الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012

لماذا فقدت القضية الفلسطينية «مركزيتها وفعاليتها؟»

الجمعة 24 شباط (فبراير) 2012 par د. عصام نعمان

لولا خضر عدنان لما تمكّن العرب والمسلمون والعالم من الإحساس بنبض قضية فلسطين خلال الحياة اليومية . لا عمليات ساطعة للمقاومة، ولا مواقف حاسمة لمنظمة التحرير، ولا تدابير لافتة للسلطة الفلسطينية، ولا تنفيذ كاملاً للمصالحة، ولا توافق ظاهراً على اتفاق الدوحة، ولا تحركات مجزية في الأمم المتحدة .

صحيح أن الفضائيات والإذاعات ووكالات الأنباء تضجّ بأخبار الاجتماعات والزيارات والتصريحات المنسوبة إلى قادة المنظمة والسلطة والفصائل، لكننا نسمع جعجعة ولا نرى طِحْناً .

يكاد الفعل الملموس يقتصر على أفراد، لا على جماعات . خضر عدنان فرد، مستقل، قرر منفرداً من تلقاء نفسه وبإرادته الصلبة أن يُضرب عن الطعام طوال 66 يوماً ضد ظلم السلطة الصهيونية وعنصريتها، وأن ينتصر عليها بإكراهها على الإفراج عنه والامتناع عن تجديد الحكم الإداري بحقه .

الأفراد المناضلون يتمردون، يتحركون، يفعلون بقدر ما يستطيعون، أما الجماعات، من منظمة وسلطة وفصائل، فلا فعل ملموساً لافتاً لها في أي ميدان .

ثمة قصور فاضح لدى الجماعات، تنشغل بالسياسة وبالصراع على الصدارة والزعامة داخل البيت الفلسطيني، وتنسى أو تتناسى ما هو أهم وأبقى: المقاومة الفعلية المدنية والميدانية ضد العدو الصهيوني .

غير أنها ليست الملومة وحدها، جزء كبير من المسؤولية يقع على دول وقوى غربية وعربية . ذلك أن قضايا أخرى، عربية وإسلامية ودولية، ظلّلت القضية الفلسطينية وخطفت منها الأضواء وأفرغتها من فعاليتها وأفقدتها بالتالي مركزيتها في الحياة السياسة لدى عالم العرب وعالم الغرب .

مسار تظليل القضية الفلسطينية بدأ باتفاقات “كامب دايفيد” العام 1979 الذي أخرج مصر من حومة الصراع العربي- الصهيوني، ثم امتد إلى لبنان بحرب “إسرائيل” العدوانية عليه وعلى منظمة التحرير الفلسطينية العام ،1982 ما اضطر المنظمة إلى الانسحاب بقيادتها ومعظم فصائلها منه إلى عالم الشتات . وكان الصراع بين العراق وإيران قد اندلع حرباً ضروساً العام 1980 استمرت ثماني سنوات، قبل أن تفرز حرباً أخرى بين العراق والكويت العام ،1991 تطورت إلى حرب شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على العراق لإجلاء قواته عن الكويت، ولانتهاز “فرصة” الحرب من أجل تدمير إنسانه وعمرانه . وبعد زهاء عشر سنوات من الحصار والعقوبات الاقتصادية، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب على العراق العام ،2003 فكان أن دمرت ما تبقى من عمرانه، وشتت سكانه، وحلت دولته وجيشه ومؤسساته، وبذرت بذور تقسيمه إلى أقاليم ذات حكم ذاتي .

في هذه الأثناء كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يشنون حرباً ضارية داخل أفغانستان، امتدت إلى باكستان، واستولدت حرباً متعددة الساحات شنتها الولايات المتحدة على “الإرهاب”، وزاوجت، في ظل إدارة جورج بوش الابن، بينه وبين الإسلام، وامتدت بأذرعها الطويلة لتنال من حركات تحرير وتنظيمات مقاومة للاحتلال والاستغلال في بلدان عربية وآسيوية وإفريقية عدة .

رافق “الحرب على الإرهاب” وتماهى معها تصدي أمريكا وحلفائها لإيران وبرنامجها النووي بدعوى منعها من تطوير أسلحة نووية تهدد أمن “إسرائيل” وربما أمن دول الغرب الأطلسي . وانتهزت “إسرائيل” حمأة “الحرب على الإرهاب” والتصدي لإيران “النووية” لمحاولة ضرب المقاومة اللبنانية العام 2006 والمقاومة الفلسطينية في غزة العام 2008 2009 فاندحرت ورُدت على أعقابها في كِلتا الحربين .

في غمرة هذه الحروب والصراعات التي أنهكت النظام العربي الرسمي وأمعنت في ترهيله وانهياره، اندلعت انتفاضات شعبية في مطالع العام 2011 شملت ثلاثة أنظمة في المغرب العربي، ونظامين في وادي النيل، ونظامين في بلاد الشام، ونظامين في جزيرة العرب . هذه الانتفاضات المتعددة والمتناسلة مازالت مشتعلة وتؤلف بمجموعها مخاضاً عربياً يتناول مختلف جوانب الحياة العربية، كما تشير نتائجه المتتابعة إلى أنه سيكون طويلاً وعنيفاً وشاملاً .

غير أن الظاهرة اللافتة في هذه الانتفاضات والمخاض الناجم عنها، أن كلاً منها أضحى قضية قائمة بذاتها في البلد الذي قامت فيه ومازالت ناشطة . ثمة تسع قضايا اليوم في بلاد العرب تعتمل وتتفاعل وتتفاقم وتعدّها جماهيرها وقياداتها “قضايا مركزية” تتطلب اهتماماً وتركيزاً ورعاية عربية وإسلامية ودولية . وزاد الأمر تعقيداً أن الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي و”إسرائيل” تخوض صراعاً مريراً مع إيران لمنعها من تصنيع أسلحة نووية، ولا يستطيع أحد، بعد، أن يجزم بما إذا كان هذا الصراع سيتطور إلى حرب إقليمية أم يبقى مضبوطاً في حدوده الراهنة . أياً ما كان الأمر، فإن الثابت أن الصراع، بوضعه الراهن أو باحتمال تطوره إلى حرب إقليمية، عميق الاتصال بدول الجوار، ولاسيما منها الدول العربية، وأنه يفيض بتفاعلاته وتداعياته عليها وعلى العالم أجمع .

كل هذه الحروب والصراعات والانتفاضات والتداعيات تنعكس على القضية الفلسطينية وتسهم في تظليلها وتحديد فعاليتها وتقليص مركزيتها في حياة العرب والمسلمين .

كيف نستعيد للقضية الفلسطينية فعاليتها ومركزيتها، ومن أين نبدأ؟

نقطة الانطلاق هي في إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، بالمصالحة وتجديد القيادات في انتخابات حرة، وبإعادة تنظيم منظمة التحرير، وبالتركيز على نهج المقاومة المدنية والميدانية، ثم بالإطلال على عالم العرب والإسلام بقيادة موحدة وبسياسة واضحة، وبدعوة حارة إلى الوحدة وبمواجهة نظام الإمبريالية المعولمة .

عندما تستقيم الحال في الساحة الفلسطينية وتعاود الإشعاع مقاومةً وثقافةً مُقاوِمَة، تنتقل العدوى إلى سائر ساحات الأمة التي تعتمل فيها وتتفاعل انتفاضات الحرية والكرامة والنهضة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178750

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178750 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40