السبت 18 شباط (فبراير) 2012

نفحات ناصر

السبت 18 شباط (فبراير) 2012 par أمجد عرار

يثلج الصدر ويبعث على الارتياح وسط هذا الكم من التعب القومي أن نرى مركزاً ينظّم ندوة عن ثورة يوليو ودورها، حتى وإن تخصصت الندوة بالأفق الإفريقي لتلك الثورة العظيمة، ذلك بأن الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ورفاقه في قيادة الثورة أدركوا مبكراً أهمية العمق الاستراتيجي للقارة السمراء، وحجم الأطماع الاستعمارية فيها، لاستخدامها منطلقاً للسيطرة والنفوذ ولاحتوائها مخزوناً هائلاً من المواد الخام، ولكونها سوقاً هائلاً من المستهلكين . ويعرف قادة الثورة كيف أفقرت الدول الاستعمارية قارة إفريقيا بعد أن امتصّت رحيقها واستعبدت أبناءها .

ومع أن عبدالناصر كان مؤمناً بأهمية الدور الإقليمي المصري في إفريقيا وعزز إيمانه ذاك ببرامج وخطوات تعبوية تصدت مبكّراً لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كان يمتد من إثيوبيا حتى باكستان في مواجهة المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي في ذلك الحين، وليست خارطة الأطماع في الوقت الحاضر تختلف كثيراً وإن تغيّرت أسماء بعض الدول .

ليس المؤرّخون وحدهم، بل الناس العاديون الذين عاصروا تلك الحقبة، يعرفون أن ثورة يوليو احتضنت زعماء الحركات التحررية وأمدتهم بالمال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي، ليس في إفريقيا فقط حيث حصلت عشرات الدول على استقلالها بدعم مصري فاعل، إنما في آسيا أيضاً، حيث حظيت حركات ثورية عديدة برعاية الثورة واحتضنت مصر عشرات الدورات العسكرية التي خرّجت مناضلين ثوريين أضافوا لقضاياهم ثمار ذلك الدعم، ولا حاجة للتذكير أن في مقدم تلك الحركات كانت الثورة الفلسطينية التي قال فيها عبدالناصر إنها خلقت لتبقى وتنتصر .

يحدّث صديق كثير التجوال لدواعي العمل، أنه حين دخل فندقاً في براغ فوجئ بصورة ضخمة لعبدالناصر على الجدار في باحة الاستقبال، وعندما استفسر من أحد الموظفين طالباً ترجمة الكلام المدون على الصورة، قرأ له الموظّف ما يفيد بأن إدارة الفندق تفتخر بأن الزعيم الخالد جمال عبدالناصر نزل في الفندق . ويضيف الصديق إنه عرف حينها كيف أن ناصر كان يستقبل في دولة مثل يوغوسلافيا وكأنه هو زعيمها، حيث تصطف الجماهير على جوانب الشوارع مرحبة هاتفة لرفيق تيتو ونهرو في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز .

لم تكن الدول الغربية الاستعمارية لتضع عبدالناصر تحديداً في رأسها وتحاول محاصرته بالضغوط السياسية وصولاً للعدوان العسكري وبمواكبة إعلامية ظالمة ومتجنّية، ذيولها مستمرة إلى اليوم، لم تكن تلك الدول لتفعل ذلك لولا الدور الفاعل والمؤثر الذي اضطلعت به ثورة يوليو والكاريزما التي تمتّع بها القائد الخالد ودوره الريادي في مجابهة المخططات الاستعمارية التي تستهدف القومية العربية واستقلال الدول العربية، والإنجازات الداخلية العظيمة التي تميزت بها تلك الحقبة في مصر، وصرح الكرامة الذي أنشأه عبدالناصر، تلك الكرامة التي تجعلنا نفتقده لأننا نفتقدها .

نفتقد عبدالناصر اليوم ويجب أن ننتصر له وندافع عنه ونحميه من أولئك الذين ينبشون سيرته ويعملون بها خناجر التجريح والغدر والتشويه، ظانين بذلك أنهم يستطيعون تمرير المشاريع المشبوهة . إن تلك المحاولات التي رافقت مسيرته الثورية النظيفة، لم تتوقّف رغم مرور أربعة عقود على رحيله الجسدي، وقد تتصاعد في هذه الأيام حتى لا تستلهم مصر روحه ونفحاته الثورية في استعادة دورها ومكانتها القيادية عربياً وإقليمياً، ونأمل من أبناء مصر الأوفياء أن يبقوا يقظين وأن يحموا ضريحه، فقد تسوّل للبعض نفسه أن يعتدي عليه في زمن الردّة هذا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165504

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165504 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010