الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012

الثورات العربية : بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..!

الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012 par عمر ياسين

عندما تكون المنطقة العربية والإسلامية ومجمل الاقليم في عين العاصفة، وعندما تتلاحق التغييرات الدراماتيكية غير المعتادة لتأخذ منحنيات وأشكال متعددة وتنفتح على إرهاصات العقدة المقصودة المختفية، والتباسها بمشاهد يبدو بعضها جاذبا ليغطي على هذه العقدة المضمرة، لا بد من محاولة قراءة واضحة لكل المشهد بعناية وإجلاء عناصر الشرك والفخاخ من عناصر الثمار المقبولة، تقدم الموقف سلسلة من حلقات يستعرض فيها الاستاذ عمر ياسين محاولة قراءة عسى أن تستجلب محاولات مصاحبة تشكّل جهداً مانعا للمخاطر على هذه المنطقة ومعززا لفرص نهوضها....

الحلقة الأولى

كان علينا أن نتريث قليلا ، حين أبدت قوى التحالف الغربي ، دعمها لمكونات الشعب اللبيبي في ثورته على نظام العقيد ، وأن نتبصر قليلا في تتبع مثل هذا التوافق والزخم الذي أعطي لهذه الحركة في بعديها – المحلي والخارجي – وأن نتتبع مسار المتغيرات الحادثة ميدانيا في كل مفصل منها ، لنرى حقيقة ما يفعله هذا الغرب ويريده على الساحة الليبية.

ولو كنا فعلنا هذا في حينه ، لما وقعنا في اشكالية المعرفة التي غابت عن بصائر بعضنا ، ومن جملة هذا البعض طبعاً (النظام السوري) وهو ما سيقدم عليه الغرب وحلفاءه من خطوات لاحقه بتكرار ما قام به في ليبيا على الساحة السورية ، وإلى أي مدىً سيجترح من المواقف و الأدوات والاتجاهات في مواجهة حركات التغيير في الأمة.

لكننا نعترف بأن المفاجئة التي أحدثتها الانتفاضة الشعبية في تونس ، وهروب بن علي في الأيام الأولى ، والانتصار الشعبي الذي تحقق ، غمر وجداننا بالأمل بأن صحوة جزء من شعبنا العربي سينجز صحوات أخرى قادمة طال انتظارنا لها ، ولم يخب أملنا ، فقد قام شباب مصر بعفوية عذرية بحراكهم المدهش في تكوين النواة التي من حولها تفجر غضب الشعب المصري الذي طال صبره.

ووقع العالم –عامةً- في دهشة وحيره حين تنحى الفرعون واعتزل رغم أنفه ، وهذان الحدثان ودلالتيهما - في تونس ومصر - ألقيا في روعنا بأن كل حراك لاحقٍ في أي بقعة عربية سيأتي أُكله بمثل ما تحقق في البلدين النموذجين ، فلم نستقرأ ما تلاهما جيداً ، وكأن أمتنا منعزلة عن العالم المحيط ، أو أن الغير الذي صنع لنا واقعنا في ماضينا القريب ، وشكلّه بحسب ما أراده لنا أن يكون ، سيقف متفرجاً – على الأقل – ونحن نطيح بالبنيان الذي عليه أقام مصالحه في المنطقة ، أو أنه كان سيخضع لإرادة شعوبنا في التغيير والحرية واختيار المستقبل.

وغفلنا عن أنه ما زال يملك من قوى التحكم والأدوات والسيطرة الكثير ، ومعظمها كان خفياً على بعضنا ، أو لم يولها الاهتمام اللازم ، وأن هذه القوى والأدوات هي جزء من واقعنا و مكوناتنا – سياساً واجتماعياً و ثقافياً – وأنه يملك أيضاً هيمنةً شبه كاملة على السياسات العالمية ومكوناته الاقتصادية والعسكرية ، وبأنه سيعمل من خلال هذا الاقتدار على اسقاط أو لجم أو تحويل المسار الشعبي العربي عن وجهته وأهدافه ما استطاع ذلك.

أإحباطاً للهمم هذا الذي نقول ، أم تشاؤم طغى على أنفسنا من حالٍ طال اعتيادنا عليه ، أم هي أقدارنا التي قيل لنا بأنّا لا نملك فكاكا منها كما أوحيت إلينا و أُوِلَتْ بلبوسٍ ديني.

قطعاً هي ليست كذلك في وجداننا ، فقادة أمتنا هم من أراد لنا هذا ، وهم (وشركاؤهم الآخرون) في الغرب من صنعوا لنا هذا الواقع وفرضوه علينا باستبدادهم وظلمهم واستئثارهم بكل مقدرات الأمة ، في سبيل بقائهم ومتعهم ، وهم من جعل من عقيدتنا قيوداً كبلونا بها فأدمتنا أجسادا وعقولا وأروحا.

هذا ما كان علينا أن نستقرأه ونبادر من فورنا إلى تصعيد التصدي له وتعميمه في كل الساحات العربية ، ومقاومته بكل ما نملك ، وعلى أرضية ساحة الصراع ذاتها الواقعة في عين الحدث – لا بمتابعة أخبارها عن بعد والدعاء لها بالنصر.

أولم يكن ما حدث بدءاً من تونس وليس نهايةً بما يحدث في سوريا الآن – ايجابا أو سلبا – هي لحظاتٌ مفصلية في تاريخنا ، وهل سنخطئ في استقرائها والتعاطي معها بعد أن حلّ مخاضها و آن زمن ولادتها .

فلم لا نعيد قراءة ما حدث و يحدث مرة أخرى ، علّنا نكشف غطاءً أو نلتقط طرفاً أو نتحرز مما يراد لنا أن نوغل فيه فيُسقطنا ، علماً بأن أحدنا لن يأتي بجديد في تفسير عموميات ما حدث ويقع ، لكننا حتماً سنلتقي على رصد ومعرفة أبعاد ما يريده الآخر وتوقعِ حركتهِ المقبله ، وما يترتب علينا أن نقوم به نحن لمواصلة حراكنا وتجذيره وتعميمه وصولا لأهداف محددة تجمعنا وسبلٍ واضحة للوصول إليها.

ولذا فمن حقنا ان نتساءل عن سر هذا الموقف الاميركي والغربي عموما ، الذي تبديه القوى الغربيه حيال صعود الحركات والتيارات الاسلامية الى واجهة الحدث في البلدان العربية التي حظيت بمسمى ما اتفق عليه بالربيع العربي , وهل اللقاء والحوار بين هذه الحركات والتيارات والقوى الغربية هو من اجل استطلاع مواقف هذه القوى وتوجهاتها في القابل من الايام بعد وصولها للحكم , أو في تعاطيها مع المتغيرات الناشئة على الساحة العربية في ربيعها الموعود , وكذلك عن طبيعة العلاقة التي ستعتمدها هذه الحركات في التعامل مع الاخر عموما , وما هو موقفها من القضايا الساخنة في المنطقة قديمها وحديثها...

لم تكن القوى الغربية يوما مع الشعوب العربية والاسلامية في سعيها لتحقيق طموحها في الاستقلال والحرية والعداله, ولم تقدم يوما على دعم القرارات الاممية التي صدرت عن المجالس والجمعيات والهيئات الدولية منذ ستين عاما والتي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في وطنه واستقلاله , الذي لم يكن باستطاعة شذاذ الافاق ان يستوطنوه لولا الدعم والحماية التي حظي بها هؤلاء من هذه القوى نفسها ، التي تدعي الآن وقوفقها إلى جانب إرادتنا بتحقيق أهدافنا وآمالنا في التغيير.
أو ليست هي القوى ذاتها التي تتصدى لكل قرار يشير الى وجود شعب اقتلع من ارضه ، وبأن له كامل الحقوق الانسانية والشرعية والاخلاقية التي كفلتها له شرعة الامم لاسترداد هويته وارادته في تقرير مصيره.

اليست هي القوى ذاتها التي يتبارى كافة زعماؤها الجدد في كل مرحلة قبل واثناء كل عملية انتخابية للوصول الى سدّة الحكم في اوطانهم بالتأكيد على امن« اسرائيل» وحمايتها وضمان تفوقها على كافة الدول العربية مجتمعة ,وكأن هذا العهد والوعد ، هو جواز المرور لكل منهم لتسلم سدّة الرئاسة في بلده... ؟

او ليست مواقف هذه الدول الداعمة لانظمة الحكم العربية الاستبدادية هي التي ضمنت بقاءها في الحكم اجيالا متعاقبة ,وتوافقت معها على تبادل المنافع والمحاصصة ، جراء هذا الدعم القائم على احباط ارادة الشعب وسلخه عن هويته العربية خصوصا والاسلامية عموما , وتكبيله باتفاقات دولية واقليمية هدفها الرئيس ، فرض وجود العدو« الاسرائيلي» في قلب الامة وتدجينها بتطبيع العلاقات معه يوما بعد يوم وعاما اثر عام , ليصبح بعد حين حليفا للبعض منّا في مواجهة بعضنا الاخر, وقد اصبح كذلك؟ فكيف لنا ان نعقل اليوم بأن هذا الغرب يقف الى جانب شعوبنا العربية في تحقيق الحرية والعداله والاستقلال , و بناء مستقبلها ويحقق آمالها في العودة الى تأكيد حضورها بين الامم كقوة فاعله ومؤثرة اعتمادا على ما تملك من طاقة بشرية وثروات هائلة يعتمد عليها هذا الغرب وغيره في استمرار حضارته وهيمنته الاقتصادية على العالم ...!

حقاً ، إن هي إلا اضغاث احلام يستكين لها من تَبلّد ذهنه وغاب عقله ، وعلينا الان أن نستغرق في احلامنا الموعودة التي بدأت تطل علينا من الغرب (الحليف).

أو أن يد الصداقة التي يمدها لنا عبر الحركات والتيارات الاسلامية في هذا الربيع العربي , ان هي إلا هدي سماوي انعم الله به علينا وعليهم ، وصحوة ضمير أتت بعد غياب ، لترسم افاقا جديدة للعلاقة بيننا وبينهم على اساس من المساواة واحترام الارادة والسيادة , وفوق هذا وذاك ، ضمان احقاق الحق لاهله من كلا الطرفين .

فهل نقف عند هذا الحد من التساؤلات والاحلام , ام نحاول ان نلتقط بعضا من اهداف مؤامرة جديدة , بدأهذا الغرب الصديق يحكيها لنا منذ امد , وقد حان الحين لان يوقعنا في حبائلها , ردا على ثورة المستضعفين في الارض على حكامهم واسيادهم في الغرب الصديق , والتي آتت أُكلها في بعض هذه الثورات.

فهل نغفل او نتناسى ما صرح به الرئيس الامريكي (بوش الابن) اثر وقوع حدث برج التجارة العالمي , واعتباره ان الارهاب (الاسلامي) هو العدو الاول للحضارة الغربية , وتناسى بأن الفئة التي قامت بهذا العمل كانت صنيعته في زمنٍ ما , كما تجاوز عن ان هذه الفئة كانت ترفع شعارات وطنية ودينية من منطق عقيدتها التي ترفض الظلم والهيمنة والسيطرة على جزءٍ من أرض أمتها ومقدراتها أثناء احتضانه لها.

فالفعل في نظر هذا الرئيس ومعه الغرب عموما - إن وقع من فئة مستضعفه – فهو جريمة نكراء يجب ان تعاقب عليها الامة بأسرها التي ينتمي لعقيدتها هؤلاء , اما الاسباب المكونة والدافعة لهذا الفعل فلا يلتفت اليها الغرب او يلقي لها بالا.
اما التساؤل الثاني فيتمثل في غزو العراق وتدميره وقتل وتشريد الملايين من شعبه , واعادته عقوداً الى الوراء , كما اعلن هذا( وزير الخارجية الامريكية) قبل الغزو , والحجة المبررة لهذا الغزو الأممي ، هي امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل ، مما يهدد الامن والسلم العالمي , وارتباط نظامه بالارهاب الاسلامي ممثلا في تنظيم القاعدة ، وكلا الحجتين المعتمدتين كأساس بني عليها تبرير الغزو , وقد ثبت للعالم كله عدم صدقيتها وبطلانها بعد انتهاء الغزو.

والنتيجة : هي أن اصبح العراق قفراً من البنية التحتية الضرورية لاستمرار حياة شعبه بعد سنوات عشر على وقوع الغزو ، ولم تزل آثار استخدام – زعيمة التحالف – للأسلحة المحرمة دولياً في غزوها (اليورانيوم المخصب مثالاً) تفعل فعلها موتاً وتشويهاً في الأحياء ومن يولدون حديثاً على أرضه ، كما ترصده وتؤكده الهيئات الطبية ومنظمات حقوق الانسان دون تحديدٍ لزمن خلو العراق من أثر هذا السلاح المميت.

أما النتيجة الثانية فهي تفتيت وحدة هذا البلد العربي واثارة النزاعات المذهبية والطائفية بين ابنائه ، وما نتج وينتج عن هذه الفتن في كل يوم من دماء وأحقاد ودمار يتمدد في عموم ساحات الوطن .

وقد تحققت الأهداف الغربية من غزو العراق وتمثلت في تفتيت وحدته أرضاً وشعباً وتدمير حضارته واقتصاده والسيطرة على ثرواته واغتيال نخبة علمائه ، واعتماد أرضه كقاعدة عسكرية إضافية لضمان استمرار مقاصده من الغزو وانطلاقاً منه لتحقيق أهداف أخرى في الاقليم عموماً حان وقتها وقطف ثمارها .

والآن: ماذا يريد الغرب في اليمن ، ومن شعبه الذي جاوز العشرين مليوناً ، والذي لا يكاد يذكر الا حين يرى الغرب اتهامه بأنه يشكل ملاذاً آمناً للإرهاب (الاسلامي) الذي يهدد مصالحه وأمن المنطقة - كما يراها هو - أو حين يقرر جمع المنح لنظامه (وهي في معظمها خليجية) ليبقيه مقتدراً على استبداده و استئثاره بالسلطة.

ونتساءل : أوليس للشعب اليمني مطالب حقه يسعى لتحقيقها ، تتمثل في ازاحة الظلم والفساد والاستبداد والتجهيل والذي رزح تحت وطأتها أكثر من ثلاثين عاماً .

اوليس من حقه هذا الشعب – وكل شعب آخر - ان يحيا حياة كريمة يسودها العدل والمساواة بين ابنائه وان يحكم نفسه دون احتكار السلطة لصالح فئة بعينها تتوارث الحكم جيلاً بعد جيل ، وأن ينعم بثروات وطنه ويأمن على نفسه وأرزاقه.
أوليست القبيلة مازالت هي المكون الأساس للوطن ، وأن ولاء أفرادها ( أولاً وعاشراً ) هو للقبيلة دون الوطن، وأنها لازالت تقاد ويطحن أفرادها بقرار من (شيخها) ، الذي قد تتعارض مصالحهُ مع مصالح بقية مكونات الشعب ، فلم لم يقف الغرب المتحضر والحريص على انسانية الانسان وحقوقه المشروعه - كما يدّعي - مع مطالب الشعب اليمني ، أم أن مصالحه تكمن في بقاء الحال على ما هو عليه في هذا البلد.. وهي كثيرة طبعاً .

ونرى أن أولى مصالحهُ ، تتمثل في السيطرة على مضيق باب المندب الذي يربط المحيط الهندي ببحر العرب ومن ثم إلى البحر الأحمر وصولاً إلى المتوسط ، وما يشكله هذا المضيق من موقع استراتيجي عالمي ، وتنبع اهميته أيضاً كونه المنفذ البحري الجنوبي لاسرائيل على العالم ..

وثاني هذه المصالح أن الأساطيل البحرية ستحتاج إلى قاعدة برية أخرى في المنطقة لضمان سيطرتها على الممر لتدعم وتحمي قوتها البحرية الآتية من المحيط الهندي وستجد في أرض اليمن ضالتها من بين خيارات أخرى.

أما ثالثها فإن الدول المحيطة باليمن ترفض وتعيق قيام نظام يستند إلى الشعب ويلبي طلباته ويقر تداول السلطة بين مكوناته ، والذي سيكون في حال نجاحه مثالاً يحتذى في محيطه الخليجي والذي هو في مجمله يدور في الفلك الأمريكي تحديداً و الغربي عموماً .

هذا بالإضافة إلى التهديد المتمثل في وجود البؤرة الحوثية (الزيدية) المتمردة والمقاتلة ، الواقعة على الحدود الجنوبية للمملكة السعودية ، والتي خاضت حتى الآن ستة حروبٍ مع النظام اليمني ، شاركت – المملكة - في آخرها بفاعلية قتالية هامة ، مع ملاحظة أن قوى النظامين لم تحقق في هذه المعركة نصراً على الحوثيين.

وتأتي سوريا الواقعة في عين العاصفة ، حيث ترى أمريكا وكذلك الحلفاء من العرب ، بأن سوريا تشكل المصدر الرئيس في استقطاب ودعم قوى الممانعة الثورية التي اثبتت فاعليتها ومقدرتها في المواجهة مع العدو الصهيوني ، إضافةً إلى كشف عِري بعض الأنظمة العربية وسقوط ارادتها المستقلة التي اصبحت ملحقة تماماً بالإرادة الأمريكية ومخططتها في المنطقة.

وتأتي أهمية الدور السوري في الاصرار على تمسك النظام بالدور المستقل الذي ارتضاه لنفسه ، ورفضه المساومه على ارتباطه بالمقاومين اللبنانيين والفلسطينيين ، إضافة إلى علاقاته الاستراتيجية بايران، وقد رأت القوى الغربية والعربية المتحالفة معها بأن سقوط النظام – وما يمثله في معادلة الشرق الأوسط ، خلال العقود الماضية المنصرمة من تأثير واستقطاب في الساحة العربية على مصالح الغرب عموما واسرائيل خصوصا لا يعوضه إلا اسقاط رأس نظام الممانعة خاصة وأن قواه وحلفاؤه في لبنان وفلسطين يحكمون طوقاً حول العدو ، فإذا ما شاركت قواها مجتمعة في مواجهة الكيان الصهيوني - سواء أكانت هذه القوى الثلاث وحدها – بين العرب - في المواجهة أو شاركتها ايران في القتال المباشر أو الدعم المؤثر ، فإنها ستصيب مقتلاً من العدو ، وفي أضعف الاحتمالات ستبقيه عاجزاً عن القيام بدوره المؤثر في اختراق المنطقة وتطويعها بما يخدم اهدافه الخاصة والاهداف الغربية المتقاطعة معه.

ويتضح لنا بأنا نقترب الآن من هدفين أساسيين أخريين لهذا التحالف الجامع.

الهدف الأول – القديم الجديد – هو النظام الايراني ، و اصراره على الدخول إلى النادي النووي العالمي ، كحق مشروع له يمثل سيادته على أرضه وحضوره الفاعل والمؤثر على الساحة الدولية ، ويعلم الغرب وحلفاؤه العرب بأن النظام الايراني لن يتراجع عن هذا الهدف - كما هو واضح حتى الآن – وبأن سياسته المعلنة تشمل رفض وجود اسرائيل بين كيانات المنطقة ، وهو بموقفه هذا بات يشكل تهديداً جدياً لأسس الوجود الغربي في المنطقة – ولحليفته اسرائيل – وبرغم الاعلان الايراني عن هذا الهدف في أكثر من مناسبة ، إلا أن أحداً من الكيانات العربية ، لم يرى في هذا خيراً له ولأمته الذي طال سباتها وخضوعها المذل للغرب المسيطر على مقدراتها ومستقبل أجيالها – بل أنها رأت في هذا الغرب أمناً واستقراراً لأنظمتها ، وبأن حضوره الدائم في المنطقة يعني استمرار بقائها –ولذا كان لزاماً عليها أن تشاركه الفعل والأهداف غير آبهةٍ لوجود اسرائيل في هذا التحالف والذي يمثل فيما يمثل الأهداف الاسرائيلية في البقاء والسيطرة على المنطقة ، ليس من موقع الشريك فقط بل من موقع القيادة أيضاً ....

الهدف الثاني : وليتخذ الصراع بين الأطراف المحليه والاقليميه بعده الأقصى في فاعليته وديمومته ، كان لابد من اضافة البعد الديني لأسبابه حتى يستنفذ الصراع كل جهود الأمة ومقدراتها وأنفسها ، ويستغرق مستقبلها لقرون طويلة ، بحيث يصبح الدين بكل مذاهبه في نظر الأجيال القادمة سبباً لتخلف الأمة وسقوطها وتشرذمها في ( نحل وملل ) ، ولا يتوهمن أحد بأنه قادر على اقتلاع الآخر ونفيه من الملة والتاريخ.

لذلك أوحي إلى (الحلفاء العرب) أن ايران الشيعية المذهب ، باتت تشكل الخطر الأعظم على الدين الإسلامي الحنيف ، وتكاد تذهب به وتذروه مع الرياح ، مستنهضة عوامل الخلاف القائم والقديم بين رؤى المذاهب الاسلامية المتعددة ، وما وقع بينها من فتن في القرون الأولى من تاريخ الدولة الإسلامية ، لاستثمارها في الاعداد النفسي والعقيدي لشعوب المنطقة لتكون اداة طيعة في التوجيهِ التضحية في مواجهة الأخر ( شقيقهُ في الدين )، وهذا ما تفسره الهجمات الشرسة المتبادلة التي وقعت بين البعض من الطرفين في الأعوام الثلاثة المنصرمة.

والمتابع المدقق لهذا البعض ، يجد أن من قاموا بهذه الفتن لا يمثلون هرمية معتبرة في هذه المذاهب ، ولا من علمائها المعتبرين ، وأن بعض مثيري هذه الفتنة من المذهب الإمامي لاذوا بالغرب حماية لانفسهم ، ونستدل على رفض مجتهدي الإمامية لهذه الأراجيف وتحريمها ، بما أصدره المرجع الأعلى في المذهب ، الامام (علي الخامنيئى) بفتوى صريحة و واضحة تحرم القول بكل ما يمس صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأزواجه وبأن من أثاروها ليسوا من الدين في شيء.

وعلينا ألا ننكر بأن ما جرى على ألسنة بعض هؤلاء المرجفين ومثيري الفتن ليس وليد الساعة ، بل أننا نجد امتداداً له بعيداً في التاريخ قال به المغالون وتناقله عنهم غيرهم ، ومن كتبوا في الفرق الإسلامية ، وليس هذا هو الوقت والحين ، الأنسب حالاً ، أو وقتاً للنبشِ والحفر فيما يتداوله هؤلاء وأولئك ، وأن علينا أن نرقب بحذرٍ أحابيل الفضائيات التي تدعو للفتنة من كلا الطرفين والتي لا تألوا جهداً في النبش في خفايا التاريخ لالتقاط أقوال الغلاة وتسليط الأضواء عليها باعتبارها الأسس الاعتقادية التي يقوم عليها كل مذهب.

ونرى أن من واجبنا الديني - بأي مذهبٍ تعبدنا لله به - خاصة والانساني عامة أن نفتش عمن يقف وراء هؤلاء وتلك الفضائيات ، وعن أي أطرافٍ اخرى تخدم هذه الفتنة وأغراضها ،لنفشل سعيهم ، ونرد كيدهم ،ومادام سلوك وممارسة هذه الأطراف المعادية للأمة والدين وما تحقق وتراكم من أهداف لها حتى اليوم ، يشهد به الواقع القائم ، فإن الهدف الرئيس الذي تسعى إليه لتتوج به أهدافها ، يتبدى لنا في الهيمنة المطلقة على المنطقة والاقليم معاً ، ولِتُدخِلَ الأمتين العربية والاسلامية معاً في متاهة من العداء والاحتراب وسفك الدماء لا نهاية لها ، ولن يمحو عارها الدهر على العرب والمسلمين في كل مكان ، وسيصاب الاسلام بثلمة وفتق تصيب فيه الأصول و الفروع ، يعيش ضنكها و بأسها واحترابها المعاصرين من الفئتين ، وسيورثون الأجيال المقبلة أحقاداً و دماءاً وفرقة تودي بهم إلى التياث الظُلَم عليهم والخلط في دينهم ومقاصد شريعتهم.

فهل هذا ما أمر الله به ، وما نريده لديننا وأنفسنا وللأجيال القادمة من الأمة.

أرجو الله ألا نفعل ، وأن نتكاثف ونتحاور ، ويُدلي كلٍ منّا برأيه فيما نختلف فيه بكل جدية وأمانة ، نابذين مسببات الاختلاف المذهبية ، لنتحاور عليها و نتداول الرأي فيها وصولاً إلى جمع الكلمة والوحدة الاسلامية ، مقصين في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة ما يؤدي إلى فرقتنا إلى حين اجتياز المحنة ، في سبيل السلامة و الأمان لديننا وأنفسنا ، إنه على كل شيء قدير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2181816

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عمر ياسين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181816 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40