الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012

أمثولة مصرية

الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012 par ساطع نور الدين

وفي العام الأول للثورة، المصادف في العام الثالث والثلاثين من القرن الرابع عشر للهجرة، دخلت مصر في عهدها الجديد الموصول بإرثها الاسلامي المتجذر، والمنفتحة على مفاهيم العصر وقيمه وثقافته ومؤسساته، وقدمت لوحة فريدة تمتزج فيها مختلف ألوان الطيف السياسي التي ستفترق من الآن فصاعدا لترسي الأسس لاستقطاب مصري وعربي لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، يضع الإسلاميين في السلطة ويدعو الآخرين الى الانتظام في المعارضة.

إنه عهد إسلامي لا شك فيه ولا جدال، يتحقق في مصر مثلما تحقق في تونس والمغرب وليبيا واليمن ومثلما سيتحقق على الأرجح في سوريا وغيرها، بخلاف مشيئة الثورة الديموقراطية والثوار الديموقراطيين الذين أسقطوا أنظمة الاستبداد، ثم التزموا بقواعد اللعبة التي أطلقوها، فحصلوا على ربع الأصوات والمقاعد، التي لا تؤهلهم لغير صفوف المعارضة.

في مجلس النواب المصري الجديد، كان الافتتاح متسقا مع ذلك الفرز معبرا عن وجهته الجديدة. لم يحصل الصدام المباشر بين الغالبية الدينية الساحقة وبين الأقلية المدنية الصغيرة، لكن المسافة كانت أكبر من أن تموه، واللغة كانت أعقد من ان تسمح بالعثور على قواسم مشتركة، او مفردات متشابهة. هذه هي الديموقراطية، وتلك هي حال البرلمانات في مختلف أنحاء العالم. لكن ليس في المراحل التأسيسية واللحظات التاريخية.

كانت واحدة من تلك اللحظات: الحقبة التي بدأت في مصر بالذات في سبعينيات القرن الماضي، هي الآن في ذروتها. كافح الإسلاميون بشتى الطرق من أجل الوصول الى السلطة، وها هم يتسلمونها. الفرصة جاءت من سواهم، لكن الشارع اختار ان يكافئهم هم وأن ينتصر لهم وأن يثأر من مضطهديهم.. وأن يختبر صدق شعارهم وصحة مشروعهم ونزاهة جدول أعمالهم.

الاختبار بدأ للتو. القوى المدنية الديموقراطية هي مجرد شاهد وربما تصبح حكما، لكنها بالتأكيد ستظل لأربع او خمس او ست سنوات على الاقل في مقاعد المعارضة، حتى يصدر الناخب حكمه الجديد، الذي يرجح ان يكون اكثر واقعية وعقلانية من الخيار العفوي الثأري الحالي، غير المتصل أصلا بروح الثورة ولا بالأفق السياسي الذي افتتحته في مثل هذا اليوم من العام الماضي.

اللجوء الى الشارع اليوم بالذات، وبعد ساعات على افتتاح البرلمان الاسلامي المصري الاول المنتخب بحرية ونزاهة، هو المؤشر الابرز على المكان الذي خصص لقوى المدنية والديموقراطية، وعلى الهامش الذي ستتحرك داخله من اجل ان تحفظ حقوقها وتحمي جدول أعمالها، وتؤسس لبلوغ السلطة التي ظنت ان ثورتها الباهرة هي الطريق اليها.. وتتخلى عن الادعاء أن العسكر لن يسلموا السلطة او انهم يتواطأون مع الإسلاميين، والذي يشبه زعم الطغاة المتساقطين بأن هناك مؤامرة خارجية تستهدفهم.

في ميدان التحرير في القاهرة اليوم فرز جذاب يمثل عنوانا رئيسيا للمرحلة المصرية والعربية المقبلة: الإسلاميون يحكمون والمدنيون يعارضون.. والثورة تطفئ شمعتها الأولى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178141

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178141 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40