الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

أزمة مضيق هرمز : انفجار أم انفراج أم الاثنان معاً؟

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par معن بشور

حين يوجّه محللان أميركيان استراتيجيان سابقان في وكالة المخابرات المركزية الأميركية تحذيراً صريحاً إلى رئيسهم من مغبة الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مع إيران، ويشيران إلى دور التحالف القائم بين المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني وتجار السلاح في دفع واشنطن إلى مغامرة ستكون في نتائجها أسوأ من المغامرة «البوشية» في العراق، ندرك حجم المخاطر الحقيقية التي ينطوي عليها مسار الأحداث في الخليج انطلاقاً من مضيق هرمز الذي يعبر منه حوالى 40% من نفط العالم.

والعالمون بطبيعة العلاقات العقدة بين مراكز القرار الأميركي يدركون جيّداً أن المذكرة المرفوعة من راي ماكغفرن واليزابيت موراي (وهما صاحبا سمعة ومكانة في ما يطلق عليه اسم «مجمع المخابرات الأميركية» بكل أجهزته التي تضاعف عددها بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001) ما كانت لتُكتب أصلاً لولا شعور جهات في هذا المجتمع الاستخباراتي، كما في «البنتاغون» ذاته، بأن البيت الأبيض على وشك الانزلاق إلى قرار خطير بالمواجهة العسكرية مع إيران إرضاء للوبي الصهيوني عشية الانتخابات الرئاسية، من جهة، وفي محاولة يائسة لاستعادة الهيبة الأميركية المتراجعة في المنطقة والعالم لا سيّما بعد الهزيمة الإستراتيجية في العراق، والتراجع المذل في أفغانستان أمام حركة طالبان التي طالما اعتبرتها واشنطن حاضنة الإرهاب العالمي، لتسعى اليوم إلى التفاوض معها في الدوحة.

وبالطبع لم يخف ماكغفرن وموراي ميولهما تجاه هذه الدوائر، ومعظم أركانها بات متقاعداً، فقد استخدما بقوة تقريراً أعدته قبل سنوات ثلاث دوائر في المخابرات الأميركية ينفي، بعد تدقيق وتمحيص، أي طابع عسكري للبرنامج النووي الإيراني، كما استعادا بوضوح تصريحات معروفة للأدميرال مولن، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأميركية يحذر فيها من حرب جديدة تخوضها بلاده ضد إيران دون أن يغفلا الغمز من قناة دمبسي الرئيس الجديد لهيئة الأركان الذي لا يجيد ـ بحسب قولهما ـ سوى «أداء التحية لمن هم أعلى منه» والذي صرح مرّة «بأن عشرين سنة من خدمته في العراق أكدت انه لم يفهم شيئاً من تلك البلاد».

في ظل هذا النقاش المحتدم في واشنطن، والذي يدور في جو من التحريض الإعلامي غير المسبوق ضد طهران، وفي أجواء يحاول من خلالها «المحافظون الجدد» استعادة مواقع لهم داخل الإدارة الأميركية من خلال الثقوب المتزايدة التي أصابت السدّ الذي حاول أوباما بناءه في وجههم، جاءت المحاولة الأحادية الأميركية بالدعوة إلى حظر عالمي لاستيراد النفط الإيراني التي رافقها ترحيب أوروبي أكد من جديد السياسة الذيلية لقارة، اتهمها رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق يوماً «بالقارة العجوز».

قد تكون المبادرة العقابية الأميركية محاولة من أوباما للتهرب من الخيار العسكري عبر امتصاص الضغوط المتعددة عليه لاعتماده، خصوصاً أن أوباما قد اقترح في الوقت ذاته تخفيضاً للإنفاق العسكري الأميركي لمواجهة الأزمة الاقتصادية المالية الاجتماعية المتفاقمة، لكن الخبرة القديمة بالسياسة الأميركية، المتدحرجة عادة من الحصار الاقتصادي إلى الغزو العسكري (وهي سياسة رأيناها بوضوح في العراق على مدى 13 عاماً)، تعزز من مخاوف وقوع مواجهة عسكرية في الخليج.

وبالمقابل فإن التعامل الإيراني مع هذه الإجراءات الأميركية جاء قوياً سواء عبر التهديد باستخدام الحق القانوني في إغلاق مضيق هرمز، وهو حق تكفله لطهران الاتفاقيات الدولية المختصة بالملاحة في المضائق، كاتفاقية فيينا (1958)، واتفاقية جامايكا (1982)، أو عبر تكرار الدعوة لحاملة الطائرات الأميركية «جون سي ستينيس» بعدم العودة مرة ثانية للخليج.

وما يزيد من قوة الموقف الإيراني هو مسارعة الصين ـ وهي غير مشهود لها بالتسرع في إعلان المواقف ـ إلى رفض الالتزام بالحظر الأحادي الجانب، بل الى الاستعداد لاستيراد نفط إيران وغازها، ولفتح مصارفها أمام التعامل مع المصرف المركزي الإيراني... وواشنطن تعرف أكثر من غيرها الحجم الاقتصادي والمالي المتنامي للصين وتأثيراته، وقد باتت الشريك الأكبر لسندات الخزينة الأميركية.

وكما تحاول أميركا أن تناوش إيران في الخليج وعلى بعض كيلومترات من سواحلها، فان طهران تصر بالمقابل على الدخول إلى الباحة الخلفية لواشنطن في أميركا اللاتينية التي يزورها حاليا الرئيس احمدي نجاد، غير آبه بالتهويل الأميركي.

ومثلما أسقطت روسيا ـ ومعها الصين ـ قرارات التدخل الخارجي ضد سوريا في مجلس الأمن التي تحمّست لها واشنطن والعواصم الأوروبية، فإن الصين أيضاً ـ ومعها روسيا ـ ستقف اليوم حاجزاً في وجه الضغوط الأميركية والأوروبية والصهيونية المتصاعدة ضد إيران، وذلك في الإعلان مجدداً عن صياغة جديدة لموازين القوى الدولية.

وفي هذا الإطار يمكننا أن نستنتج أن الزيارة الأخيرة لوزير خارجية تركيا لطهران هي محاولة من واشنطن وحلفائها للعودة إلى لغة التفاوض والحوار مع إيران، وهو تفاوض ينطلق من أن مسرح العمليات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة مسرح واحد يمتد من بحر العرب إلى البحر المتوسط.

لقد باتت القوى المعادية للهيمنة الأميركية الصهيونية تدرك أن استفراد أي جبهة منها هو استهداف للجبهات جميعاً والدرس العراقي أيضاً جليّ في هذا السياق.

فهل نحن أمام القاعدة التي تقول «اشتدي يا أزمة تنفرجي»، أم أن الانفراج الموعود يجب أن يسبقه انفجار محدود... وأين؟

سؤال تنشغل به هذه الأيام أوساط عدة عربية وإقليمية ودولية، بل هو سؤال يعلو عادة عندما تنتهي مرحلة وتبدأ مرحلة جديدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165470

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165470 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010