الأحد 25 آذار (مارس) 2012

غزة وبعض همومها

الأحد 25 آذار (مارس) 2012 par أمجد عرار

أصر الصديق القديم ابن غزة على نبش الذكريات بمرّها وحلوها، أيام كان فيها من الممكن لابن غزة أن يزور الضفة بمعيّة حَمَلَةِ بطاقات الـ «في آي بي» من الوزراء والمديرين العامين والموظفين «المهمين». اليوم لم يعد أي فلسطيني مهماً بنظر «إسرائيل»، لأن الفلسطينيين لم يكتفوا بالفتات الذي قدّمه لهم اتفاق أوسلو، وهذا كان المعيار الذي يجعل «إسرائيل» تؤجل استهدافها للفلسطيني، فغولدا مائير نفسها تجاهر بأنها تحصر صفة الجيد بالعربي الميت، فهي جهيزة التي قطعت قول كل مدافع عن التسوية التي مازال البعض يصرّ على تسميتها «عملية السلام».

كان قادة هذا الكيان، بمن فيهم إسحاق رابين، يراهنون على تثبيت سقف الخديعة بما يشبه حكماً شبه ذاتي يُخرج من «الحل»" السيادة والأمن والحدود والمعابر وتسعين في المئة من فلسطين.

ومع أن الاحتلال أجرى عملية فصل جغرافي بين الضفة وغزة، فإنه لم يستطع فصل الوجدان الفلسطيني الموحّد ليس في الضفة وغزة فحسب، بل في المناطق المحتلة العام 48 وفي الشتات أيضاً. أحياناً تطالع تعليقات على المواقع الإلكترونية لفلسطينيين آباؤهم ولدوا في الشتات، ولم تتكحل عيونهم بتراب فلسطين، ولم يستنشقوا رائحة برتقال حيفا، لكنك تحسب أنهم يعيشون هناك في البيارة أو على قمة جبل الكرمل، أو هم قادمون بشعر نفشه النسيم العليل على أسوار عكا. إنهم يحملون في مخيّلاتهم صوراً شكّلوها من وصف أجدادهم الذين اقتلعتهم الغزوة الصهيونية، ووجدوا أنفسهم في لمحة عين خارج الوطن.

ما عجز عنه الاحتلال تحقّق على أيدي أبناء الوطن عبر قواهم السياسية الذين كرّسوا الفصل بين الضفة وغزة عندما اقتتلوا على جلد دب لم يصيدوه، وأقاموا حكومتين وجمهوريتين ظنوا أنهما عُظْميان، وارتاحوا في حدودهما المحاصرة. لذلك وقّع طرفا الانقسام سلسلة اتفاقات وبقيت حبراً على ورق، وكان كل منهما يبشّرنا بالمنّ والسلوى فور توقيع الاتفاق، ليعودا بعد أيام إلى أسطوانة الاتهامات المتبادلة. حتى عندما «إسرائيل» تشن الغارات الجوية وتفتك بالأطفال والعجائز، لا تستفز مشاعر قادتنا الميامين، ولا تدفعهم إلى الإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه قضيتهم المبعثرة بين أقدام من هَب ودب، ولا نريد أن نعيد ونزيد على ما يجري في القدس من نسف لمقدساتها وتزوير لتاريخها وسرقة لآثارها، وكل ذلك لا يثير حفيظة الانقساميين.

لِتَبْقَ الضفة إذاً، «سداحاً مداحاً» للمستوطنين وجدارهم الأفعواني المتلوّي في بطن الأرض الفلسطينية، ولِتَبْقَ غزة منكوبة بالحصار وفي سلخها عن شقيقتها اللدودة. هكذا يكون الحديث ذا شجون على لسان ابن غزة المكلوم بأمته قبل احتلالها، وبإخوته قبل أعدائه، لذلك تراه يفتح جروح واقعها المؤلم حيث لا وقود ولا كهرباء ولا دواء. المستشفيات تئن تحت وطأة النقص في الدواء والتجهيزات الطبية، فضلاً عن تعطّل أجهزة ضرورية بسبب انقطاع الكهرباء، ولنا أن نتخيّل حالة مرضى العناية المركّزة عندما تتوقّف الأجهزة الطبية عن العمل.

لنا أن نترحم مسبقاً على مرضى السرطان وأولئك الذين يغسلون الكلى والذين يحملون في قلوبهم صمامات صناعية، وأن نصدّق روايات يشيب لها الرضيعُ عن أمهات لا يجدن قطرة حليب لأطفالهن، وآباء لا يجدون ما يتيح لهم العودة إلى البيت بربطة خبز.

كان حرجه كبيراً عندما فوجئ بصورة مشتركة على الموقع، فالبنطال استعاره من صديق والمعطف لصديق آخر. توسل نزع الصورة، ثم استأذن لأن الكهرباء المقننة ستقطع بعد دقيقتين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165239

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165239 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010