الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012

«إسرائيل» وتهديدها لمصر

الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

كان غريباً بعض الشيء أن يخرج وزير الخارجية «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان بتصريح يشذ عن سيل التصريحات التي تناوب عليها زملاؤه السياسيون والعسكريون، ممن لا يفوتون مناسبة من دون أن يحذّروا فيها من الخطر الإيراني، باعتبار أن مصير العالم بات تحت رحمة «القنبلة النووية» الإيرانية المفترضة، وأيضاً باعتبار أن مفاعل ديمونا والمئتي رأس نووي في «إسرائيل» عبارة عن مشروع زراعي لتحسين البذور. فليبرمان القادم من روسيا خرج علينا بالقول إن ما يجري في مصر بعد ثورة 25 يناير أشد خطراً من الملف النووي الإيراني. وكما يقولون «إذا عُرف السبب بَطُل العجب»، فبعد بضع ساعات على هذا التصريح تناقلت وكالات الأنباء خبراً مفاده أن مصر قرّرت إلغاء اتفاقية تصدير الغاز لـ «إسرائيل»، وتبيّن من نص القرار أن مفعوله سرى قبل يومين من صدوره، أي أن ليبرمان علّق بشكل غير مباشر على القرار الذي كان وصله قبل إعلانه في وكالات الأنباء. أما تعليقه بعد الإعلان عن القرار فجاء استكمالاً لتحذيره، إذ وصفه بأنه «لا يبشّر بخير».

من حيث المبدأ، لا يضيف ليبرمان شيئاً على وصف نتنياهو للثورة المصرية بأنها زلزال، وعلى تصريحات كثير من قادة الكيان بأن السلام مع مصر بات في مهب ثورة 25 يناير، وإن بعد حين. لكن وعلى سبيل التذكير، فإن ليبرمان هدّد قبل أكثر من سنتين بقصف السد العالي وإغراق مصر بالماء، وشتم رئيسها السابق حسني مبارك، أي أنه يتعامل مع مصر كعدو قبل ثورة 25 يناير في عهد النظام الآيل للانحلال الذي وقّع مع الكيان اتفاقية كامب ديفيد والذي وصفه العديد من قادة الكيان بأنه كان ذخراً استراتيجياً.

ليس هناك عاقل يمكنه أن يتصور مصر خارج دائرة الصراع العربي الصهيوني طالما لم يحل هذا الصراع. وعندما نتحدّث عن مصر، لا نعني نظامها السياسي، بل شعبها الذي لم يكن طرفاً في اتفاقية كامب ديفيد، لم يوافق عليها ولم يهضمها، ولم يشعر يوماً بأن هناك سلاماً مع «إسرائيل»، ولم ير الشعب المصري في الاتفاقية سوى حبر على ورق، وأن تجاوزها ليس سوى مسألة وقت. وقد رأينا التظاهرات الحاشدة التي شهدها محيط سفارة الكيان في القاهرة، حيث قضى العديد من أبناء مصر شهداء على مذبح رفض التطبيع والاتفاقية.

ليس إلغاء اتفاقية الغاز هو السبب الحقيقي لانفعال قادة «إسرائيل»، وحديثهم عن ضرورة إحياء ما يسمى «الفيلق الجنوبي» على الحدود مع مصر الذي تم حلّه بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، بل الصورة الأشمل التي يرونها لمصر في المستقبل القريب، لذلك وإن كان صحيحاً كلام ليبرمان عن تصاعد حالة اليأس داخل المجتمع المصري في هذه اللحظة الفاصلة، بسبب محاولات سرقة الثورة وبروز العديد من الطفيليين والانتهازيين الذين كانوا على هامش الحدث الثوري، بل حاوروا النظام وساوموه، وتبيّن أنهم فتحوا خطوطاً مع واشنطن قبل سنوات. أقول وإن كان كلام ليبرمان صحيحاً في تشخيصه لحالة الشعب المصري، فإن الاستنتاج المنطقي لهذه المقدّمة هو الأصح. وهو استنتاج لا يهبط سقفه عن مستوى الإدراك بأن السلام لا تصنعه الحكومات، ولا يرسم على الورق ويبنى على الرمال، بل تصنعه الشعوب بما لا يلوي أعناق الحقائق ويزوّر رواية التاريخ ويسلب حقوقاً وينشئ حقوقاً بالولادات القيصرية. وإذا راهن قادة الكيان على بقاء مصر خارج الصراع، فإنهم سيكتشفون أن رهانهم خاسر، وأنه إن كان نظام سياسي ما ذخراً استراتيجياً لهم، فإن الشعب المصري وقواه الحيّة ومثقفيه غير المتأسرلين والمتأمركين لن يكونوا سوى ذخراً لأمتهم العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165988

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165988 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010