الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012

خشية سيد قطب من «إسلام أمريكاني» : الاخوان إذ يتحولون إلى قوة ضارية بيد المشروع الأميركي

الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012 par نقولا ناصر

في خضم التقارير الإعلامية الأميركية وغير الأميركية عن انقلاب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة للتعامل مع الأحزاب السياسية التي تتخذ من الإسلام مرجعية لها بدل مقاطعتها إثر الفوز الحاسم لهذه الأحزاب في انتخابات مصر وتونس والمغرب، والدور القيادي الذي تلعبه في الأردن واليمن وسوريا وليبيا والجزائر والصومال وغيرها، يبدو المشهد العربي مهيأ لوضع هذه الأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين التي انبثق معظمها عنها أمام اختبار تاريخي يتمخض إما عن تبديد الخشية المبكرة للمفكر والقيادي في الجماعة سيد قطب من «إسلام أمريكاني... يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط» أو يتمخض عن نجاح الجهود الحثيثة للولايات المتحدة في اصطناع نسخة من «الإسلام السياسي» تستقوي بها على العرب والمسلمين.

والحذر المتفائل من «أسلمة» المشهد العربي لخصه في مقال له مؤخراً عالم الدين والإعلامي اللبناني الشيخ جمال الدين شبيب، استهله باستذكار مؤلف بعنوان «إسلام أمريكاني» كتبه سيد قطب في أوائل عقد الخمسينيات من القرن العشرين الماضي حذر فيه من أن «الأمريكان وحلفاؤهم يريدون للشرق الأوسط إسلاماً أمريكانياً... ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان». ويبدو المشهد العربي، الشعبي في الأقل إن لم يكن الرسمي، يقول مع الشيخ شبيب : «أنا لست من دعاة (سوء الظن من حسن الفطن) فمن يعرف التربية الإخوانية لا يمكن أن يصدق ما يروج له البعض من أن الإخوان انخرطوا في حلف غير مقدس مع الإدارة الأميركية على أن يخلي لهم الأميركان طريق الحكم... مقابل التزامهم وضبط إيقاعهم في المنطقة وفق الأجندة الأميركية». لكن استذكار الشيخ اللبناني لتحذير سيد قطب في مستهل مقاله يشي بخشية تضع الإخوان وأحزابهم فعلاً أمام اختبار تاريخي لتبديد مثل هذه الهواجس، ولإثبات أن الممارسة السياسية من مواقع القيادة تتفق فعلاً مع ما سماه «التربية الإخوانية».

ولهذه الهواجس مسوغات قوية في الواقع الراهن المتحرك وفي التاريخ القريب الحي على حد سواء. فإيصال قوى «الإسلام السياسي» إلى سدة الحكم على ظهور الدبابات الأميركية الغازية في العراق أو على متن طائرات حلف الناتو الحربية في ليبيا أو بدعم وكلاء إقليميين للولايات المتحدة في الصومال أو انطلاقاً من قواعد «عربية» للحلف أو لقيادته الأميركية يثير أشجاناً عربية تذكر بانحياز هذه القوى تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي إلى المعسكر الأميركي وأنظمة الاستبداد العربية التقليدية إبان الحرب الباردة خلال حقبة القطبين الأميركي والسوفياتي الدولية عندما كانت حركة التحرر الوطني العربية، وبخاصة الفلسطينية، والحركة الديموقراطية العربية في المعسكر الآخر.

إن الوجه الايجابي الآخر من المشهد الراهن الذي حملت فيه الثقة الشعبية عبر صناديق انتخابات نزيهة «حركة النهضة» في تونس و«حزب العدالة والتنمية» في المغرب و«حزب الحرية والعدالة» في مصر إلى مواقع القيادة في الأقطار العربية الثلاث لا يمكنه أن يبدد هذه الهواجس، خصوصاً عندما يرقب المشاهد العربي كيف ما زالت ازدواجية معايير القوى العربية الإقليمية والدولية التي تدعم قوى الإسلام السياسي دعماً انتقائياً تحاصر «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، الذي يمثل امتداداً لفكر الإخوان المسلمين، والقوى الاشتراكية والقومية والشبابية المؤتلفة معه في قيادة الحراك الشعبي اليمني وتحول دونهم وجني ثمار نضالهم من أجل التغيير والإصلاح طوال عام مضى، فهذه ازدواجية معايير تعزز الهواجس ولا تخفف منها، وتؤكد مجدداً أن الإخوان وأحزابهم بخاصة موجودون اليوم على محك اختبار تاريخي يتطلب منهم إنهاء الوضع الذي يضعون فيه رجلاً في هذا الخندق ورجلاً أخرى في الخندق النقيض.

وتتعزز هذه الهواجس كذلك بالتصريحات الأميركية التي «تطمئن» دولة الاحتلال «الإسرائيلي» بألا تخشى وصول قوى الإسلام السياسي إلى الحكم في مصر والمغرب وتونس. ومع أن مجلس الأمن القومي لدولة الاحتلال، الذي يرأسه اللواء احتياط يعقوب عميدرور، مستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وصف موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته من صعود الإخوان بأنه «ساذج» ويجب «إخراج» أوباما منه، أعطت وزارة خارجية دولة الاحتلال تعليمات لسفيرها في القاهرة يعقوب أميتي بفتح حوار وإقامة علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وفي يوم الخميس الماضي صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، بأن الجماعة قدمت «ضمانات» و«قطعوا تعهدات» باحترام المعاهدة مع دولة الاحتلال، وقد نفت الجماعة ذلك، علماً أن اللقاءات الأميركية مع الإخوان لا تتم «عن طريق السفارة أو الخارجية» المصرية ولكن من خلال «الاتصالات المباشرة» كما قال السفير المصري في واشنطن، سامح شكري، الذي فسر عدم صدور تقارير رسمية من الولايات المتحدة عن تلك اللقاءات «يعني أنها ربما حصلت على تطمينات من جماعة الإخوان المسلمين». وكان السناتور الأميركي جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الكونغرس، قد اجتمع مؤخراً مع مسؤولي «حزب الحرية والعدالة» المصري وقال إن قادة الإخوان من خلال هذا الاجتماع أكدوا له حرصهم على العمل مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وبخاصة في المجال الاقتصادي.

وإذا صدقت التقارير الأميركية عن تقديم «ضمانات» و«تطمينات» و«قطع تعهدات»، فإن الإخوان في مصر سرعان ما يجدون أنفسهم في مواجهة مع رأي عام شعبي مصري رفض أن يذعن للتطبيع مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي» بالرغم من سطوة استبداد نظام كامب ديفيد وكان دائماً يحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن الأوضاع في مصر لرعايتها اتفاقيات الكامب والنظام السياسي - الاقتصادي الذي أفرزته. فحسب استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث أميركي ونشرته «بلومبرغ بزنس ويك» مؤخراً فإن 54% من المصريين يتمنون فسخ معاهدة الصلح مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي» و36% منهم يريدون تعديلها.

وفي الواقع العملي، لن تستقيم أي علاقات عربية أو إسلامية مع الولايات المتحدة دون تكيف حد أدنى مع ضماناتها الإستراتيجية لأمن دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، وتوجد قناعات راسخة في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي بحكم التجربة بوجود تناقض بين إقامة علاقات حتى عادية مع الولايات المتحدة وبين الاستمرار في موقف عدائي تجاه دولة الاحتلال «الإسرائيلي». ويتضح هذا التناقض اليوم بين «التربية الإخوانية» لأحزاب الإسلام السياسي التي وصلت إلى السلطة في المغرب وتونس ومصر وبين العلاقات الإستراتيجية القائمة بين هذه الأقطار العربية الثلاث وبين الولايات المتحدة، ليتحول موقف هذه الأحزاب وموقف الحكومات التي تقودها من الولايات المتحدة إلى محك اختبار لصدقية خطابها، وبخاصة في الشأن الفلسطيني على وجه التحديد، فهي مخيرة عملياً الآن بين التخلي عن خطابها الفلسطيني التقليدي وبين التخلي عن العلاقات الإستراتيجية لحكومات الأقطار العربية التي تقودها مع الولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، أعلن الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي خالد السفياني مؤخراً أن «حزب العدالة والتنمية» الذي يقود الائتلاف الحكومي الجديد في المغرب بعد الانتخابات الأخيرة أن هذا الحزب «ظل ارتباطه راسخاً بالقضية الفلسطينية، ومناهضاً لمسار التطبيع» مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، مضيفاً أن هذا الموقف «سيستمر من موقع المسؤولية الحكومية، وسيتكامل مع الموقف الشعبي المغربي». لكن من المؤكد أن العلاقات المغربية الأميركية الإستراتيجية التي فرضت على المغرب القيام بدور محوري رئيسي في التوسط بين الدول العربية وبين دولة الاحتلال «الإسرائيلي» وفرضت على حكوماته المتعاقبة مستوى من التطبيع الرسمي لم يرق إليه حتى الآن مستوى التطبيع الرسمي في مصر والأردن اللتين وقعتا معاهدتي صلح منفردتين مع دولة الاحتلال هي علاقات عريقة ووثيقة أقوى بكثير من أمنيات ذاتية في أن يواصل (حزب العدالة والتنمية) «من موقع المسؤولية الحكومية» مناهضته للتطبيع، ليرتقي بهذه المناهضة من المستوى الشعبي إلى المستوى الرسمي، ولن يمضي وقت طويل قبل أن يجد هذا الحزب بدوره نفسه على محك اختبار لصدقية خطابه الفلسطيني.

إن مؤشرات مثل تحول جماعة الإخوان المسلمين إلى القوة الضاربة الرئيسية للولايات المتحدة في سوريا، تطالب بتدخلها وحمايتها، وتحظى بدعمها المالي والسياسي واللوجستي، من خلال «المجلس الوطني الانتقالي السوري»، الذي يمثل الإخوان عموده الفقري، والذي أعلن رئيسه برهان غليون تبنيه لجدول الأعمال الأميركي الإقليمي في محوريه الفلسطيني والإيراني في حال وصوله إلى السلطة، في حواره الأخير مع صحيفة الـ «وول ستريت جورنال» الأميركية، وهو الحوار الذي لم يختلف في محتواه عن المحاضرة التي ألقاها مؤخراً في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي ترعاه «ايباك» جماعة الضغط الصهيونية الرئيسية في الولايات المتحدة، راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة» التونسية، الذي قال في سوريا ما لم يقله أبداً حتى الآن في دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، تضامناً مع الشعب السوري كما قال، لكن تضامنه هو في أفضل الحالات تعبير عن تضامن «إخواني» حزبي لا علاقة له بالتضامن مع الشعب السوري... إن مؤشرات كهذه تعزز ولا تخفف من الهواجس التي تثيرها التقارير التي تتحدث عن تفاهمات بين «الإخوان» وبين الولايات المتحدة.

إن امتداد «الإخوان» في العراق قد تحول تحت مظلة الاحتلال الأميركي إلى شريك في «العملية السياسية» التي هندسها الاحتلال لربط العراق استراتيجياً بالولايات المتحدة لفترة طويلة مقبلة، وتحول بوعي أو دون وعي إلى قطب طائفي ساهم في استفحال الفتنة الطائفية التي اتخذ الاحتلال منها ذريعة لإطالة عمره، وهو يصطف الآن في الخندق الأميركي، وإذا كان الاصطفاف الطائفي السياسي الراهن بين النفوذ الإيراني وبين النفوذ الأميركي في العراق نموذجاً مصغراً لما سيكون عليه التخندق السياسي بين النفوذين على امتداد مساحة الوطن العربي، فإن صعود الإخوان وقوى الإسلام السياسي ينذر بالتحول إلى فتنة طائفية كبرى بين «إسلام أمريكاني» يفرق صفوف المسلمين ويعزز هيمنة الأجانب على قرارهم وثرواتهم، «إسلام» حذر منه سيد قطب قبل ما يزيد على نصف قرن، وبين «الإسلام الذي يقاوم الاستعمار... والطغيان» الذي كان دائماً عنواناً لوحدة العرب وغيرهم من المؤمنين لا يفرق بين واحدهم والآخر إلا بالتقوى.

وتقف حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في فلسطين المحتلة تجسيداً للـ«إخوان» فيها، لا يشوبها أي من شوائب التناقض بين الخطاب والممارسة، وقد خاضت فعلاً اختبار صدقية خطابها ونجحت فيه، وهي تضع كلتا رجليها في خندق واحد وحيد لمقاومة الاحتلال والهيمنة الأميركية، ولا تساورها أية أوهام حول احتمال مستحيل للفصل بين دولة الاحتلال «الإسرائيلي» وبين راعيها الاستراتيجي الأميركي، وهي عندما خيرت بعد وصولها إلى السلطة إثر فوزها في انتخابات نزيهة بين التخلي عن خطابها الفلسطيني التقليدي وبين التخلي عن العلاقات الإستراتيجية لرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية مع الولايات المتحدة لم تتردد في الانسجام مع «التربية الإخوانية» التي أنشأت كوادرها عليها.

وتجسد «حماس» الآن رمزاً فريداً للوجه الايجابي لصعود قوى الإسلام السياسي، وتخوض اليوم اختبار الأزمة السورية لصدقية خطابها، فلا تتردد في الاختلاف مع «إخوانها» السوريين ومن شايعهم من «الإخوان» العرب، في معارضة التدخل الأجنبي، والحلول غير السلمية، في خضم حملة تشكيك تحريضية واسعة تقترن فيها «العصا والجزرة» تؤلبها على سوريا، مما اضطر فوزي برهوم، الناطق باسم الحركة، للتصريح بأن هناك «أطرافاً» لم يسمها «تسعى لتوتير العلاقات بين حركة حماس وسوريا».

وبالرغم من تفاؤلها بأن «تقدم الإسلاميين في مصر وعدداً من الدول العربية سيكون ظهيراً وداعماً للقضية الفلسطينية واستعادة حقيقية للعمق العربي الإسلامي» و«السياج الواقي والحامي للقضية الفلسطينية» كما قال الناطق باسم «حماس» فوزي برهوم، فإن الحصاد السياسي لم يحن بعد كما يبدو، لأن «الدول العربية التي تشهد ثورات في حالة عدم وضوح ولا يمكن التعويل عليها في دعم الخطوات الفلسطينية في المحافل الدولية» كما يرى د. أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني في قطاع غزة إسماعيل هنية. ولا ريب في أن خشية سيد قطب من «إسلام أمريكاني» عامل أساسي يساهم في «عدم الوضوح» في هذه الدول.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2176717

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176717 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40