الجمعة 2 آذار (مارس) 2012

القدس ومؤتمرات الدفاع عنها

الجمعة 2 آذار (مارس) 2012 par عوني صادق

ربما كان لزاماً علينا، بداية، أن نشكر أولئك الذين لايزالون يتذكرون القدس، فيعقدون باسمها ومن أجلها المؤتمرات “دفاعاً عنها وعن أهلها”، بصرف النظر عن نتائج هذه المؤتمرات على الصعيد العملي، لأن من يتذكر ولا ينجح يظل خيراً ممن يرى في النسيان نعمة .

على مدى يومي 26 و27 من شهر فبراير/ شباط الماضي، عقد “المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس” في الدوحة، وحضره أكثر من 350 شخصية عربية وإسلامية ودولية تمثل 70 دولة، وضمت خبراء في القانون الدولي والتاريخ والاقتصاد والاجتماع، ويمثلون الأديان السماوية الثلاثة . ونظراً إلى كثرة ما عقد من مؤتمرات منذ الاحتلال “الإسرائيلي” للقدس في العام ،1967 من دون أن ينجح أي منها في تحقيق شيء مما امتلأت به جداول أعمال تلك المؤتمرات، لم يتوقع المتابعون أن يخرج المؤتمر الأخير بمفاجأة تخرجه عن مسار سابقاته . والنتيجة كانت دائماً لا تتغير، ولم يشذّ عنها المؤتمر الأخير: أقوال وخطابات، وأيضاً مطالب تتكرر، من جهة، وأفعال وتهويد واستيلاء واستيطان للقدس تتواصل، وكذلك التهجير لأهلها من الفلسطينيين العرب، مسلمين ومسيحيين، من جهة أخرى .

لقد انتهى “مؤتمر الدوحة” إلى توصيتين، وبعض مطالبات . أما التوصيتان، فكانتا أولاً، التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يقضي بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومات “الإسرائيلية” منذ احتلال العام 1967 في القدس العربية . وثانياً: إعداد استراتيجية شاملة وموسعة للقطاعات المختلفة والمشروعات التي تحتاج إليها القدس .

أما المطالبات فكانت إحداها موجهة إلى الأمم المتحدة بكل مؤسساتها “لتحمّل مسؤولياتها تجاه القدس وأهلها”، وأخرى موجهة إلى الحكومة السويسرية (بوصفها الوادعة لاتفاقية جنيف الرابعة)، لتدعو بدورها إلى “استئناف مؤتمر الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية تنفيذاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشأن . . لإيقاف الانتهاكات “الإسرائيلية” وحماية القدس وأهلها ومقدساتها” .

ومع كل احترامي لكل من شارك في “مؤتمر الدوحة”، وليعذروني كلهم إن قلت إن التوصيات والمطالب المذكورة في بيانهم الختامي لم تكن أكثر من باعث قوي على الاكتئاب . ذلك أنني لا أستطيع أن أتهم أصحابها بالجهل أو السذاجة، ولا أريد أن أوجه إليهم اتهامات من أي نوع، في وقت يعرفون فيه جيداً إلى أين ستنتهي توصياتهم ومطالباتهم . إنهم، ولا شك، مازالوا يذكرون فشل المحاولة التي جرت في مجلس الأمن، قبل أكثر من عام، لاستصدار قرار لإدانة عمليات الاستيطان، فكيف إذا كان المطلوب مراجعة والتحقيق في كل ما أقدمت عليه الحكومات “الإسرائيلية” منذ احتلال 1967؟ ومع ذلك، لدينا قرار محكمة العدل العليا في لاهاي الذي صدر منذ سنوات بخصوص “الجدار العازل”، وكان أفضل من كل ما صدر عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة من قرارات بالنسبة إلى القدس واحتلال فلسطين، فماذا أفدنا منه؟ ألم يكن الأفضل والأنجع أن يجري العمل لإحيائه بدلاً من إعادة طلب “إعداد استراتيجية شاملة” جديدة للمشروعات التي تحتاج إليها القدس، وكأن أحداً يجهل ما تحتاج إليه القدس؟ هل نسوا أن “الفيتو” الأمريكي جاهز لإسقاط أي محاولة للمساس ب”إسرائيل وممارسات إسرائيل” ليس في القدس وحدها، بل في كل فلسطين، حتى يطالبوا بالذهاب مجدداً إلى مجلس الأمن و”موقعة” الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم ينجل غبارها بعد؟ أم أن الحكومة السويسرية أصبحت “الدولة الأعظم” في العالم حتى تتجرأ وتستطيع أن تلبي دعوة “مؤتمر الدوحة”؟

في الوقت نفسه، ومقابل الدعوات والتوصيات التي تصدر عن “مؤتمرات الدفاع عن القدس”، نجد الحكومات “الإسرائيلية” لا تكتفي بادعاءاتها الخاصة بالقدس وكل فلسطين، والتي تمتلئ بها مؤتمراتها أيضاً، بل تذهب من دون تأخير إلى تغيير الحقائق والوقائع دون كلل . وكعيّنة من تلك الأفعال، نذكر مثالاً يخص القدس لعله يساعد على أن نلحظ المسافة بين أقوالنا وأفعالهم . فمثلاً، في الفترة ما بين 1967- ،2010 سحبت سلطات الاحتلال أكثر من 14 ألف بطاقة هوية من المقدسيين شملت أكثر من 20% من الأسر المقدسية . وفي الفترة ما بين 2006- 2008 تم سحب 50% من مجموع ما سحب من بطاقات حتى ،2010 ما يدل على السرعة والتسارع في عملية تفريغ القدس العربية من سكانها العرب . كذلك تم هدم 3300 منزل من منازل المقدسيين منذ العام ،1967 بينها مواقع تاريخية ودينية، مثل حي باب المغاربة .

أما في ما يخصّ “ما تحتاجه القدس من مشروعات”، فالجميع يعرف ويعترف أن “المال” هو أحد العناصر المهمة التي تحتاج إليها القدس لخدمة “المشروعات” وتوفير فرص العمل للعاطلين، ولاستمرار المدارس والمستشفيات . . . إلخ، ومع أن المال العربي كما نعرف وافر، إلا أنه ليس للقدس ولا لأهلها ومشروعاتها، والدليل أن القمة العربية قررت العام 2010 دعم القدس بمبلغ (500) مليون دولار، البعض يقول لم يصل منها دولار واحد، ومصدر وحيد قال وصل منها فقط (37) مليون دولار، أي بما لا يزيد على 7% مما تقرر في القمة المذكورة .

هل المسألة مجرد أقوال؟ يبدو الأمر كذلك بالنسبة إلى ما نعقده من مؤتمرات . لكن الأمر لا يخلو من طرافة، ففي “مؤتمر الدوحة” هناك من رأى أنه لا بد من “مكافأة” “الإسرائيليين” على ما يفعلون بالقدس وأهل القدس، فدعا الزعماء العرب إلى زيارة القدس، ورأى في ذلك “دعماً لصمودها”، وليس دعوة إلى التطبيع والاعتراف بمآثرهم في القدس . . صحيح، لله في خلقة شؤون .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010