الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012

هل قادة «إسرائيل» الحاليون... أغبياء؟

الخميس 19 نيسان (أبريل) 2012 par د. فايز رشيد

من وجهات النظر التي تستحق أن تُناقش تتمثل في القول: بغباء القيادات «الإسرائيلية» الحالية، وفي تفسير وجهة النظر هذه يقول أصحابها: أن هؤلاء القادة ورغم كل التنازلات الفلسطينية والعربية التي جرى تقديمها لهم مقابل التطبيع مع دولتهم واعتبارها جزءاً من المنطقة، لم يغتنموا الفرصة وظلوا يطالبون بالمزيد من التنازلات ويفرضون المزيد من الشروط. وجهة النظر تستطرد القول: أن الظروف الفلسطينية الرسمية والعربية التي كان فيها استعداد رسمي لإجراء تسوية مع «إسرائيل» ربما لن تتكرر مرّة أخرى، فظروف العالم العربي متغيرة ومتحركة وفي التقدير أن سمات المرحلة التي كان فيها مثل هذا الاستعداد قائماً، سيكون من الصعب مستقبلاً أن يعود بنفس مواصفات الضعف الذي أفرز مثل هذه التنازلات.

وجهة النظر السابقة كان من الممكن أن تكون صحيحة لو أن «إسرائيل» كانت مثل باقي الدول في إنشائها وفي شرعيتها، ولو أنها مهددة حاليا بوجودها سواء من الفلسطينيين أو العرب. إنشاء «إسرائيل» كان قسرياً وعدوانياً واقتلاعياً لأصحاب الأرض، بالتالي فلا يمكن محاسبة «إسرائيل» وفقا للمعايير المتبعة بين الدول الشرعية، فما ينطبق على هذه الدول لا ينطبق عليها، وبالتالي فان السياسات «الإسرائيلية» هي التي عليه الآن، ذلك للأسباب التالية :

أولاً: لو أقرّت «إسرائيل» بصنع السلام الحقيقي مع الفلسطينيين والعرب (وهذا مستحيل) لكانت هي غير «إسرائيل» التي نعرفها، والموسومة بسمات تجعل من المستحيل على مثل هذه الدولة أن تنحى للسلام مع العرب، وهذا تأكيد إضافي على أن هذه الدولة جبلت بالعدوان وإنشائها تمثل في صفقة بين الصهيونية والاستعمار، وهي أقيمت في المنطقة من أجل استمرارية وجود هذا العدوان، ولذلك من الطبيعي أن نشهد كل الحروب التي شنّتها «إسرائيل» على العرب، والفترة القادمة سواء على المستويين القريب أو البعيد، سنظل نشهد مثل هذه الحروب العدوانية طالما بقيت دولة «إسرائيل»، جَنَحَ العرب للسلام معها أم لم يجنحوا.

«إسرائيل» بالمعنى الاستراتيجي حددت خطوطاً بالنسبة لوجودها في المنطقة، تتمثل في نقاط استراتيجية كثيرة أبرزها: في الهيمنة عليها ومنع أقطارها من الوحدة، والحد من تطورها وبخاصة في النواحي العسكرية من أجل ألا تشكل خطراً على دولتها، وبالمعنى التكتيكي كان القادة «الإسرائيليون» وما يزالون يتحدثون عن السلام مع الفلسطينيين والعرب، كأنه خيارهم الاستراتيجي، ولكن من الناحية الأخرى يعرقلون أية خطوات لإنتاج سلام حقيقي في المنطقة، فإذا ما جرى تقديم مبادرة لـ «إسرائيل» وبخاصة إذا ما راعت الشروط ومتطلبات الأمن «الإسرائيلي» كالمبادرات الأمريكية يقبلونها ولكن يضعون العراقيل في وجهها على قاعدة (نعم،ولكن؟) أي أن الكلمة الأخيرة من المقطع (لكن) هي التي تنسف أية مبادرات للتسوية مع هذه الدولة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: خارطة الطريق، قبلتها «إسرائيل» لكن وضعت عليها 16 اعتراضاً تفرّغ هذه الخارطة من مضمونها رغم أنها تنكر كثيراً من الحقوق الفلسطينية، وعلى ذلك قِسْ. النتيجة : أن «إسرائيل» لن تصنع سلاما عادلا في أي وقت.

ثانياً: لم يصل ميزان القوى بين «إسرائيل» وكلٍّ من الفلسطينيين والعرب إلى مستوى عسكري يميل لصالح أي منهما فقد ظل يميل لصالح «إسرائيل». الانتفاضتان الفلسطينيتان أثرتا على «إسرائيل» سلبا من ناحية دعائية، فقد تبين للعالم مدى قمع «إسرائيل» للفلسطينيين وعدوانها ومجازرها ضدّهم، لكن «إسرائيل» ظلّت قادرة على التعامل مع انتفاضات الفلسطينيين رغم خسائرها الاقتصادية والبشرية. من ناحية ثانية فإن الكفاح الفلسطيني المسلح لو أريد له أن يظل مستمراً بنفس وتائره السابقة كان من الممكن أن يؤثر في موازين القوى، فحرب التحرير الشعبية هي غير الحرب الكلاسيكية بين الدول، وموازينها أيضاً مختلفة. لقد وصلت المقاومة الفلسطينية في مرحلة كانت قادرة خلالها على خلق حالة من الرعب داخل «إسرائيل»، لكن المقاومة العسكرية خفت صوتها كثيراً في السنين الأخيرة بسبب من ملاحقات السلطة للفلسطينيين المقاومين في الضفة الغربية، وبسبب التهدئة و(وقف إطلاق النار غير المباشر) في قطاع غزة. بالطبع فإن المقاومة المسلحة قادرة على كسر موازين القوى مع العدو كلما تحسنت نوعية أسلحتها، ولذلك فإن المقاومة الوطنية اللبنانية كانت قادرة وبصواريخها المتطورة على وقف الهجوم الصهيوني على لبنان عام 2006 من جهة، وتهديد «إسرائيل» من جهة أخرى. بالطبع هناك فروقات في الظروف بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، فالأولى تناضل وسط ظروف الاحتلال دون وجود قاعدة الإسناد الخارجية لها، أما الثانية فلها قاعدتها التي تنطلق منها دون مواجهة ظروف الاحتلال كشقيقتها المقاومة الفلسطينية. على صعيد الحروب الكلاسيكية بين الدول العربية و«إسرائيل»، ربما كانت حرب 1973 هي أكثر الحروب التي تمكنت من تهديد الداخل «الإسرائيلي»، ففي مذكراته ومذكرات الكثيرين من القادة العسكريين والسياسيين «الإسرائيليين»، فإن موشيه دايان كان منهاراً كذلك معظم «الإسرائيليين» بفعل النتائج الأولى للحرب وتمكن القوات المصرية من اختراق خط بارليف وعبور قناة السويس وإلحاق هزيمة قاسية بالقوات «الإسرائيلية»، وكذلك تمكن القوات السورية من اختراق هضبة الجولان وأيضاً من هزيمة القوات «الإسرائيلية» فيها، غير أن الاستراتيجية العربية لم تهدف إلى مواصلة الحرب حتى إلحاق هزيمة ماحقه بالدولة الصهيونية. هذا إلى جانب تدارك الولايات المتحدة الأمريكية لنتائج الحرب: عسكرياً بإقامة جسر جوي مفتوح بين «تل أبيب» وواشنطن، أرسلت أمريكا من خلاله أحدث ما أنتجته مصانعها من أسلحة، إضافة إلى طلاء طائرات أمريكية بألوان الطائرات «الإسرائيلية»، وبقيادة طيارين أمريكيين ومشاركتهم في القتال، الأمر الذي أدى إلى قلب نتائج الحرب رأساً على عقب. باقي الحروب «الإسرائيلية» مع الدول العربية (وباستثناء معركة الكرامة على الجبهة الأردنية) تمكنت «إسرائيل» إلى حد كبير من تحقيق أهدافها.

ثالثاً: «إسرائيل» وفي سياستها مع الفلسطينيين أو العرب انطلقت من محاولة فرض شروطها عليهم، بالمقابل فإن السياسة الفلسطينية أو الرسمية العربية فيما يتعلق بالسياسات تجاه «إسرائيل»، انطلقت من عاملين: الأول شعور بالضعف أمام «إسرائيل» وعدم القدرة على مجابهتها عسكرياً، أما العامل الثاني: فهو الإيمان المطلق بأن «إسرائيل» قادرة على فرض شروطها. بالتالي فإن هذين العاملين يقدّمان هزيمة مسبقة (قبل خوض الحرب) أمام العدو واعتراف بقوته وجبروته. هذان العاملان لعباً دوراً رئيسياً في التنازلات سواء الفلسطينية أو العربية الرسمية، ومن هنا كانت المعاهدات التي تم عقدها مع «إسرائيل» سواء مع الفلسطينيين (أوسلو) أو مع مصر والأردن (كمب ديفيد ووادي عربة) مجحفة كثيراً بحق الفلسطينيين والعرب، ومتناغمة مع الشروط «الإسرائيلية».

حاول السادات الانطلاق من موقع الند لـ «إسرائيل» على اعتبار أن القوات المصرية عبرت القناة وتمكنت من تحرير جزء من أرض سيناء، لكن في النهاية وبضغوطات سياسية أمريكية كان الاتفاق على أن أرض سيناء ستكون خالية من القوات العسكرية المصرية، وممنوع في الأساس عليها دخولها رغم مصريتها.

بالتالي، فإن التعنت «الإسرائيلي» أمام الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية كان يجابه بخضوع رسمي للاشتراطات «الإسرائيلية»، بمعنى رغم هذا التعنت فإن التنازلات وبخاصة الفلسطينية أمام «إسرائيل» كانت تتنامى. لذلك ما الداعي لـ «إسرائيل» أن تقوم بالتنازل أمام الفلسطينيين والعرب؟ ماداموا يتراجعون دوماً عن شروطهم؟ والدليل على صحة ما نقول هو التنازلات الرسمية التدريجية الفلسطينية التي جرى تقديمها لـ «إسرائيل» كلما ازدادت تعنتاً. القادة «الإسرائيليون» يعرفون خطواتهم ويدركونها تماماً، كما أنهم على اضطلاع دقيق بالأوضاع الفلسطينية والعربية، وبالتالي فالقادة «الإسرائيليون» ليسوا بأغبياء وإنما يعون ما يمارسونه من سياسات أثبتت فائدتها لهم رغم كل تعنتهم! إذا أردنا نيل الحقوق الفلسطينية والعربية فعلينا إتباع إستراتيجية وتكتيك سياسي جديدين أمام هذا العدو الصهيوني الشايلوكي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165441

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165441 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010