الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012

حكاية مجرم حرب

الجمعة 20 نيسان (أبريل) 2012 par د. سمير التنير

يكون مجرم الحرب هاوياً للقتل بداية. ديكتاتوراً أو خادماً للديكتاتور. ويجب عليه أن يكون عارفاً الناس الذين يود إرسالهم إلى قبورهم. يجب عليه كذلك ان لا ينظر إلى الصعوبات التي قد تعرقل مهمته.

مجرم الحرب المشار إليه يدعى رادكو ملاديتش قائد جيش صرب البوسنة. الذي يُنظر إليه في بلغراد، عاصمة صربيا، كبطل قومي ووطني، والذي استعمل مهاراته العسكرية من أجل رفعة قومه وكرامتهم ومن أجل الثأر لما كان يعتبره إذلالاً لهم. وقد تسبب ذلك كله في مساعدته على الهرب والاختفاء، لمدة 16 عاماً، قبل ان يقبض عليه، ويحال إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

ينظر الكرواتيون والبوسنيون إليه نظرة مختلفة تماماً، كقاتل شيطاني، تسبب في أسوأ المجازر التي حدثت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. بطل حصار مدينة سراييفو الذي استمر عامين ونصف العام سقط خلاله عشرة آلاف قتيل. وبطل مذبحة سربرنيتشا التي سقط فيها آلاف القتلى.

إبادة جماعية، توسيع العنف، ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تصعيد الارهاب، هي التهم الموجهة إليه، ولم يسبق للقضاء الدولي ان عرف مثلها من قبل.

عاش ملاديتش زمن هروبه حياة صعبة جداً، في بيت ريفي بعيد. وكانت اتصالاته بالعالم الخارجي قليلة جداً، مع بعض أهله ورفاقه. وكان يختبئ في أحيان كثيرة، في مرحاض البيت القذر. وقد قبضت عليه فرقة متخصصة من المخابرات الصربية، التي أرسلته بعد ذلك، إلى محكمة لاهاي، لمجرمي الحرب.

في جلسة الاستماع الأولى زال جبروت الجنرال القاتل. لم يكن طاووساً، بل تمثالاً من الثلج يبلغ عمره 68 عاماً، خافضاً لصوته، بحيث لا يكاد يُسمع. ولكنه أصر على أن يُنادى عليه بلقب «الجنرال». وعندما يرفع صوته يقول: «إنكم لا تتركون لي الوقت كي أتنفس. من أنتم؟ بأي حق تحاكمونني»!.

في أثناء محاكمته وعند سماع الشهود، أتت الشاهدة منيرة ساديش كي تروي قصتها معه. إنها من بلدة سربرنيتشا. وهي لا تنسى ذلك الصيف الحار من العام 1995 الذي رأت فيها للمرة الأولى الجنرال ملاديتش. لقد جثت على ركبتيها، طالبة منه إطلاق سراح ولدها الذي يبلغ من العمر حينذاك 18 عاماً. أجابها «لا تقلقي كل شيء سيجري على ما يرام. لا يستطيع الله ان يساعدكم اليوم. أنا أستطيع. لا تقلقي». ولكنهم أخذوا ابنها ولم يعد. لم تعرف له قبراً. لم تعرف أي شيء عنه. ولا حتى وثيقة فحص الـDNA. ولا حتى علامة على موته، كي تتذكره.

يقول ريتشارد هولبروك، مستشار الرئيس السابق لأميركا جورج بوش الأب، الذي شارك في مفاوضات إنهاء حرب البوسنة عن ملاديتش: «لا تستطيع هوليوود اختيار ممثل لمجرم حرب خيراً منه. قاتل ذو كاريزما».

لا يشارك ابنه رادكو هذا الرأي، بل يعتبره بطلاً دافع بجرأة عن بلاده. ربما تجاوزت قسوته الحدود. ولكن ابنته آنا لم تشارك أخاها مشاعره تجاه أبيهما. اعتبرته، كما سائر الناس، وحشاً مجرداً من المشاعر الإنسانية. ثم انتحرت بسببه.

عند تحليل شخصية رادكو ملاديتش لا بد من الوقوف، عند بعض المآسي التي رافقت نشأته. فقد قتل والده على يد الكروات الذين تعاونوا مع الاحتلال النازي. وكان يبلغ الثانية من عمره. وفي مراهقته أُخذ بأسطورة البطل القومي لازار الذي ضحى بنفسه وبمقاتليه عام 1389 من أجل شرف وعزة قومه الصرب. واعتبر ذلك الالتزام رسالة حياته. وللصدفة فإن المدينة التي لجأ إليها كانت تدعى لازاروفا وتبعد 89 كيلو متراً عن بلغراد.

ان رادكو ملاديتش هو قاتل غامض. قاتل يحمل رسالة وقضية: الدفاع عن أمته. وهو لا يستعمل أسلحته الا لأهداف محددة ويود تصحيح أحداث التاريخ الذي ظلم أمته، ويقول: «لو كان الأمر عائداً إليّ، لمنعت استعمال كل الأسلحة. الحرب ليست مزاحاً».

كان يعود من الجبهة إلى أسرته التي يعبد كافة أفرادها. وفي ذلك الوقت يظهر جانبه العاطفي. وعندما تعود ابنته آنا التي كانت تدرس الطب بنتيجة امتحاناتها بعلامات جيدة، كان يطير من الفرح. لقد أخفت عنه علاقتها بزميل دراستها كوران، وهو ناشط اجتماعي طلب منها التبرؤ من أبيها. وعندما ترفض، كان الشجار والصراخ يسود بينهما.

كان الجنرال يعمل بحرفية عالية جداً في الحرب البوسنية. ولذلك خفض علاقاته الاجتماعية إلى الحدود القصوى. وكان يجلس مع رادفان كارازيتش (مجرم الحرب الآخر) الذي كان يرأس حكومة صرب البوسنة، للتخطيط للعمليات الحربية. أصبح المسلمون مجرد أهداف للتصويب عليها. ولذلك قال كارازيتش وهو الطبيب النفسي عنه : «لقد فقد الجنرال عقله».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010