الاثنين 26 آذار (مارس) 2012

هناء الشلبي .. هنا فلسطين

الاثنين 26 آذار (مارس) 2012 par محمد عبيد

لم تتجاوز ثمانية وعشرين من ربيع العمر، إلا أنها تجاوزت المعقول والقابل للإدراك بإرادتها وصمودها، وسطّرت الملحمة الفلسطينية الأزلية في مواجهة صلف وتعنت وإجرام الاحتلال «الإسرائيلي»، مواصلة معركة الأمعاء الخاوية لما يناهز الأربعين يوماً، أربعون من صمود وإرادة وإصرار على إحدى حسنيَيْن «فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى».

هناء الشلبي طرقت أفئدتنا قبل أسماعنا، بنداء مدوٍ معلن وصريح «هنا فلسطين»، أيها الغافلون، أيها الغارقون في أتون صراعاتكم المحلية، والمنشغلون عن القضية الأساسية، بشيطان التفاصيل الهامشية، هناء ابنة قرية برقين الجاثمة على بعد كيلومتر أو أكثر قليلاً من مخيم جنين، الذي ما زال اسمه راسخاً في ذاكرة كل منا كعنوان ورمز للصمود الفلسطيني، في مقاومة الاحتلال، خلال أعتى حملة عسكرية شهدها هذا الكيلومتر المربع ذو الكثافة السكانية العالية عام 2002، تضع نقاطاً على حروف صمتنا القاحل، لتزهر اللغة مجدداً بمصطلحات العزة والكرامة وإرادة الحياة.

النصر بات وشيكاً، والدليل واضح للعيان فالاحتلال الذي لا يعرف إلا لغة الضغط، ألفى نفسه محشوراً «في خانة اليك»، وبدأ إطلاق الاقتراحات والمبادرات بدءاً من عرض إبعاد الأسيرة الصامدة إلى قطاع غزة المحاصر بظلم الاحتلال، والغارق بالظلام، ومن ثم عرض إبعادها لفترة زمنية محددة إلى الأردن أو القطاع، ما رفضته الأسيرة وممثلو الحركة الأسيرة الفلسطينية، في ظل إصرار على الاستمرار في المعركة، معركة الأمعاء ضد صلف وتعنت السجان، والمواجهة الأكثر سلمية ضد الأكثر إجراماً وتسليحاً، والأكثر دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

هناء المصرّة على مواصلة معركتها ضد الاحتلال، وإلى جانبها العديد من الأسرى الفلسطينيين، ومن بينهم الأسير كفاح حطاب الذي تجاوز عتبة 25 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام، وغيره من الأسرى الذين وصل عدد سني اعتقالهم إلى أكثر من 25 عاماً، وغيرهم كثر، يخوضون معركة غير متكافئة مع السجّان، لا سلاح لهم إلا الإرادة، التي لا تزال سلطات الاحتلال، تخترع أبشع وأفظع الجرائم والممارسات لكسرها، وتجريدهم منها، ولا استراتيجية لها إلا «عض الأصابع»، والضغط المتواصل، ودفع الأمور إلى أقصى حدود الممكن أو المعقول.

المعركة متواصلة ومفتوحة، وللمفارقة المرّة فإن من يخوضونها ليسوا إلا أكثر الفلسطينيين تعرضاً لحصار الاحتلال، وتأثراً بسياساته العنصرية، وأثقلهم قيداً، بينما الآخرون الرهائن في سجنيهم الكبيرين، الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، منشغلون بكثير من المسائل، وغارقون في صراع داخلي، يبدو أنهم يطيلون أمده بدلاً من إنهائه، وعوضاً عن فتح المعركة مع الاحتلال، سواء على مستوى قطاع غزة الذي ينتظر كارثة إنسانية محققة نتيجة انقطاع الوقود، أو على مستوى الوطن الفلسطيني المهدد بغول الاستعمار والتهويد والسلب، نرى حرب «الكلام والاتهام» محتدمة ومتصاعدة بين فريقي الانقسام المقيت، ولا نسمع حتى تغريداً خارج أحد السربين، ينذر من خطورة الحالة، وتأثيرات استمرارها المستقبلية على فلسطين المحتلة، الوطن والقضية التاريخية، ويحذّر المختصمين، من الاحتلال الذي يحسن استغلال التشظي الفلسطيني الداخلي، لمواصلة تنفيذ مخططه الهادف إلى إلغاء الوجود الفلسطيني.

أيها الأسرى الفلسطينيون، صبراً وصموداً، فما أنتم باحثون عنه من خلف قضبان المعتقلات بأسوارها العالية وأسلاكها الشائكة، وسجّانيها المجرمين، يستحق نضالكم السلمي، ويضبط لنا البوصلة التي أضاعها الفرقاء، ويدعونا يومياً إلى ألا ننسى، ألا ننسى القضية الأساسية، ويدق نواقيس الخطر في ضمائرنا، ويبشّركم بغد جديد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165792

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165792 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010