الأحد 11 آذار (مارس) 2012

إلى متى سيستمر الفلسطينيون في تعداد شهدائهم؟

الأحد 11 آذار (مارس) 2012 par عادل أبو هاشم

عند دراسة مراحل تشكيل السياسة المستقبلية لأي دولة، وتحديد أهدافها الإستراتيجية، كثيراً ما يبرز رأيان في أوساط صنع القرار لتك الدولة :

الأول : يتبنى مواقف متصلبة، ويرى استخدام القوة للوصول إلى الأهداف الإستراتيجية للدولة.

والثاني : يعتمد الطرق الدبلوماسية والمفاوضات للوصول إلى نفس الأهداف.

وعلى مدى أكثر من ستين عاماً ساد الكيان الصهيوني الرأي الأول الذي يستخدم الإرهاب والقتل وسيلة لتحقيق أهدافه.

لقد كان بن جوريون (أول رئيس وزراء للعدو الصهيوني)، وحتى بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الحالي)، لا يحجم عن استخدام القوة للوصول إلى ما يعتبره (أهداف «إسرائيل»)، بل لقد كان يفتعل ظروفاً تهيئ له استخدام القوة والإرهاب والقتل.

إنه فيلم «إسرائيلي» طويل ... شاهده الفلسطينيون آلاف المرات منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948م، وتجسد على الأرض في احتلال «إسرائيل» لقطاع غزة عام 1956م، ومذبحة كفر قاسم ضد الفلسطينيين الذين لم يرحلوا عن ديارهم عام 1956م، وفي الأيام الأولى للاحتلال «الإسرائيلي» لقطاع غزة والضفة الغربية في يونيو (حزيران) 1967م وفي مذابح صبرا وشاتيلا عام 1982م..!

القائمون على تمويل الفيلم متأكدين من نجاح عرضهم ولو أستمر عرضه مائة عام أخرى على هذا الجمهور الساذج ..! لذا نراهم يمولون بين فترة وأخرى أحد أجزاء هذا الفيلم على غرار أفلام رامبو 3،2،1،.. أما المخرجين فقد أجادوا الصنعة، لدرجة أن أحدهم فاز بجائزة نوبل مناصفة عن دوره في إخراج الأجزاء التي صدرت أعوام 1978 و1981 و1982م، وآخران استحقا ثلثي الجائزة عن أدوارهم في هذا الفيلم منذ أكثر من ستين عاماً!.

حتى مناظر الديكور نفسها، مع الفارق الزمني في تطورها!.

ولأن الفيلم يدخل في نطاق أفلام العنف فهناك دائماً الضحايا ...! وهم نفس الضحايا في جميع أجزاء الفيلم وإن اختلفت الأسماء ..!

ونفس عصابة القتلة مع اختلاف الأشكال ..!

فالقتلة «الإسرائيليون» يجدون متعة في قتل الضحايا العرب، وعبادة في سفك دماء غير اليهود، ولقد تفننوا في اقتراف جرائم القتل ضد كل من هو عربي!.

وما اغتيال قوات الاحتلال الصهيوني الأمين العام للجان المقاومة الشعبية زهير القيسي وأحد قادتها الميدانيين الأسير المحرر محمود احمد حنني يوم الجمعة الماضي في مدينة غزة وما تلى ذلك من عشرات الشهداء والجرحى في غارات لطيران العدو الصهيوني إلا مثال حي على ذلك.

في الأيام الأولى لاحتلال قطاع غزة بعد هزيمة 1967م كانت مذبحة مخيم رفح، حيث قام الجنود «الإسرائيليون» بإطلاق النار على أكثر من مائة مواطن فلسطيني تم جمعهم أثناء الليل من منازلهم، وقد تم دفنهم في أحد الآبار، ولم يتم الكشف عن جثثهم إلا بعد أشهر عديدة، وطوال هذه الأشهر كانت أسرهم تعتقد أنهم أسرى عند قوات الاحتلال «الإسرائيلي».

مخرج هذا الفيلم وهذه المذبحة هو موشيه دايان وزير الدفاع «الإسرائيلي» في ذلك الوقت، والذريعة التي قيلت بعد ارتكاب المذبحة : حتى لا ينسى الفلسطينيون مذابح عام 1956م والتي ارتكبتها القوات «الإسرائيلية» في أثناء احتلالها لقطاع غزة، وبالتالي الرضوخ للحكم «الإسرائيلي» ..!

ثم توالت خلال العشرين عاماً الأولى من عمر الاحتلال عمليات القتل المنظم والمنهجي لأبناء الشعب الفلسطيني بدم بارد في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأصبح كل قائد «إسرائيلي» يتفاخر بقتله أكبر عدد من الفلسطينيين دون أن يحاسبه أحد!

مجرم الحرب أرئيل شارون لم يترك وسيلة إلا وأستخدمها في قتل وتهجير وتشريد الفلسطينيين عندما تولى في أوائل السبعينات قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش «الإسرائيلي»، وهي تضم شبة جزيرة سيناء وقطاع غزة، من هدم المخيمات، وتهجير سكانها إلي الضفة الغربية وسيناء، إلى قتل المدنيين العزل في منازلهم، وأهالي قطاع غزة يذكرون دورة في قتل العشرات أمام ذويهم كالشهيد صبحي أبو ضاحي والشهيد محمد العاجز.

ولم تفت حفلة قتل الفلسطينيين إسحاق مردخاي وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، وزعيم حزب الوسط في الانتخابات «الإسرائيلية» عام 1999م، فقد قام بقتل صبحي شحادة أبو جامع، ومجدي أحمد أبو جامع، بضربهما بكعب مسدسه حتى الموت في عام 1984م أثناء التحقيق معهما.! بعد أسرهما أثناء اشتراكهما في العملية التي أطلق عليها (الحافلة رقم 300).

حتى أيهود باراك والذي هلل البعض لانتصاره على نتنياهو في انتخابات 1999م، واعتبروه بطل السلام القادم، قام بقتل القادة كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت عام 1973م في فراشهم ووسط عائلاتهم، وقد كان اغتيال القادة الثلاثة من الإنجازات التي تباهى بها في الانتخابات، والتي دغدغ بها مشاعر «الإسرائيليين»، وساهم أيضاً في قتل خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس عام 1988م.

وفي زمن الانتفاضة الفلسطينية المباركة عام 1987م، شكل الجنرال دان شومرن رئيس الأركان «الإسرائيلي» في ذلك الوقت، فرق الموت «الإسرائيلية» لقتل شبان الانتفاضة على الطريقة «الإسرائيلية»، والتي تتلخص في القتل مع سبق الإصرار والترصد وبدم بارد!.

والحديث عن ممارسات فرق الموت «الإسرائيلية» ودموية أفرادها، يحتاج إلى مجلدات، ولكي نعطي صورة عن عمل هذه الفرق ضد المدنيين الفلسطينيين نذكر ما يلي :

في أبريل (نيسان) 1988م توقفت شاحنة فيها جنود «إسرائيليون» يرتدون ملابس مدنية أمام دكان جزار لعائلة الكردي في غزة، واندفعوا من داخلها حاملين أسلحتهم. وبدءوا بإطلاق النار على صاحب المحل وأبنائه فقتلوا ثلاثة أفراد من أسرة الكردي!.

في يوليو 1989م قام أعضاء في فرق الموت «الإسرائيلية» بملاحقة ياسر محمد أبو غوش في سوق الخضار المركزي في مدينة رام الله، وعند هروبه منهم اصطدم ببائع متجول وسقط على الأرض، وعندما حاول النهوض أطلقت فرق الموت النار عليه وأصابوه في ظهره، وعندما حاول النهوض مرة ثانية أطلقوا النار على رأسه ليسقط شهيداً.

وبعد توقيع اتفاق أوسلو الشهير في سبتمبر 1993م خرج علينا شيمون بيريز وزير الخارجية «الإسرائيلي» وقتئذ بتصريح أظهر للعالم ما وصل إليه قادة الكيان «الإسرائيلي» من استهتار بكل الأعراف والمواثيق الدولية، وما وصلت إليه الطبيعة الصهيونية في التعامل مع الفلسطينيين، فقد صرح بيريز بأن (موسم الصيد قد انتهى)! وهو يقصد أن قتل الفلسطينيين قد انتهى بعد توقيع اتفاق أوسلو!.

ولم تمضي أيام قليلة على هذا التصريح، إلا وترتكب مذبحة جديدة في مدينة الخليل حيث أقدم أحد مستوطني «كريات أربع» بالدخول إلى ساحة الحرم الإبراهيمي الشريف، وأطلق النار على مرأى من الجنود «الإسرائيليين» على المصلين، مما أدى إلى استشهاد 29 فلسطينياً وإصابة العشرات بجروح، وليسقط أيضاً 40 شهيداً فلسطينياً برصاص المستوطنين والجيش «الإسرائيلي» في عمليات قتل بالتقسيط، في أقل من أسبوعين بعد المذبحة في الحرم الإبراهيمي في مدن ومخيمات وقرى الضفة والقطاع!.

ولننظر إلى شهادة قائد سلاح الحدود «الإسرائيلي» في الخليل مئير تاير للجنة «إسرائيلية» تحقق في مذبحة الخليل إذ قال : (أن الجيش «الإسرائيلي» لديه أوامر بعدم إطلاق النار أبداً على أي مستوطن يهودي يطلق النار على الفلسطينيين، وأن الأوامر تنص على الانتظار إلى أن تفرغ خزنة الذخيرة أو تتعطل البندقية ثم التغلب عليه بعد ذلك)!

وفي الانتفاضة المباركة (انتفاضة الأقصى) عام 2000م، ازدهر (موسم الصيد) وأصبح الصياد «الإسرائيلي»، مستوطناً كان أم جندياً أكثر ولوغاً في سفك الدم الفلسطيني، مصدقاً بيريز بأن موسم الصيد قد قارب على الانتهاء، فلينتهز هذا الصياد ما تبقى من الوقت لملء جوفه بالدم الفلسطيني!

وبعد دخول الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أراضي السلطة الفلسطينية في يوليو 1994م، استمرت «إسرائيل» في ممارسة أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني ذبحاً وتقتيلاً بالرصاص، فبعد أيام قليلة أقدم الجيش «الإسرائيلي» على إطلاق النار على العمال الفلسطينيين العزل عند معبر (ايريز) بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة، مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من العمال، وتوالت عمليات القتل الهمجي «الإسرائيلي» للفلسطينيين منذ توقيع الاتفاق الفلسطيني - «الإسرائيلي»، بل أن موسم الصيد الذي بشرنا بيريز بانتهائه قد ازداد إزدهاراً ورواجاً ، فمن قتل رجال الشرطة الفلسطينية أثناء نومهم في مهاجعهم، إلى عمليات قتل كوادر الفصائل الفلسطينية المعارضة من أمثال هاني عابد ومحمود الخواجا ويحي عياش ومحي الدين الشريف والأخوين عادل وعماد عوض الله والعشرات غيرهم، وقتل العمال في الحواجز في غزة وترقوميا، وتكسير رؤوس الفلسطينيين المزارعين بالحجارة أثناء عملهم كما حدث للمزارع الفلسطيني محمد الزلموط البالغ من العمر سبعين عاماً وهو يقطف الزيتون في مزرعته في نابلس حيث قام أحد المستوطنين بتهشيم رأسه، وكما حدث للمزارع الفلسطيني عبد المجيد أبو تركية، والذي لم يكلف قتله سوى مد عصا من نافذة سيارة مسرعة للمستوطنين باتجاه رقبته وهو يسير على جانب الطريق!.

باستطاعة نتنياهو وباراك وكل قادة جيش العدو «الإسرائيلي» ومستوطنيه أن يمارسوا هوايتهم البغيضة في قتل الفلسطينيين..!!

وباستطاعتهم كذلك توسيع السجون وزيادة المعتقلات، واعتماد كافة ما تسمح به القوانين النازية التي ورثوها من حكومة الانتداب البريطاني، بالإضافة إلى أساليبهم الجديدة التي ابتكروها في اغتيال الأطفال والنساء والشيوخ، وإجهاض الحوامل بقنابل الغاز، وفرض الحصار لأشهر متواصلة على الفلسطينيين دون ماء ولا غذاء ولا كهرباء ..!!

باستطاعة العدو الصهيوني أن يفعل هذا كله وما هو أكثر ..!!

غير أن ذلك كله لن يستطيع أن يطفئ شعلة النضال الفلسطيني المستمرة ضياء منذ ما يقارب القرن حتى اليوم .. وستبقى إلى الأبد.

ولن يستطيع أن يمنع أطفال الحجارة من إلقاء الحجارة الفلسطينية المقدسة، وتجميع الزجاجات الفارغة وملئها بالكيروسين، والقائها على جنود العدو ومستوطنيه.

ولن يستطيع أن يمنع النساء الفلسطينيات من إطلاق زغاريد الفرح كلما سقط لهن من أبنائهن شهيد.

ولن يستطيع أن يمنع مؤذناً ينادي الله أكبر .. الله أكبر .. حي على الجهاد.

ولن يستطيع هذا العدو أن ينجو من لعنة الدماء التي يسفكها، وسيكتشف وهو يولغ في سفك هذه الدماء، أنه كالقط الأجرب الذي يلحس مبرد الحديد، وأنه يغرق في دمائه.

ويبقى التساؤل :

إلى متى سيستمر أبناء الشعب الفلسطيني في تعداد شهدائهم؟

وهل بإمكاننا أن نجعل عدونا يمارس نفس الدور في تعداد قتلاه؟

فجميل جداً أن تضحي من أجل وطنك ...

ولكن الأجمل أن تجعل عدوك يضحي من أجل وطنه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010