الخميس 1 آذار (مارس) 2012

هل العبرية بدعة تاريخية !؟

الخميس 1 آذار (مارس) 2012 par أحمد الدبش

دونما حياء ، بكثير من الاطمئنان، ابتكر دارسو الغرب فكرة “العبريين” كجنس ، وكعادتنا ، فإن حراس الفكر الآسن من الأكاديميين العرب ، سلموا بذلك على الفور دون أي نقاش أو سجال حول صحة هذا المفهوم ، وأخترق وعى الإنسان العادي بمفاهيم أقل ما يقال عنها أنها غير علمية ، كما تنضح تصريحات قادتنا ومثقفين ووسائل إعلامنا بمختلف ضروبها وألوانها وإنتماءتها القومية والسياسية ، بمصطلحات منها “اللغة العبرية” ، “الشعب العبري” ، “الدولة العبرية” للدلالة على الكيان الصهيوني في بلادنا فلسطين .

والمطلع ولو قليلاً ، على النصوص الآثارية يري جيداً أن هذا التسليم المطمئن ينطوي على مغالطات تاريخية فمعظم الذين كتبوا في هذا الموضوع أشاروا إلى وجود موجة لأناس يسمون “العبريين” دون دليل اللهم إلا الدليل التوراتي وغير الكامل في هذه النقطة ، هذا الدليل الذي لا يركن إلى صدقه ، وينقسم “علم نقد التوراة” بخصوص معنى “العبريين”، فبينما يشدد قسم من أهل الاختصاص بأن المقصود اسم جنس لمجموعة إثنية محددة، انتسب لجد أعلى اسمه (عابر/ عبر). ومما شجع بعض أهل الاختصاص على التمسك بهذا الرأي وصف العهد القديم لإبرام بأنه “العبري” كما اكتسب هذا الرأي دعماً إضافياً من التوراة، ومن سفر التكوين ( 10 : 21 و24 ) تحديداً لأنه يقول بأن سام هو ( أبو كل بني عابر )، وكذلك يذكر جداً أعلى باسم “عابر/ عبر” ، الذي هو ابن شالح . ومن المهم الآن التذكير بأن المصطلح “ء برم هعبري” والمترجم إلى “إبرام العبري” لا يرد سوى مرة واحدة فقط في سفر التكوين ( 14 : 13 ) .

يري اتجاه أخر أنه مصطلح يشير إلى بدو أو أعراب ــ أي اشتقاق من الفعل “عبر” الذي يرد في العهد القديم بمعنى عَبَرَ . أي أن الاتجاه الأخير لا يري أي أصول عرقية أو إثنية مشتركة للـ “عبريين” ، وإنما وصف لحالة اجتماعية محددة .

أمام الصمت المطبق للأثريات كان لزاماً على المنهج التوراتي إيجاد الدليل على وجود العبريين ولو كان واهيا ً ، فبدءوا في البحث في النقوش القديمة التي تعود لممالك الشرق القديم ، والتي تشير إلى مجموعات من الناس عُرفت بأسماء مختلفة مثل “سء . جءز” ،“خفيرو” ، “خبيرو” ،“عفرم” ،“عفر . و” ، “عابيرو” في النصوص المسمارية في
( نوزي ، وتل حريري ــ ماري ــ ، وتل العطشانة ــ الالاخ ـــ ، ورأس شمرا ــ أوغاريت ــ ، تل العمارنة وغيرها 000 ) واعتقدوا أنهم اكتشفوا فيهم “العبريين” ولكن هذا الرأي لا يتفق مع غالبية الأبحاث الرصينة المتعلقة بهذه المجموعات ، التي لا مجال لذكرها الآن .

وإذا كان مؤرخونا الأفاضل أصحاب الفكر الآسن ، لم يشككوا لحظة في ما تلقنوه ، بل رددوه كبغباء في صالون المتحف ، فإن أحد المفكرين الغربيين “بير روسي” لم يسعه السكوت على الكذب التاريخي ، فيخصص الفصل الأول من كتابه الرائع ــ مدينة إيزيس ، التاريخ الحقيقي للعرب ــ لدحض هذه الفرية مقدماً إيضاحاً موجزاً حول قضية العبرية 00 التي ليست إلا وهماً معقداً ومستمراً لشعوذة اشتقاقية لغوية ، قد استطاع أن يجر كثيراً من الناس ليروا “العبرانيين” ، وفي “ثقافتهم” الأجداد الساميين لتاريخ الشرق ، ولتاريخنا نحن
( في أوروبا ) أيضاً . أن علينا أن نعرف قبل كل شئ أن التاريخ المصنوع “للعبرانيين” خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق . فلا العمارة ولا الكتابات المنقوشة على الآثار ، ولا القوانين والدساتير تكشف أثراً قليلاً “للعبرانيين” . فعلى آلاف النصوص المسمارية أو المصرية التي تؤلف المكتبة المصرية ، أو مكتبة رأس شمرا أو نينوي ، وحتى في الروايات الآرامية 000 في ذلك كله لا تذكر كلمة “عبرية” . وأشهر ملوك التوراة داود وسليمان لم يصبحا قط موضوع وقائع تاريخية ، وليس هناك أبداً ذكر للملحمة المعزٌوة لعبور“العبرانيين” وليس هناك أي انقطاع حضاري ثبت بالحفريات التي تمت في فلسطين منذ عام 1880ــ 1925 فالعدم كامل مثلما هو قطعي وجازم .

لنغادر أراء “روسي” هذه ، الجديدة والمفاجئة حتى لنا نحن عرب هذا العصر ، ولنغادر كتابه القيم الذي هو جدال موسع محكم حول صحة مقولاته وأطروحاته هذه ، ولننظر إلى مفهومنا الديني عن “العبريين” عبر كتاب الله تعالى القرآن الكريم : فهل ثمة ما يشير إلى “العبريين” في القرآن الكريم !؟ لم ترد كلمة “عبري / عبراني” في القرآن الكريم مطلقاً ، فقد ورد ذكر الإسرائيليين بصيغة “بني إسرائيل” و“قوم موسى” ، ذلك مما يدل على أن العرب في زمن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يعرفوا اليهود بغير التسميات المذكورة ، فلو كانوا يعرفون بــ “العبرانيين” أو “العبريين” لورد ذكرهم في القرآن بهذه التسمية .

لنضف إلى ذلك أن “العبرانيين” مجهولون في الأناجيل ، على أمن هناك رسالة للعبرانيين في الأناجيل ، ولكنها مرفوضة لأسباب مادية ممن قبل شُرٌاح الكتاب المقدس مرفوضة لأسباب مادية قبل كل شئ .

هكذا لم تكن العبرية إلا بدعة تاريخية لإسقاط جغرافية التوراة على فلسطين ومحيطها، وهذا الإسقاط جرٌ كذباً تاريخياً يهودياً ، فعلينا الاحتراس من التمادي في استخدام مصطلح “العبرية” المجهول ، الذي يفلت من كل تحليل جاد . وإنه لمن الصعب علينا اليوم أن نعرف “العبرانيين” بواسطة المكان أو الزمان أو بمعونة علم الاجتماع ، أو علم الأديان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 75 / 2178348

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178348 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40