الجمعة 27 كانون الثاني (يناير) 2012

التيار القومي العربي، الواقع والتحديات

الجمعة 27 كانون الثاني (يناير) 2012 par عوني فرسخ

حققت أحزاب الإسلام السياسي فوزاً مشهوداً في انتخابات تونس والمغرب ومصر، في مقابل محدودية فوز الأحزاب ذات التوجه القومي العربي: المؤتمر من أجل الجمهورية في تونس، والاتحاد الاشتراكي في المغرب، والكرامة وبقية التنظيمات الناصرية في مصر . وفي التعقيب على تفوق الأولين ذهب بعض المحللين السياسيين إلى القول إن من أسباب تفوقهم أخطاء القوميين وقصورهم وافتقادهم القدرة على استقطاب الجماهير الشعبية . وليس من شك في أن الانتخابات في الأقطار الثلاثة لم تتميز فقط بالقدر العالي من النزاهة، وإنما أيضاً بتحرر إرادة الناخب من المعوقات التي كانت تحول دون ممارسته حقه الانتخابي بحرية تامة . وكلا الأمرين من بعض إنجازات شباب وصبايا الربيع العربي أصحاب الدور الأول في الانتفاض ضد أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية التي غلبت على الحياة السياسية العربية خلال العقود الأربعة الماضية . والسؤال الذي يستدعيه ما ذهب إليه أولئك المحللون السياسيون: ماذا عن واقع التيار القومي العربي واحتمالاته المستقبلية؟

وفي الإجابة ألاحظ بداية أن نتائج الانتخابات، النيابية وغير النيابية، في الوطن العربي والعالم، إنما تعكس ما يحوزه المرشح، من أوراق مؤثرة في جمهور الناخبين . إلا أن النتائج ما كانت يوماً المعيار الوحيد في ميزان القدرات والأدوار السياسية والاجتماعية، لاسيما وقد غدا للمال السياسي والحاضنة الإقليمية دور مؤثر في الانتخابات العربية . بدليل أن ائتلاف شباب ثورة 25 يناير/ كانون ثاني صاحب المبادرة التاريخية لم يفز إلا بسبعة مقاعد، تعادل 4 .1% من مقاعد البرلمان المصري البالغة 498 مقعداً . فيما هم يملكون ناصية الحراك الشعبي في ميدان التحرير ومعظم ميادين وشوارع مدن مصر، وهم القوة الرئيسة في الضغط على “المجلس العسكري” لتصويب مسار الثورة، كما في التصدي لقوى الثورة المضادة المحلية والإقليمية والدولية . ويبدو جلياً استعداد أغلبيتهم مواصلة دورهم القيادي في الحراك الشعبي لإنجاز مهام الثورة والتقدم على طريق تحقيق الطموحات الشعبية في غد عربي أفضل .

وإذا كان الكثيرون على مدى العالم قد فوجئوا بمبادرات شباب وصبايا الربيع العربي، فإن العليم بحقائق التاريخ العربي لم يفاجأ بإبداعهم على أهميته وعظمته، والذي ما كان سوى واحدة من انتفاضات أمة غنية المورث الحضاري، طالما فاجأت الغزاة الأجانب والمستبدين المحليين بما لم يتوقعوه . وحسبي التذكير بانتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987 التي أحدثت نقلة نوعية في الصراع العربي الصهيوني بأن جعلت من أرض فلسطين المحتلة مسرح الصراع الأساسي مع عدو قامت استراتيجيته على نقل عدوانه إلى جواره العربي . فضلاً عن أنها أسهمت في إسقاط أسطورة “أرضك يا “إسرائيل” من الفرات إلى النيل”، وفضحت أبعاد العنصرية الصهيونية وعجز آلة قمعها عن قهر إرادة فتيان وفتيات شعب تمرس في الصعاب ولم تنل منه الصعاب .

وكان نخبة من المفكرين والنشطاء السياسيين أصحاب التوجه القومي قد أسسوا في بيروت، أواخر سبعينات القرن الماضي “مركز دراسات الوحدة العربية” بتمويل أهلي عربي، ليتخذوا منه منبراً لندوات وحوارات ديمقراطية ومستودع أفكار عربية، أسهم فيها مفكرون ومبدعون من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري العربي: قوميون وإسلاميون وليبراليون وماركسيون . باعتبار الجميع شركاء مسيرة ومصير، والتناقضات فيما بينهم مهما عظمت، تناقضات ثانوية . فيما تناقضهم العدائي مع قوى الاستعمار والإمبريالية وأداتها الصهيونية التي تستهدف الجميع . ومن خلال الحوار الديمقراطي الواسع والعميق التقى كل من المؤتمر القومي الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، مع المؤتمر القومي العربي، على تبني الأهداف القومية الستة في التحرر والاستقلال، والوحدة العربية، والديمقراطية، والتنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والتجدد الحضاري .

والديمقراطية بالتالي هدف من ستة أهداف قومية، والتقدم على طريق تحقيقها في أي من أقطار جامعة الدول العربية إنجاز قومي، بقدر ما هو إنجاز وطني لشعب القطر المعني . ذلك أن الديمقراطية في أي قطر عربي تفسح المجال الأوسع لحراك شعبي على طريق تحقيق بقية الأهداف الستة، ومواجهة ما يستجد وطنياً وقومياً من تحديات . فضلاً عن أن القوى السياسية في كل من تونس والمغرب ومصر تواجه مخاضاً عسيراً لاستكمال البنى الديمقراطية بتأصيل حقوق المواطنة، وتأكيد الالتزام بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين من الجنسين . وإرساء قواعد المؤسسات الدستورية للدولة المدنية المواكبة للعصر، وتذليل العقبات التي تعيق حرية الحوار وتداول السلطة . فضلاً عما هو مطلوب لتوفير المنعة ضد المداخلات الخارجية الدولية والإقليمية، والعمل وصولاً إلى تنمية مستدامة غير ممكنة التحقق في واقع التجزئة، وإنما بالتوجه الصادق للتكامل القومي والعدالة الاجتماعية، وجسر الهوة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، الدرع الواقية من التفجرات الاجتماعية التي تلوح نذرها في أكثر من قطر عربي، خاصة الأقطار الثلاثة تونس والمغرب ومصر .

وصحيح أن من هم في موقع صناعة القرار والمشاركة في صناعته الأكثر مسؤولية عن تقديم الاستجابة الفاعلة للتحديات القائمة، وما قد يستجد من تحديات، ومعيار كفاءتهم فعالية استجابتهم للتحديات القائمة والمستجدة . إلا أن قوى المعارضة، خاصة ذات التوجه القومي، لا تقل عن صناع القرار مسؤولية، بل إن مسؤوليتها مضاعفة باعتبارها مسؤولة أولاً عن تعظيم قدراتها وإحكام الرقابة على أداء صناع القرار . ولا تكون المعارضة فاعلة في المجالين واستعادة دورها القيادي في الشارع العربي ما لم تعمل على تحقيق وحدة صفها على قاعدة الالتزام بالثوابت الوطنية والقومية، والعمل الجاد والصبور لتوسيع وتعميق أوسع تفاعل مستطاع مع القوى الشبابية مادة الربيع العربي التي تبين أنها تملك الحماسة والشجاعة، ولكنها لا تملك استراتيجية لإدارة الصراع مع القوى المضادة . والتيار القومي هو الأكثر تأهيلاً لسد هذا الفراغ، إذ هو لمايزل وفيا للمبادئ القومية الستة، وبالذات مقاومة كل ما فيه المساس بالسيادة الوطنية والتفريط في ثوابت الأمة في الصراع العربي الصهيوني في مرحلة تسارع الهرولة باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني شرط الحظوة بالرضى الأمريكي . وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهه أصحاب التوجه القومي العربي حاضراً ومستقبلاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165426

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165426 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010