الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012

الانتخابات الفرنسية : إليكم اليمين «الجديد»!

الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012 par د. نهلة الشهال

حقق المرشح الاشتراكي، فرنسوا هولاند، هدفه المعلن: أن يأتي أولاً في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ما يسمح له بالأمل بالنصر في الدورة الثانية. وهو يراهن على اتجاه قوي لدى الناخبين الفرنسيين لتصويت يخلصهم من الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، الذي يعتبرونه قد فشل في تحقيق وعوده، ولم يفعل سوى الكلام. وهناك اتجاه عام يربط بين «حالته» تلك والأزمة الاقتصادية الطاحنة. وهذه، وإن لم تكن قد اجتاحت فرنسا تماماً بعد، فهي ملموسة في حياتهم اليومية. وعلاوة على ذلك، ولأنها عالمية وأوروبية، فهي تحاصر فرنسا من كل صوب، فتصدم المشاهد اليونانية بالطبع، كما انهيار اسبانيا اللصيقة، مخيلة الفرنسيين...

وكان لافتاً للنظر عجز ساركوزي، أثناء حملته الانتخابية الاولى، عن تجاوز مفرداته التقليدية التي تركز على خطر الهجرة وعلى استحواذ المهاجرين على لقمة الفرنسيين وتقديمات الدولة، وعلى تهديد الأمان ـ بمعناه المتعدد ـ الذي يمثلونه، وعلى «العمل الحقيقي». فقد تجاوزت المخاوف العامة مرحلة اللفظية أو التلاعب بالمشاعر الغريزية. وبمقدار مشابه لساركوزي، بقي هولاند، وما يوصف بـ «اليسار المتعقل»، باهتاً ومعتاداً، أو كما يوصف أحياناً «حذراً»، مما لا يغني من جوع. وفي الحقيقة، وبخلاف ما تظهره اللفظية الخطابية، وأسلوب وشخصية كل منهما، المفترقان، فقد تصارع المرشحان الرئيسيان فوق حقل واحد. ولا يعني ذلك امّحاء الفروقات، وهي مهمة وتمس بعض الترتيبات المتعلقة بحياة الناس بالتأكيد، ولكنها ليست كافية بالنظر الى طبيعة الموقف العام، وحدِّة تهديداته.

وهكذا أمكن لمن يقال لهما «الطرفان»، أن يكونا أكثر جاذبية. وقد بنت مارين لوبن حملتها الانتخابية على إعلان نيتها «تفجير النظام من الداخل»، ذاك القائم على الخضوع الى «احتكار البنوك، والمال والشركات متعددة الجنسيات والعولمة»، وعلى مهاجمة «النخب» بمقابل البسطاء، وهي تقصد كلا المرشحين، كما على نعتهما معاً بالنيوليبرالية. وهي محقة في ذلك! وفي تمرينها هذا، تتضح نقاط التماس القائمة بين الخطاب الجديد لليمين المتطرف الشعبوي، وخطاب اليسار. وهو تماس يتجاوز مجرد استعارة بعض التعبيرات من قبل ذلك اليمين، ويطرح على اليسار، بشقه المتمرد والمجدد، الضرورة الداهمة لمزيد من بلورة تصوره العام، وعلى رأس ذلك منظومة القيم التي يحملها. وهو ما سعى اليه جان لوك ميلانشون الذي حل رابعاً، وإنما قاطعاً الخطوات الاولى في الطريق، ومحاطاً بشكوك حول «وظيفية» نهجه بمعنى انتخابيته وافتقاده للرسوخ الذي يجعله فعلاً «خارج النظام» القائم. سجل ميلانشون نسبة تصويت غير مخجلة، بل هي الأفضل منذ ثلاثين عاماً لهذا اليسار. ولكن لوبن ضاعفت النسبة التي حققها والدها في انتخابات 2007، بل تجاوزت نسبة العام 2002، (وكانت تقارب الـ17 في المئة إلا قليلا)، حين حل ثانياً وذهب الى الدورة النهائية، متسبباً بما يقال له حتى اليوم «عقدة انتخابات 2002»، والتي يعتقد أنها كانت أيضاً وراء التصويت التفضيلي والوظيفي لهولاند اليوم، قطعاً للطريق أمام تكرار تلك الصدمة. وقد ثبت أنها مخاوف لها ما يبررها، إذ حلت لوبن ثالثة، وبنسبة تقرب من الـ20 في المئة التي طمحت اليها.

ولكن الجديد حقاً ليس كل ذلك، بل نجاح مرشحة اليمين المتطرف ببدء عملية تغيير صورة الحزب الذي تنتمي إليه، وبفتح الطريق أمامه لمزيد من»نزع الشيطنة» عنه. وهو كان هدفها الرئيس مذ أعلنت أن «الجبهة الوطنية» ليست يميناً «متطرفا»، وسعت لمحو تهم الفاشية ومعاداة السامية عنها. وهي اليوم تعلن أنها «زعيمة المعارضة»، وذلك على قاعدة أنها هي من يمثل «اليمين الحقيقي»، وليس حزب ساركوزي المتداعي والمفوَّت، والذي تعمل هي على تفكيكه. كما أنها تطمح للحصول على كتلة نيابية من خمسة عشر نائباً على الأقل، في انتخابات المجلس التشريعي التي ستجري في منتصف حزيران/يونيو. فتستكمل بذا «تطبيع» حضورها في المشهد السياسي الفرنسي، بوصفه حضوراً شرعياً تماماً ومقراً به. وهي تمالكت أعصابها وخطابها فسعت بقدر كبير الى تجنب تأسيس زعامتها تلك على الغرف من معين التخويف من الهجرة وأحياء الضواحي، ولكن ذلك يبقى في خلفية كل ما تقول، (كما تفلت منها زلات لسان طويلة، كما عند مسرحة قصة محمد مراح الذي قتل جنوداً فرنسيين وأطفالاً يهوداً وحاول ساركوزي استغلال الحدث وتضخيمه قدر ما يستطيع). ذلك أن تلك المواضيع لا تكمل صورتها كطرف مرشح للحكم وقادر عليه، كما تخطط.

وبمقابل ذلك يتخبط ساركوزي، ويقول لمصوتي اليمين المتطرف «لقد سمعتكم»، آملاً بذا كسبهم، مسجلاً انحيازاً إضافياً له ولحزبه باتجاه مواقفهم. ولكن ساركوزي في ذلك ما زال يلعب على معادلة تقليدية وقديمة، تجاوزها ذلك اليمين المتطرف (علماً أن جميع المصوتين للوبن ليسوا من بين صفوفه، بل نسبة منهم مارست تصويتاً تحذيرياً للمرشحيَن على السواء). بل راح ذلك اليمين «الجديد» يخاطب ما يسميه الفقراء والأرياف، ويلتصق بعذاباتهم، ويعمل على ترسيخ الدعوة الى الانغلاق «القومي» بوجه أوروبا والعولمة.

وكدليل إضافي على التخبط، يفتعل ساركوزي نزاعاً مع النقابات، التي يسميها «جسماً وسيطاً» بين العمال والدولة، معتبراً إياه نافلاً، «يشتغل بالسياسة أكثر من اشتغاله بالمطالب العمالية». وينهي الامر بمنافسة النقابات على يوم الأول من أيار، وهو يوم تظاهرهم السنوي المكرس، فيعلن تجمعاً كبيراً في ذلك اليوم، للاحتفال بـ«العمل الحقيقي»، دافعاً كل أجزاء اليسار الى التوحد، متيحاً لهم فرصته السهلة. وهذا الهجوم، بذاته وبمفرداته، يمثل منحى خطيراً في بلد لا يتجاوز عدد المنتسبين فيه الى النقابات 8 في المئة من العاملين، وهي نسبة ضعيفة للغاية، كما أن هذا الانتساب ليس إلزامياً (بخلاف بلدان أوروبا الشمالية مثلا)، مما يضعف كثيراً الحركة العمالية وإمكانات توازن تحركاتها بإزاء أرباب العمل والسلطة على السواء.

ولعل ماري لوبن تفضل وصول المرشح الاشتراكي ـ البائخ وضعيف الشخصية ـ فتحقق بذا التخلص من ساركوزي وحزبه وتمهد الطريق لأحلامها السلطوية في دورات مقبلة. لا سيما أن الرجل ليس قليل الكلام فحسب، بل ينتمي هو ايضاً الى الماضي، كما يقول الفيلسوف الكبير ميشال سرَّ الذي اعتبر الحملة الانتخابية «حملة كهول» لا صلة لها بالحاضر وبالتغيرات التي قلبت العالم، بما في ذلك الثورة التقنية. ويعتبر أننا بإزاء نتائج انتروبولوجية ليست بعد مفتكرة، (وهو يذكر الانتفاضات العربية بوصفها تنتمي اليها وتؤشر عليها). وهو يسمي الأحزاب المتصارعة كلها بـ«الرجعيين الجدد»، لأنهم ماضويون.

لا يمنع ذلك استعار الحملة الانتخابية ما بين التصويتين، بانتظار الرابح في السادس من أيار/مايو. إنه صراع انتخابي فحسب، ما يعني أنه بلا أفق، كما هو يتسم برداءة النقاش، وبغياب الافكار. ما يعني أن أياً من الفائزين المحتملين لا يحمل أجوبة على الأزمة... التي تطلب منطقاً آخر، من خارج هذه الدوائر، ولا يمكنه أن يكون فرنسياً فحسب. يمين جديد؟ ليس كثيراً!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2180601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2180601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40