الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012

عقلنة العلاقات المصرية ـ الإيرانية (2)

الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012 par د. مصطفى اللبّاد

[rouge]لم يحن أوان التطبيع بعد! [/rouge]

اشتعل التراشق الإعلامي بين مصر وإيران خلال «الانتفاضة الشعبية» المصرية، ومع احتدام الاحتجاجات ضد الرئيس السابق، وعقب الخطاب الذي وجهه السيد علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، إلى المصريين بمناسبة «الانتفاضة الشعبية» في مصر، نشرت صحيفة «الأهرام» تحقيقاً عنوانه «إيران والإخوان وأميركا ثلاثي القفز على الشباب» اتهمت فيه إيران بتدبير الأحداث. ورد أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية الأسبق قائلاً: «إن حديث مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، عن التطورات الداخلية في مصر يكشف عن مكنون ما يعتمل في صدر النظام الإيراني من أحقاد تجاه مصر ومواقفها السياسية وأنه لم يفاجأ بما تضمنه من تطاول». ومع اشتداد أزمة نظام المخلوع وظهور عجزه عن اجتراح مخرج من أزمته وانكشاف قرب نهايته، نشرت «الأهرام» مقالاً تضبط فيه نفسها على الإيقاع الجديد للانتفاضة المصرية، ولكنها تستمر في انتقاد إيران باعتبارها «تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية». وحتى بعد سقوط الرئيس المخلوع مباشرة، شن أحد كبار كتاب «الأهرام» هجوماً ضارياً على إيران: «لم نكن نعرف أن آية الله روح الله المرجعية خامنئي عينه على مصر.. وأنه ينتظر الفرصة لكي يقفز عليها ويضمها تحفة في التاج الفارسي.. مسكينة مصر مطمع لإيران ومطمع لـ«إسرائيل»». (أنيس منصور).

قرأت إيران بعمق التحولات في المنطقة العربية عموماً وفي مصر خصوصاً بفعل «الانتفاضات الشعبية»، وتحسبت من فقدانها قوتها الناعمة في المنطقة. لذلك عمدت طهران إلى دمغ «الانتفاضات الشعبية» العربية ضد حكامها بأنها «إسلامية». صحيح أن التيار الإسلامي كان حاضراً في «الربيع العربي»، وهو الفائز في الانتخابات البرلمانية التي أعقبته، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال توصيف «الانتفاضات الشعبية» العربية بأنها «إسلامية»، ناهيك عن القول بأنها «استوحت الثورة الإيرانية»، التي تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً خلت. ويعكس الإصرار الإيراني على التسمية تخوفاً من انتقال المبادأة الأيديولوجية من طهران إلى عواصم «الانتفاضات الشعبية»، وفي مقدمها القاهرة. في هذا السياق بالتحديد يمكن رؤية التظاهرة التي حاولت «الحركة الخضراء» في إيران يوم 14/2/2011 القيام بها لتأييد «الانتفاضة الشعبية» في مصر، وقمع السلطات الإيرانية هذه التظاهرة. وهكذا، ولأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، تستقطب مصر متظاهرين لتأييدها هناك في مواجهة النظام الإيراني؛ وبحيث يمكن القول إن هناك تحديات جدية للنموذج الذي تقدمه إيران على وقع «الانتفاضة الشعبية» المصرية مقارنة بالانتصار الواضح لنموذجها السياسي في مواجهة نموذج مبارك.

تزحزحت العلاقات المصرية - الإيرانية نسبياً بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث قدمت إيران طلباً إلى السلطات المصرية بعبور سفينتين حربيتين قناة السويس لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود. كان الطلب الإيراني «اختباراً» للقيادة المصرية الجديدة، ومحاولة لاستشراف موقفها من مسألة العلاقات مع إيران. سمحت السلطة المصرية الجديدة للسفينتين الإيرانيتين بالعبور، مظهرة اختلافاً ملحوظاً عن نهج النظام السابق في التعاطي مع إيران..

جاءت تصريحات وزير الخارجية الأسبق نبيل العربي بشأن «إعادة النظر» في علاقات مصر مع إيران، لتستقطب الانتباه الإقليمي والعالمي، حيث قال «الهدف من الاتصالات الحالية بين مصر وإيران هو تطبيع العلاقات في وقت ما»، موضحاً أن مصر لم تقطع العلاقات مع إيران، بل إيران هي التي قطعتها العام 1979. وأشار العربي إلى أن «مصر الثورة ترى أنه يجب أن تكون على علاقة طبيعية مع جميع دول العالم، مشيراً إلى أن تصريحاته الاخيرة بشأن إيران أدت إلى صدور بيانات طيبة تجاه مصر من جانب إيران». دفعت هذه الإشارات الإيجابية الكثيرين إلى الاعتقاد بحدوث تقارب مصري - إيراني يتخطى حتى إعادة العلاقات بين البلدين الكبيرين إلى مستوى السفير، لكن فات هؤلاء ملاحظة تصريح فائق الأهمية في اليوم نفسه الذي أطلق فيه نبيل العربي تصريحاته الإيجابية حيال إيران، وكان التصريح من أعلى سلطة في البلاد، «المجلس العسكري الأعلى»، الذي أعلن في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف الرسمية المصرية: «مصر لن تكون في يوم من الأيام إيران أو غزة»، في إشارة رسمية واضحة إلى المسافة التي تقفها القاهرة بعيداً عن طهران. وبالرغم من تلك الإشارة فائقة الدلالة، فقد بلغ التفاؤل الإيراني بعودة العلاقات مع مصر حداً صرح معه القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، خلال إحدى الندوات، أن «العلاقات المصرية - الإيرانية ستعود خلال أيام». ولكن وزير الخارجية المصري نبيل العربي، أخبر نظيره الإيراني علي أكبر صالحي، أن مسألة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين هي أمر يقرره البرلمان المصري القادم. ولعل مقالة أحد المنظرين البارزين للنظام السابق، تلقي الضوء على عدم الحماسة المصرية حيال رفع مستوى العلاقات مع إيران حيث يقول فيها: «الحالة الثورية الديموقراطية المصرية بالتأكيد تدخل مصر في تناقض مع إيران غير الديموقرطية وغير المدنية؛ والحالة الاستراتيجية تجعل تناقض المصالح هائلاً. لاحظ هنا أن القضية ليست عما إذا كانت مصر تريد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران أم لا؛ ولكن القضية تدور حول ماهية العلاقة بين الطرفين وعما إذا كانت تجر على مصر تناقضات ليست لديها القدرة على تحملها في هذه المرحلة أولا». (عبد المنعم سعيد ـ الأهرام. 21/4/2011).

حرص رئيس الحكومة الانتقالية المصرية، عصام شرف، في جولته الخليجية التي شملت السعودية والكويت وقطر، على طمأنة دول الخليج العربية قائلاً: «حرص حكومة الثورة على فتح صفحة جديدة مع كل الدول وبينها إيران، لا يعني أن يكون ذلك على حساب العلاقات التاريخية والعميقة بين مصر ودول الخليج». واستمرت السياسة المصرية المتحسنة نسبياً حيال إيران، والتي لا تمتد على استقامتها لرفع العلاقات إلى مستوى السفير، فسمحت القاهرة بزيارة وفد شعبي مصري إلى إيران، بدعوة إيرانية. التقى الوفد الشعبي المصري الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووزير الخارجية صالحي، وخلال الزيارة أكد الرئيس الإيراني أنه «سيلبي فوراً الدعوة إلى زيارة مصر في حال توجيهها وأن إيران مستعدة للاستثمار في مصر بكل ثقلها». من ناحيته استقبل عصام شرف الوفد الشعبي المصري الذي زار إيران للوقوف على انطباعاتهم بشأن الزيارة، ووعد بالبحث في الموضوع دون أن يسفر البحث عن شيء. واعتبر سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، في حديث خاص إلى «الأهرام» أنه «لا عقبات أمنية تمنع إعادة العلاقات بين مصر وإيران.. في الظرف الراهن الذي نشهد فيه انتصار ثورة عظيمة للشعب المصري تتشابه أهدافها مع أهداف الثورة الإسلامية في إيران». ثم زار علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، القاهرة في شهر أغسطس/آب 2011 معتبراً أن «إيران ليس لديها أي قيد أو شرط لإعادة العلاقات الثنائية مع مصر». وعادت صحيفة «الأهرام»، في ظل ما بدا موجة ثانية من التفاؤل الإيراني برفع مستوى العلاقات مع مصر، لتنشر حديثاً صحافياً مع مريم رجوي، زعيمة منظمة «مجاهدي خلق»، التي تعادي النظام الإيراني وتعتبرها كثير من الدول الغربية «إرهابية». من ناحيتها أدركت طهران الصعوبات التي تواجه القاهرة والثمن الخارجي الكبير الذي يجب عليها أن تدفعه لقاء إعادة العلاقات معها؛ فعادت وخففت لهجتها المتفائلة وصرح وزير خارجيتها، علي أكبر صالحي، إلى «الأهرام» بأن «إيران تتفهم شروط مصر لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة».

ظل التبادل التجاري بين البلدين هامشياً للغاية بحيث يعجز عن أن يصبح رقماً في حسابات الجدوى لإعادة العلاقات بين البلدين. ووعياً من طهران بأهمية العامل الاقتصادي في دفع العلاقات مع مصر، فقد توالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تحمل إغراءات اقتصادية لمصر. حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، في حديث خاص إلى صحيفة «الأهرام» وفي محاولة لإغراء القاهرة بعائدات السياحة الإيرانية، أن «10 ملايين إيراني يمكنهم زيارة مصر سنوياً». كما عرض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أثناء استقباله الوفد الشعبي المصري، استعداده لبيع قمح إيراني لمصر بخفض 10% عن الأسعار العالمية.

عمدت إيران إلى طرق الأبواب المصرية من طريق الاقتصاد، بعد تعثر محاولاتها للتقارب السياسي في الشهور الأولى التي أعقبت «الانتفاضة الشعبية» المصرية، حيث أعلن رئيس الوزراء المصري، كمال الجنزوري، عن مفاوضات مصرية - إيرانية لتنفيذ مشاريع استثمارية إيرانية بقيمة تقدر بحوالي خمسة مليارات جنيه مصري في جنوب مصر. وأوردت صحيفة «الأهرام» المصرية شبه الرسمية التالي: «يتم حالياً بحث إقامة شراكة مع مستثمرين إيرانيين لإنشاء مصانع داخل مصر والاستحواذ على مصانع مغلقة وإعادة تشغيلها. وصرح العقيلي، ممثل الشركة العربية للتجارة الدولية، بأن تلك الاستثمارات في حدود خمسة مليارات جنيه وأن الشركة حصلت على مليوني متر من الأراضي، وأن أغلب الاستثمارات ستكون في بني سويف وسوهاج، حيث سيتم إقامة مطاحن للدقيق ومشاريع للغاز الطبيعي ومصانع للسيارات». ومع كل تلك الإغراءات المالية من إيران، فقد بدا واضحاً ان القدرات المالية للسعودية ولدول الخليج العربية تتفوق على نظيراتها الإيرانية في التأثير على القرار السياسي المصري. وتبين، بمرور الوقت وضغط السعودية والدول العربية الخليجية ووعود المساعدات التي قدمتها، أن القاهرة رضيت أن تستخدم بتعجل ملحوظ ملف العلاقات مع إيران كأداة قصيرة الأجل لتنشيط التعاون الاقتصادي المصري ـ الخليجي، الذي بقي بانتظار تحول الوعود إلى أفعال.

يقود التحليل الموضوعي للعلاقات المصرية - الإيرانية، في الفترة التي أعقبت 25 يناير/كانون الثاني 2011 ونهاية العام 2011، إلى استنتاج مفاده أن القاهرة غيرت نسبياً من خطابها الإعلامي الرسمي حيال إيران؛ فأبدت انفتاحاً سياسياً وإعلامياً محسوباً ولكن هذا الانفتاح بقي تحت سقف عودة العلاقات الكاملة بين البلدين، لارتفاع تكلفتها الإقليمية والدولية. وبالرغم من السقف المعلوم، فقد راعت القاهرة مع ذلك أن يتواكب الانفتاح الإعلامي النسبي المحسوب تجاه طهران، مع تطمينات إلى دول الخليج العربية بأن هذا الانفتاح لن يكون على حسابها. وعليه فقد استمر الإعلام الرسمي المصري متراوحاً بين إتاحة الفرصة لمسؤولين إيرانيين للحديث بإيجابية عن العلاقات المصرية -الإيرانية، وبين انتقاد إيران بضراوة تشبه فترة الرئيس المخلوع، ولكن في كل الأحوال دون تغيير جدي في العلاقات المصرية - الإيرانية.

[bleu]للبحث تتمة...[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165226

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165226 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010