الأربعاء 9 حزيران (يونيو) 2010

تداعيات حصار غزة.. وإغلاق معبر رفح وجريمة الحرب والقرصنة الإسرائيلية

الأربعاء 9 حزيران (يونيو) 2010 par إبراهيم يسري

في 30 أيار/مايو الأسود 2010 شنت القوات الإسرائيلية هجوماً مسلحاً على قافلة مدنية مسالمة من سبع سفن تحمل معونات إنسانية وأدوية وأطعمة ومعدات متجهة إلى غزة ويرافقها حوالي ستمئة ناشط من 32 دولة متحدية الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة ظلماً وعدواناً، فهاجمتها فجراً في خسة ودناءة طائرات الهيلكوبتر والزوارق الحربية الإسرائيلية في المياه الدولية واقتحم جنود “إسرائيل” السفينة التركية التي تقود المسيرة وقاموا بإطلاق النار على ركابها المدنيين العزل، وأسفر هذا العدوان الأثيم عن موت 19 شهيداً وجرح 80 ناشطاً، واقتادت القوات الهمجية الإسرائيلية إلى ميناء أسدود حيث اعتقلت ركاب السفن وأودعت بعضهم السجون وأخضعتهم لاستجوابات تحت التهديد والترويع.

وبعد ذلك بأيام هاجمت القوات الهمجية للعدو الصهيوني الباخرة الايرلندية راشيل كوري المسماة على اسم الناشطة الأمريكية التي قتلها الجيش الإسرائيلي وهي ترافق ناشطين فلسطينيين يحتجون ضد جدار الفصل العنصري.

وفي الحادث الأول استنكرت العديد من الدول وعلى رأسها تركيا التي وصف رئيس وزرائها العملية بأنها إرهاب دولة وأنذر “إسرائيل” بتحمل تبعات عدوانها في لهجة حازمة وعرضت تركيا الأمر على مجلس الأمن وعلى حلف الناتو كما أصدر وزراء الخارجية العرب قرارات هزيلة وضعيفة ومخجلة الشجب والإدانة وإحالة الموضوع إلى مجلس الأمن الذي تعرف سلفاً أن الفيتو الأمريكي فيه يتصدى دائماً لحماية “إسرائيل” من أي عقوبات دولية حازمة وحاسمة.

ونقول بداءة إن الحصار وإغلاق المعبر وجريمة الحرب الإسرائيلية ترتبط ارتباطاً وثيقاً في الوجود والنتائج فلا يمكن أن يقتصر عرضنا للجريمة الوحشية على عنصر واحد منها بمعزل عن هذه القضايا، فلو كان معبر رفح وهو المعبر الوحيد الذي يصل غزة بأرض عربية لما كان هناك حصار لها ولما كان هناك ضرورة ملحة لتحدي الحصار البحري الإسرائيلي، وبالتالي فإن جزءاً من المسؤولية عن تلك الأرواح التي أزهقت والدماء التي سكبت ينسب إلى الحصار الذي يكرسه إغلاق معبر رفح ومنع قوافل الإغاثة وترك المعونات الدولية والمصرية للتلف والنهب خارج المعبر، الأمر الذي أثار استهجان وسخط العديد من الناشطين الدوليين وبينهم عدد من اليهود والذي دفع بأكثر من 220 من رموز وناشطي مصر إلى إقامة دعوى لفتح المعبر حدد يوم 29 حزيران/يونيو للحكم فيها.

ويفسر بعض المسؤولين سياسة إغلاق المعبر - كما أشارت الوثائق على أسس واهية ومفتعلة لا سند لها من القانون الدولي ولا الدستور والقوانين المصرية - إلى أن غزة أرض محتلة.. وأن “إسرائيل” تتحمل مسؤوليتها وأنها ترفض التعامل مع القطاع بوصفه أرضاً محررة لأن في ذلك محاولة لإلقاء التبعة على القاهرة. فيما أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أن الرؤية المصرية للوضع القانوني لقطاع غزة، تقوم على أنه جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنه لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأضاف أن الانسحاب أحادي الجانب - الذي قامت به “إسرائيل” من القطاع - لم يترتب عليه تحرير القطاع من الاحتلال - كما يعتقد أو يدعي البعض - حيث أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، تشكل - جميعاً - وحدة جغرافية واحدة لا يمكن التعامل معها بشكل مجزاً، وإلا اعتبر ذلك بمثابة ضربة قاصمة لوحدتها. وأن “إسرائيل” - وطبقاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة تحديداً - وباعتبارها سلطة الاحتلال، لا تزال ملزمة بتوفير عناصر الحياة الأساسية من كهرباء ومياه وطعام ودواء للسكان المقيمين في الأرض التي تحتلها.

ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد لتبين أوجه العوار بل والبطلان في هذا الطرح المصري الغريب، فلا يمكن تصور رفض أي مواطن عربي تحرير جزء من الأرض المحتلة بسبب بقاء جزء من فلسطين تحت الاحتلال، فواقع الأمر أن غزة إقليم محرر تتوفر فيه شروط القانون الدولي لاعتبارها من أشخاص القانون الدولي، فهناك إقليم وشعب وسلطة مسيطرة في غزة، ولا تملك “إسرائيل” إعادة احتلالها، وكل ما استطاعته هو فرض حصار بري وبحري عليها، وقد فرض مثل هذا الحصار على دول أبرزها كوبا ولم يقدح هذا الحصار في أنها من أشخاص القانون الدولي العام تتمتع بعضوية الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية.

وقد استندنا في طلبنا فتح المعبر في المقام الأول إلى ما ورد في ديباجة دستورنا عن أن مصر جزء من الأمة العربية وتنفيذاً لمعاهدات دولية صارت جزءاً من نظامنا التشريعي منها ميثاق جامعة الدول العربية واتفاقية الدفاع المشترك ولهذا نؤكد على أن قراري الجدار والمعبر يخالفان النظام التشريعي المصري ونصوص اتفاقيات دولية صدقنا عليها وأصبح لها قوة القانون بموجب المادة 151/2 من الدستور. وقد طالبنا الحكومة بالكشف عن الغموض الذي يكتنف أحكام إدارة معبر رفح، وقواعد فتحه وإغلاقه، والكشف عن نص قرار وزير الداخلية بإنشاء معبر رفح. وينص القانون رقم 89 لسنة 1960 الذي ينظم دخول وخروج الأجانب للبلاد في المادة 2 منه على أنه “لا يجوز دخول جمهورية مصر العربية أو الخروج منها إلا لمن يحمل جواز سفر أو وثيقة صادرين من السلطة المختصة بذلك أو أي سلطة أخرى معترف بها يخولانه العودة إلى بلده الصادر منها...”

وتقضي المادة 3 منه بأنه "لا يجوز دخول جمهورية مصر العربية أو الخروج منها إلا من الأماكن التي يحددها وزير الداخلية بقرار وبإذن من الموظف المختص ويكون ذلك بالتأشير على جواز السفر أو الوثيقة التي تقوم مقامه. وتنص المادة 12 من ذات القانون على أنه لا يجوز التأشير بالدخول أو المرور إلا على جواز سفر صحيح أو وثيقة رسمية تقوم مقام الجواز وصالحة للتجديد وتخول حاملها العودة إلى بلده أو على الأقل الجهة التي جاء منها.

وتنفيذاً لذلك صدر قرار وزير الداخلية رقم 31 لسنة 1960 في شأن التأشيرات كما حدد قرار وزير الداخلية رقم 185 لسنة 1964 الأماكن المخصصة لدخول جمهورية مصر العربية والخروج منها (قرار سابق رقم 62 لسنة 1960) وقد لوحظ أن وزارة الداخلية تكتمت على القرار المنظم للحركة في معبر رفح وهو أمر لا سند له من القانون.

وعليه فإن نظام العمل في معبر رفح يعتبر باطلاً لمخالفته لصريح نص هذه المادة حيث يتم رفض دخول وخروج أفراد من جنسيات مختلفة لأسباب تحكمية غير معروفة. وإذا كان الأمر يتعلق بأمن البلاد فإن ترخص جهة الإدارة بتحديد قوائم الممنوعين من الدخول أو الخروج هو إجراء يفي بهذا الغرض، ويكشف عوار التصرفات التحكمية المطبقة في معبر رفح سواء لعدم وجود مواعيد لفتح المعبر وإغلاقه أو لعدم السماح بدخول وخروج الأفراد من خلاله مع استيفائهم للشروط التي بينها القانون المذكور أعلاه. وحرصاً على أمن البلاد نظم قرار وزير الداخلية بقراره رقم 2214 لسنة 1964 قوائم الممنوعين من الخروج أو الدخول محدداً الجهات التي تملك ذلك على وجه الحصر. فالقانون قد شمل جميع منافذ الجمهورية وقواعد الدخول إليها والخروج منها بنظام موحد، ولذلك تغدو سياسة تطبيق نظام مغاير يقوم على عدم انتظام العمل في معبر رفح وانتقائية من يسمح له بالدخول أو الخروج منافية للقانون المصري.

من جهة أخرى فإنه لا أساس قانوني لفتح معبر أخر لدخول وخروج الشاحنات والبضائع ل“إسرائيل” في غيبة قرار مصري بفتح ذلك المعابر(كرم أبوسالم والعوجه وغيرها) فهذا التوزيع للمعابر قد تم بإرادة وتخطيط إسرائيلي فقامت السلطات المصرية بتطبيقه دون اعتراض. ويترتب على ذلك بالضرورة أن إصرار جهة الإدارة على تخصيص معبر رفح لمرور الأفراد فقط لا يستند إلى صحيح القانون.

نترك هذا الجدل القانوني، وقد تطرقنا لتجريم الفعل الإسرائيلي دولياً في بلاغنا للنائب العام منذ أيام لملاحقة نتنياهو وباراك وغيرهما - لنركز على أهم المعطيات التي يطرحها هذا التحدي الإسرائيلي، وهو أنه لا يمكن بسهولة افتراض وقوع “إسرائيل” في حماقة أو عمل غير مدروس ودليل ذلك أنها واصلت كبح مخالفات الحصار بالقوة بل وعادت إلى ذلك عندما هاجمت الباخرة الايرلندية، ولا بد من تدبر الأسباب الحقيقية لهذه السياسة الإسرائيلية:

فالمعروف أن “إسرائيل” تحضر في الأجل القريب أو المدى المتوسط، لشن ثلاث حروب ضد إيران وحزب الله وحماس، وهي تستمر في التدريب وإجراء المناورات وحشد الكثير من الأسلحة الحديثة على ضوء تجربتها المرة في الحربين على حزب الله وقطاع غزة. فالظاهر أن “إسرائيل” لا تملك خياراً إلا الحرب. وأنها تدرك أن تفوقها على الدول العربية، لن يسفر عن الانتصارات السريعة، على ضوء التجربة الأمريكية المرة في أفغانستان والعراق، فالحرب لم تعد حرب جيوش وإنما حرب شعوب وميليشيات وعصابات.

وتلقى غزة اهتماماً خاصاً من “إسرائيل” لأنها قد ترجح كفة شن الحرب عليها. لكنها يمكن أن تشكل هزيمة ل“إسرائيل” إذا لم تستمر أهدافها، باستمرار في ارتكاب جرائم قتل المدنيين وتدمير البيوت. أي أن ضعفها في غزة قد لا يحقق لها النصر.

ف“إسرائيل” لا خيار لها إلا الحرب السريعة التي تنتهي بنصر سريع لأن طول فترة الحرب سيؤدي إلى إصابة معنويات الجيش الإسرائيلي بهبوط حاد في المعنويات الإسرائيلية والواضح أن غزة الآن أكثر قوة من الناحية العسكرية والأمنية من السابق، ووارد جداً أن لديها أسلحة غير معروفة لدى دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا ما سيضع الإسرائيليين أمام تحد عسكري هام، فضلاً عن أن المقاومة الآن شديدة الحرص من الناحية الأمنية، وتعلمت أن تعمل تحت الأرض بدون تصريحات وبطولات كلامية.

ويمكن تصور أن هذه المعطيات كانت وراء هذا القرار الإسرائيلي الخطير، وأن “إسرائيل” لم تجد صعوبة كبيرة في إقناع الإدارة الأمريكية بحقها في تجنب هذا الخطر الشديد بالإصرار على ضرب أي محاولات لكسر الحصار عن غزة، غير عابئة بردود الفعل الدولية أو أي نتائج سلبية أخرى لأن حساباتها تقوم فقط على القوة الماحقة وتأييد واشنطن التلقائي الأوتوماتيكي، وتحملت حسابات الخوف الإسرائيلية رد الفعل التركي القوي والعنيف على أمل أن تسعى لتفاديه بالوسائل الدبلوماسية واستدرار الضغوط الأمريكية في أن واحد.

ولكن “إسرائيل” لم تأخذ في حسابها ردود فعل الشعب التركي التي ستدخل تركيا كقوة إقليمية كبرى في المعادلة، وكذلك ما قد يترتب على ذلك من تزايد الضغوط الدولية لكسر الحصار عن غزة بما في ذلك إعادة النظر في إغلاق معبر رفح كأكبر عامل في كسر هذا الحصار، كما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن الوضع لم يعد يحتمل بقاء ما يسمى بالمبادرة العربية التي ماتت منذ سنوات والتي لم يكن النظام الرسمي قادراً على إعادة النظر فيها أو إسقاطها كما بادرت بذلك الكويت.

لكن أهم الحقائق التي أسفرت عنها المغامرة الإسرائيلية هي أنها كشفت عن فشل أوباما في استعادة ثقة العالم الإسلامي كما يقول ميشال كراولي في العدد الأخير من مجلة “تايم” الأمريكية.

والخلاصة أن الصراع العربي الإسرائيلي قد دخل مرحلة جديدة لم تتضح معالمها ولكن يبدو أن أهم ملامحها الرئيسية هي أن الصراع العربي الإسرائيلي أصبح صراع شعوب وليس حرب جيوش، وستصبح مواجهته ودحره مسؤولية كل مواطن على الأرض العربية من المحيط إلى الخليج لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فبعد ستين عاماً من السذاجة والانبطاح أسفرت عن ضعف النظام العربي وعجزه تعود للمواطن العربي حريته ومسؤوليته في صد العدوان بوسائله الشخصية التي يملكها ابتداء من العصي والسنج إلى السلاح المرخص وغير المرخص الذي تحتفظ به القبائل والأسر والأفراد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165513

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165513 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010