيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسماعيل هنية.. أما “حماس”، فقد ظلت تعترف بعباس رئيساً للسلطة بعد الحسم العسكري، ودعته أكثر من مرة لزيارة غزة، فكان يتذرع بأوهام تحول دون ذلك، مثل التخطيط لإغتياله..!

وحين انتهت ولاية عباس، لم تلجأ “حماس” لإجراء انتخابات رئاسية بديلة في قطاع غزة..!

أكثر من ذلك، فإن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” لا يزال يعطل حتى الآن تشكيل مرجعية وطنية، أو مقاومة، في دمشق، ويقف في وجه ضغوطات الفصائل الأخرى في هذا الإتجاه، طالباً مهلة تلو المهلة.

ما كان يعطل المصالحة الوطنية الفلسطينية دوماً هو الإختلاف على البرنامج السياسي لهذه المصالحة.

عباس يشترط على “حماس” الإعتراف بإسرائيل والإلتزام بكل ما وقعت عليه منظمة التحرير، والإنصياع لشروط اللجنة الرباعية.

أما مشعل، ومن وراءه كل قوى المقاومة، فكان يصر على برنامج سياسي مقاوم قاعدة للوحدة الوطنية الفلسطينية.

بالتأكيد أن ضغوط الحصار الأميركي ـ الإسرائيلي ـ العربي، كانت تدفع “حماس” بإتجاه المصالحة، وعدم الذهاب بعيداً على طريق تشكيل مرجعية فلسطينية، موازية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو بديلة لها.

الظروف الآن، وبعد المكاسب السياسية التي حققها اسطول “الحرية لغزة”، أصبح الوضع شديد الإختلاف.

“حماس” لم تعد محاصرة سياسياً في مربع واحد يجمعها مع حزب الله وايران وسوريا، وكل اطرافه مستهدفة بالعدوانية الأميركية ـ الإسرائيلية، وكذلك بعدوانية حلفاء اميركا واسرائيل، ومن بينهم سلطة رام الله..!

“حماس” تحظى الآن بدعم فعّال من طرف فاعل في مثل وزن تركيا..!

تكمن أهمية الدعم التركي في:

أولا: عدم امكانية اتهام تركيا بما تتهم به ايران من تهم مذهبية تحريضية للشارع السني العريض في العالمين العربي والإسلامي.

ثانياً: وبالتالي، عدم امكانية شن حرب اعلامية ونفسية ضد تركيا، واتهامها بأنها صاحبة مشروع مذهبي توسعي.

ثالثاً: أن الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع أن تقامر بمعاداة تركيا، التي تمثل:

1ـ الأغلبية المسلمة السنية، بهذا الشكل أو ذاك.

2ـ الإعتدال الإسلامي، الذي من شأنه معاداته، دفع جميع المسلمين نحو التشدد، وربما على طريقة تنظيم القاعدة.

3ـ طرفاً مسلماً حريصاً على عضويته القائمة في حلف شمال الاطلسي، وعلى الحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي.

وعلى ذلك، فإن الدعم التركي لحركة “حماس” هو دعم قادر على قلب موازين المعادلة الإقليمية ـ بفضل اعتداله ـ لصالح ازدواجية التمثيل الفلسطيني، وعدم حصره في حركة “فتح” التي يقود محمود عباس منظمة التحرير الفلسطينية بإسمها.

بطبيعة الحال، يدرك عباس أنه لا يستطيع دفع اميركا بإتجاه معاداة اميركا، ليس فقط بسبب العوامل السابقة المشار إليها، وإنما كذلك بسبب عدم امكانية تصور اقدام اميركا على ارتكاب خطيئة من طراز دفع تركيا وايران نحو التحالف..!

إن حدث مثل هذا التحالف، لا يعود بإمكان عاقل واحد في الكرة الأرضية أن يصدق أن اميركا لا تستهدف الإسلام والمسلمين في كليتهم، بمن فيهم الحليف التركي..!!

ألم يعلن جورج بوش الإبن أنه يريد شن حرب صليبية على العراق، وهو ما فسر في حينه بالخطأ غير المقصود..؟

ألم يسبق ذلك أن أعلنت إدارة جورج بوش الأب أن سقوط الإتحاد السوفياتي، وتفكك منظومة الدول الإشتراكية يرشح الإسلام هدفا للحرب المقبلة، وهو ما حدث في العراق وافغانستان..؟

هذا هو جوهر الورطة التي وجد عباس نفسه فيها، جراء العدوان الإسرائيلي على سفن اسطول غزة.

لم تعتبر إذا هجمة عباس بإتجاه غزة خاطئة..؟!

هي كذلك لأنه لا يزال يتمسك بنهجه السياسي، وأهدافه السياسية دون أي تعديل أو تغيير.

هل يمكن تصور موافقة “حماس” على مصالحة تتم لى قاعدة شروط اللجنة الرباعية، في وقت تتنامى فيه قوتها السياسية، إلى جانب قوتها العسكرية، وهي التي صمدت ورفضت ذلك يوم كانت تعاني العزلة السياسية..؟!

الهجمة الخاطئة الثانية يشنها محمود أحمدي نجاد رئيس ايران بإتجاه غزة.

ابتداء، كل التقدير والشكر والإحترام للدعم الإيراني المتواصل للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

ايران لم تقصر البتة في تقديم الدعم المالي والتسليحي للمقاومين اللبنانيين والفلسطينيين.

بفضل هذا الدعم اساساً، أمكن لحزب الله أن يحرر جنوب لبنان سنة 2000، وأن يهزم العدوان الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2006.

بفضل هذا الدعم أيضاً تمكنت حركة “حماس” من تفشيل اهداف العدوان الإسرائيلي العسكرية والسياسية على قطاع غزة أواخر 2008، اوائل 2009.

جاحد من لا يشكر ايران على كل ما قدمته للفلسطينيين واللبنانيين.

ولكن، هل يفيد القضية الفلسطينية في شيىء ارسال سفن مساعدات ايرانية مرفوقة بطائرة إلى قطاع غزة..؟!

هل يفيد القضية الفلسطينية في شيىء تكرار تصريحات الرئيس الإيراني ضد وجود اسرائيل..؟!

نشك كثيراً في ذلك لأسباب منها:

أولا: أن اسرائيل التي لا تستطيع تحريض اميركا على تركيا، تستطيع أن تحرضها ضد ايران..!

ثانياً: إن اسرائيل التي اضطرت إلى وقف هجماتها المسلحة على سفن اسطول الحرية لغزة، لعدم قدرتها على تكرار ذلك، بعد الخسارة السياسية الكبيرة التي منيت بها، تستطيع أن تهاجم السفن الإيرانية..!

الأخطر من ذلك أنها تستطيع أن تهاجم أيضاً السفن غير الإيرانية، والزعم أنها تقل اسلحة ايرانية لحركة “حماس”..!

ثالثاً: الأخطر من كل هذا وذاك أن اسرائيل التي وجدت نفسها محاصرة سياسياً على نحو يقيد من قدرتها على استخدام القوة العسكرية ضد “حماس” في غزة، وضد حزب الله في لبنان، في اطار خطط مسبقة لها في هذا الإتجاه، من شأن ارسال السفن والتهديدات الإيرانية أن يقدم لها ذرائع قوية لمهاجمة حلفاء ايران عسكريا في فلسطين ولبنان..!

رابعاً: والأخطر مما ورد في ثالثاً، هو أن الإجراءات الإيرانية تقدم لإسرائيل ذريعة من شأنها ابطال كل العوامل التي تجعل اميركا حريصة على عدم خسران الحليف التركي، وإن بدا في المشاهد الأخيرة جموحا..!!

السفن الإيرانية، وتصريحات نجاد تقدم ذريعة هائلة لإسرائيل كي تعلن أن تركيا غدت حليفاً لـ "الشيطان الإيراني..!!

هذا الإعلان كفيل من وجهة النظر الإسرائيلية بشيطنة تركيا، كما سبق لها شيطنة ايران.

بطبيعة الحال نحن نقرأ الأحداث من زاوية قناعة أكيدة في أن تركيا اردوغان لا تخطط، ولا تريد أن تخوض حرباً عسكرية ضد اسرائيل. وحين يعلن أو يسرب رئيس الوزراء التركي أنه يفكر في أن يمتطي سفينة مساعدات تذهب إلى غزة، فإنه يقصد أحد أمرين، أو كليهما:

الأول: الضغط على اسرائيل ومصر كي ترفعا الحصار عن قطاع غزة.

الثاني: تصعيد الضغوط السياسية على اسرائيل كي تكف عن اعتراض سفن إغاثة غزة.

باختصار شديد: إن الممارسات الإيرانية تصب فقط بإتجاه تبديد كل المكاسب التي حققتها وتحققها السياسات التركية.

وهذا يدعونا إلى التذكير، بأن مصارعة التجربة الإسلامية في ايران للتجربة القومية في العراق، أدت فقط إلى احتلال اميركا للعراق، وعزل ايران وتهديدها.

وأخشى ما نخشاه الآن، أن تؤدي المنافسة الإيرانية الشيعية لتركيا السنية الآن، إلى اسقاط التجربة التركية على أيدي الجيش التركي، ورفع الغطاء التركي الذي ساهم إلى جانب عوامل أخرى في كبح العدوان الأميركي ـ الإسرائيلي على ايران.

حرب اسطول غزة خلقت مناخات لا تسمح لأميركا أو اسرائيل بمهاجمة حزب الله، أو حركة “حماس”، أو سوريا أو ايران، وهي مناخات يتوجب الحفاظ عليها، كي تتمكن أطراف المقاومة والممانعة من جني الحصاد السياسي لهذه الحرب.

على ايران أن تبحث عن تكامل الأدوار، لا تنافسها.

هذا مطلوب أن يدركه كذلك محمود عباس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2177829

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177829 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40