السبت 31 آذار (مارس) 2012

شهود خارج التَّسعيرة

السبت 31 آذار (مارس) 2012 par خيري منصور

كان على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يتقدم بتقرير مترجم عن العبريّة وليس إليها، خُلاصته أن من فضائل الاحتلال الصهيوني لفلسطين الاستيطان وما أتى به من خَير عميم على البلاد والعباد. وأن يُضيف بأن كل من يعترض على قَضم الأراضي وتَدنْيس المُقدسات وانتهاك مصائر البشر والحِصار وقتْل الأطفال هو ناكرٌ للجميل الصهيوني، عندئذٍ سيكون مقبولاً ومرحباً به في «تل أبيب»، لأنها تَظُن أن الدِّيستوبيا التي تنّبأ بها جورج أورويل قبل أكثر من ستين عاماً وبتزامنٍ مع إعلانها، قد تحققت فيها، بحيث تُصبح للكلمات دلالات مُضادة لكل ما في معاجم اللغات، ويصبح تِبعاً لذلك الاحتلال نعيماً والحرية جحيماً، والاستيطان مَكْرمة صهيونية على أرض بلا شعب.

وَمَنْ قتلوا رجلاً كان ذات يوم أميناً على وظيفته وعلى رأس المُنظمة الدولية لأنه لم يتحول إلى ببغاء تردّد الصدى، لن يتورّعوا عن معاقبة كل من يُجازف بالخروج عن بيت الطاعة الصهيوني، فهو ناشز سياسياً وإنسانياً، سواء حمل اسم برنادوت أو غولدستون أو أي اسم آخر، اللهم إلا إذا اعتذر وطلب الغُفران من الشيطان.

قبل مجلس حقوق الإنسان، لم يبق طرف في الكون له صلة بالسياسة الدولية أو الإنسان من قريب أو بعيد، إلا ودان الاستيطان سواء بصوت خافت خجول أو بصوت جَهْوَريّ، لأن الاستيطان عَورة سياسية وتاريخية لا يكفي تُوتُ الأرض كلها لِسترها.

فهو انتهاك للبشر والشجر والحجر، وَتَمدّدٌ سرطاني في كُلّ الخلايا الحيّة والنسيج المُعافى للأرض العربية في فلسطين، وأرقامه تضاعفت مرات عدة بعد «اتفاقية أوسلو»، لأنه خارج القوانين والبروتوكولات الدولية والنطق أيضاً، ذلك أنه ينسجم مع المشروع منذ جذوره، فالدولة الصهيونية العبرية بمعنى ما هي مستوطنة كبرى، ما دام المقصود بالاستيطان سواء استهدف الهنود الحمر أو غيرهم من السكان الأصليين للبلاد، هو محوُ الهوّية والإعدام الوُجودي والحلول، والصهيونية حاولت بالفِعل أن تجعل من الاحتلال حلولاً بمعنى إقصاء الآخر صاحب الأرض والحلول مكانه، كما حاولت أيضاً أن تجعل منه استحلالاً أي فعلاً مشروعاً ومباركاً من السماء والأرض معاً، لكن قصة هذا المشروع في النهاية هي ذاتها قصة الفشل في تحقيقه.

وحين يقول المنحازون إلى هذا الاحتلال، إن الدولة الصهيونية هي قصة نجاح في القرن العشرين، فهم من حيث لا يدرون يُعلنون أنفسهم وضمائرهم رهائن لتلك القصة البوليسية المملة والخالية من الحَبْكة الدرامية الذكية.

إنهم الآن يستشهدون بغولدستون الذي عاد إليه الوعي كما يقولون وبَدَّل أقواله، وتلك حكاية ذات شجون سياسية ودولية لابد أن يأتي اليوم الذي تتكشف فيه أسرارها، فمن شهد غولدستون بأنهم عُذبوا أو طوردوا أو استشهدوا لم يعودوا إلى الحياة خلال العام الفاصل بين شهادته الأولى وشهادته الثانية.

إن «تل أبيب» تُشْهرُ الفزاعة للمرة الألف لا ضد غولدستون قبل أن يُغير أقواله ولا ضد مجلس حقوق الإنسان فقط، بل ضد كل من تُسوّل له نفسه مِنْ مُثففي العالم وشهوده أن يَجْهرَ بالحقيقة، لأنه عندئذٍ معادٍ للسامية بالضرورة.

لقد مضى ذلك الزمن الذي كانت تُمارس فيه جرائم كاملة، وبلا شهود أو توثيق بالصوت والصورة والدم، لهذا يُصبح كل من يدلي بشهادته عن جريمة الاحتلال وما أفرزته من استيطان وانتهاكات عدواً لمن يُمارس هذه الجرائم، لأنه لم يتحول إلى شاهد زور، خصوصاً بعد أن اعتقد رعاة المشروع الصهيوني أن لكل شاهد تسعيرة، سواء كانت سياسية أو مالية، وأحياناً لا تتجاوز هذه التسعيرة إعفاء مَن يَعْتذر من تهمة اللاسامية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010