الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2023

الاشاعة والحرب النفسية

الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2023 par حلمي البلبيسي

يلجأ العدو عادة في حربه ضد شعبنا ومناضلينا الى إستخدام كل مالديه من أسلحة الدمار والتنكيل والقتل غير عابئ برأي عام دولي ،أو قرارات أممية ،ولا بردود فعل المنظمات الإنسانية ،فهو يعتمد على قوته العسكرية في فرض واقع جديد على الأرض كل يوم ،سواء أكان ذلك في الجغرافيا ،أم الديمغرافيا ،في ظل غياب كامل لعوامل الردع العربية ،وتواطئ تام من المجتمع الدولي ،وتخاذل معيب من السلطة الفلسطينية .

إلا أن أمضى هذه الأسلحة وأكثرها فتكاً ،بالشعب الفلسطيني عامة وثورته المسلحة خاصة ،هو سلاح حرب الإشاعات والحرب النفسية ،التي ترمي إلى قتل روح النضال لدى الجماهير ،وشق الصف الوطني الفلسطيني ،والوقيعة بين الجماهير وبين طليعتها الثورية.

وميزة هذا السلاح المدمر أنه ،في الوقت الذي يلحق أكبر الضرر بالثورة وجماهيرها ،إلا أنه لا يرتد على العدو بالأذى على المستوى الإعلامي والإنساني والقانوني .

فهذا السلاح عادة ما تكون أدواته محلية ،وذخيرته بعض الساقطين الذين أوقع بهم العدو في شباكه ،فباعوا دينهم وأمتهم ،وكرامتهم ،ليشكلوا جيشاً سرياً للعدو ،ينخر جسد الثورة ،ويوهن من ثقة جماهيرها ويفت من عضد مناضليها.

ومن أساليب العدو التي يجب التنبه لها والعمل على مواجهتها ،بإيمان راسخ وعقيدة لاتتزعزع بحتمية النصر ،والقدرة على هزيمته:

1 – الإشاعة الكاذبة ،والتي يلجأ من خلالها العدو إلى إستخدام بعض ضعاف النفوس ،والعملاء ،لنشر الأكاذيب التي تطال الثورة ومجاهديها ،قادة وأفراداً ،لزعزعة ثقة الجماهير بقيادتها الثورية ،والتشكيل بصدق هذه القيادة ،وشجاعتها ،وإستعدادها للتضحية ،مستفيدة من بعض الحالات النشاز ،التي يجب أن تعمل الثورة على إقصائها ،وبترها حتى لاتكون سبباُ في إنفضاض الجماهير عنها. كما يجب على القيادة أن تمتن العلاقة مع الجماهير ،من خلال معايشتها لهمومها الحياتية،والإنحراط معها في نضالاتها اليومية ،وتصديها في مقدمة كل مواجهة مع العدو ،فأكتساب ثقة الجماهير لا يكون إلا بتحمل الأذى عنها ،والتضحية في سبيلها ،والتواجد دائماً في مواقع النضال المتقدمة ،تقود نضالهم ،وتعزز صمودهم ،تقدم التضحيات ،لا أن تقود وتوجه من الصفوف الخلفية ،مطمئنة إلى أمنها وسلامتها الذاتية ،وتاركة الجماهير تحمل عبئ النضال وتبعاته وحدها.ان تركيز العدو على الفساد المالي والأخلاقي في أوساط المسئولين والقادة ،والمبالغة في نشر الأخبار التي يختلط فيها الحق بالباطل ،عن مسلكيات بعض القادة والكوادر، يخلق حالة من الشك والريبة حول صدق مقاصد الثورة وقادتها ،وجدوى التضحيات التي تقدمها الجماهير من النفس والمال والولد ،إذا كانت ،نتيجتها ثراء غير مشروع ونفوذ ومكتسبات للبعض،في حين تبذل الجماهير الغالي والنفيس لتحقيق أهداف الثورة ،وضمان إنتصارها .

ولرد هذه الشبهات ،على الطليعة الثورية أن تتحلى بالطهر الثوري ،ونظافة اليد ،والتمسك قولاً وعملاً بأخلاق المناضلين الصادقين في كل مناحي حياتهم ،وأن يتعففوا عن أي كسب مادي أو معنوي قد يحولهم إلى طبقة إجتماعية متميزة ،فالثورة تضحية وفداء ،والقيادة شرف تخلعه الجماهير على من تثق بهم ،فتسلمهم زمام أمورها ،وتستطيب التضحية الإستشهاد تحت قيادتهم.

فلتحرص القيادة على إجتناب الشبهات ،ولنجعل من التجرد في العمل ،ونكران الذات وتحمل تضحيات النضال ،والبذل والعطاء دون من أو أذى ،مؤهلاً لهم للقيادة.

2 – الإعلام المعادي الموجه ،لتقويض إيمان الجماهير بحقها ،وقدرتها على الإنتصار ،من خلال نشر ثقافة مشوهة سواء في الصحافة المقروءة أو البرامج التليفزيونية أو الأفلام التي تركز على ثقافة الهزيمة والتي تمجد العدو ،وتبالغ في قوته ،وتركز على قدرته على إلحاق الهزيمة بعدة جيوش عربية مجتعة،فما بالك بشعب ضعيف يعوزه السلاح ،ولا يجد من أمته سنداً يشد أزره ويدعم نضاله.

إن سلاح الإعلام والحرب النفسية الموجة ضدنا لإحداث شرخ في قناعاتنا ،وقدرتنا على تحقيق الإنتصار على العدو ،تأخذ من العدو جهداً كبيراً ،يجند لها صحافته ،وصحافة حلفائه على إختلاف أنواعهم ،ويجند لها الأدب والشعر والفن والسينما ،حتى تكون جيشاً آخر موازياُ للجيش العسكري، يفوقه تأثيراُ وضرراُ ،وإن إختلفت أسلحة الجيشين.

وفي مواجهة هجوم الإعلام النفسي ،لابد من التوعية الدائمة بحقوقنا الوطنية ،وتعبئة الناشئة نفسياً وفكرياً حتى لايسهل تأثير إعلام العدو عليهم ،فلنا في موروثنا الديني من القرآن والسنة مايدعم ايماننا ،ويقوي عزائمنا ،فنحن مأمورون بتبين الحق من الباطل فيما نسمع أو نقرأ أو نشاهد ، “ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...” صدق الله العظيم ...
وعلى المدارس والمساجد والنوادي والإعلام عندنا أن يمارس دوره في تحصين الشباب من الوقوع في براثن عدو،يملك من قوة التأثير ،وتزييف الحقائق ،مالا نملك ... غير أن لنا في سنن الله في خلقه ووعده لنا بالنصر ،وتجارب الشعوب عبر التاريخ ،شاهد على ان النصر لأصحاب الحق ,ان قل عددهم وعدتهم “وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله” صدق الله العظيم.

3 – ومن وسائل التأثير في معنويات الجماهير وطليعتها الثورية ،الإعتقال المتكرر لسنوات طويلة للمناضلين ،وتعذيبهم ،ومنع الزيارة عنهم ،حتى تضعف عزائمهم ،فيكونوا بما يلاقوه في سجون العدو من معاناة، عبرة لغيرهم ممن اختار أن يجاهد رداً للعدوان ،وتحريراً للأوطان. ولعل هذا النوع من الحرب النفسية إلى جانب هدم المنازل وحرق الأشجار ،والإبعاد عن الوطن أقل أسلحة العدو تأثيراً في جماهيرنا ومجاهدينا ... فالأمثلة على الأمهات والأخوات التي ترافق تشييع شهادائها بالزغاريد ،دليل على أن العدو فشل في الحاق الهزيمة في قلوبنا وأرواحنا ،وإن كان حقق بعض الضرر الجسدي بالتعذيب أو القتل.

فنحن أمة تفخر بشهدائها ،وتعتبر الشهادة ،إحدى الحسنين ،وفي عقيدتنا ،أن هذه الأرض المباركة ،تستحق كل الدماء التي بذلت في سبيل تحريرها ،وحماية مقدساتها.

ولذلك،فان عقيدتنا الدينية ،وتربيتنا الوطنية ،تجعل هذا السلاح “وإن كان الأكثر مباشرة وتأثيراً مادياً” أقل أسلحة العدو تأثيرا في شعبنا ومقاومتنا.

4 – وفي جهده الخبيث لبث الفرقة وشق الصفوف ،يلجأ العدو عادة إلى خلق فتن طائفية أو مناطقية ... فينشر من خلال الجهلة المتطرفين أو العملاء المرتبطين مايفرق بين مكونات الشعب ،فهذا مسلم ،وذاك مسيحي ،وهذا مواطن وذاك لاجيء ,وهذا فلاح قروي وذاك مدني حضري ...

ونحن أمة أكرمها الله بالرسالات السماوية ،وجعلنا حملة كتبه للبشرية، وان التنوع الطائفي والمذهبي ،هو إثراء لحياتنا الثقافية ،والدينية ،فما يجمعنا أكثر وأهم مما نختلف فيه ،فنحن مسلمين ومسيحيين ،أصحاب هذه الأرض ،تحملنا أذى المحتل ،بالقتل والتهجير معاً ،وناضلنا ومازلنا معاً،ودفعنا ضريبة النضال دماً وبيوتاً ومزارع ومقدسات معاً ،مايؤكد وحدة الشعب وإستهدافه من العدو دون تفرقة في توزيع الأذى ،إلا فيما يخدم أحياناً ،خططه وحربه النفسية.

وفي الوقت الذي يجتهد فيه العالم ،للتلاقي على المشتركات ونبذ الخلافات ،فلا يجوز أن نشتت الشمل ،ونبعثر الصفوف في الإنجرار خلف مؤامرات العدو الهادفة إلى تمزيق وحدتنا ،حتى تصبح معاركنا بين انفسنا،بدل أن توجه كل طاقات الأمة وإمكاناتها لمحاربة العدو الغاصب ،واستعادة أرضنا ومقدساتنا ,وإنهاء الوجود السرطاني الصهيوني في منطقتنا العربية ،وفي القلب منها فلسطين.

هذه بعض أدوات العدو في مواجهة صمود شعبنا وتمسكه بحقوقه ،ووحدته الوطنية،ومؤازة ثورته وإنتفاضتة، علينا أن نعيها وندرس خباياها ،ونواجهها بمزيد من الصمود في مقاومة العدو والتمسك بثوابتنا الفلسطينية ،وفي تضامننا ووحدتنا الوطنية ،في ذات الوقت الذي نمارس فيه أعلى درجات الشفافية ،في محاسبة المسيئين ،واقصاء ومعاقبة الفاسدين،وأن نمارس المقاومة على جبهتين : مقاومة العدو وحرب الشعب طويلة الأمد بكل أدوات ووسائل القتال المتاحة لنا ،وعلى الجبهة الأخرى محاربة الفساد والفاسدين من خلال كشفهم ومحاكمتهم وإيقاع العقوبة عليهم. حسب القوانين والأنظمة المرعية.

إن إطمئنان المقاومة إلى جبهة داخلية، مؤمنة بأهداف الثورة وغاياتها،داعمة لها بالمال والنفس والولد،تتطلب- من القيادة - الى جانب الشجاعة والفروسية ونكران الذات والاستعداد الدائم لتقدم الصفوف في كل مواجهة،،،،أن تجعل من الشفافية والمحاسبة والإصلاح،اسلوب عمل وممارسة يومية ،وهذا شرط اساسي لتحقيق النصر ،ودحر المعتدي ورد كيد العدو الى نحره.....



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2182152

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع م.حلمي البلبيسي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2182152 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40