السبت 7 كانون الثاني (يناير) 2012

أسرار زيارة أوغلو ...رسول واشنطن الضائع

السبت 7 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. محمد صادق الحسيني

يقطع بعض المتابعين لتأزم العلاقات الإيرانية الغربية بأن قدمي احمد داوود أوغلو ما كانت لتطأ ارض طهران في الأيام الأخيرة لولا انسداد أفق التعامل بين واشنطن وطهران وشعور الدولة الهيمنية الأعظم في العالم بأنه قد أهينت ومرغ أنفها في التراب بعد مناورات الولاية 90 والتحذير الإيراني الحازم لأساطيلها بعد العودة الى المياه الدافئة، ما دفعها الى استجداء العون التركي! من جانب آخر فانه إذا كان الغرب قد أرسل احمد داوود أوغلو ممثلاً له الى طهران محملاً بـ «رشى اقتصادية» من قبيل أن تركيا ستستمر في شراء النفط الخام الإيراني رغم التهديد بالحظر الأوروبي ولن تواكب قرارات حظر التعامل مع البنك المركزي مقابل العودة الى طاولة مفاوضات الخمسة زائد واحد بشروط أو ظروف أفضل من ظروف محادثات اسطنبول في يناير العام المنصرم كما قرأت بعض الدوائر الوثيقة الصلة في مجلس الأمن القومي الإيراني، فان الغرب سيكون ساذجاً جداً وانه لم يتعلم بعد من التجارب السابقة! أما أنقرة فإنها ستكون أكثر سذاجة إذا ما فكرت بأنها ستستعيد بعض الدور الذي فقدته في المشرق العربي والإسلامي بعد تسرعها في معالجة الملف السوري وتخبطها في التعامل مع ملف الثورات العربية، إذا ما اتخذت من الملف النووي الإيراني مطية لذلك!

فبعد أن ذاب الثلج وبان المرج كما يقول المثل المشهور فان اللعب بات على المكشوف، ولا يظنن أحداً بان مواطناً عربياً او مسلماً واحداً سيقتنع بعد اليوم بأي حركة بهلوانية استعراضية لأي كان من زعماء المنطقة أياً كان خطابه الديبلوماسي او تحركاته العمومية ما لم تلامس الحقائق على الأرض كما هي! فقد بات من المؤكد والمعلن أن ثمة مخطط غربي يريد وأد اليقظة او الصحوة العربية والإسلامية الأصيلة التي انتفضت في ظلها شعوب المنطقة ضد الاستبداد والتبعية، وان جيشاً من الكتبة والمؤلفين والمحللين والفضائيات التحريضية والديبلوماسيين الرحالة من عاصمة الى أخرى يتحرك كله في إيقاع منتظم ويقوده ناظم واحد هدفه إخراج الثورات المنتصرة منها ومنها المنتظر من مضمونها المعادي لأمريكا و«إسرائيل» والدفع بها الى معارك وفتن داخلية تحت ظاهر الدفاع عن الديمقراطية من النوع البورجوازي الليبرالي الغربي و لا مانع أن يكون السيناريو تحت يافطة الإسلام شرط أن يكون أمريكي الهوى والهوية! إنها اللعبة القديمة الجديدة نفسها تحرير فلسطين أولاً او القضاء على الطغاة والمستبدين أولاً، متغافلين عن ان الشعوب وجدت ضالتها في معادلتها الشعبية البسيطة والبسيطة جداً : لا تحرير لفلسطين إلا بسقوط مراكز الحراسة الرديفة لكيان العدو الصهيوني والذي زرعها الاستعمار القديم تحت مظلة سايكس بيكو وخديعة الثورة العربية الكبرى الشهيرة =! ولا سقوط واقعي وحقيقي ونهائي لحكم الطغيان والاستبداد ما لم يتماثل ويتماهى مع فعل وممارسة حرب التحرير الشاملة لفلسطين انطلاقاً من النضالات اليومية في كل قطر عربي وإسلامي! وقد فهمت الشعوب المستيقظة في هذا المشرق العظيم بان ثمة متآمرين وثمة مؤامرات تريد وضع فعل مكافحة الفساد والاستبداد بوجه فعل مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان من التبعية للغرب، بهدف نزع سلاح المقاومة وتشويه ثقافتها وتزوير أهداف اليقظة الحقيقية! وقد فهم من يجب أن يفهم في هذا العالم بأن سوريا باتت البوابة التي منها لتسلل يخططون، وان إيران القلعة التي من الداخل لهدمها يخططون! وعليه لا جزرة اردوغان باتت تنفع مع طهران ولا عصا أمريكا، ومن عجز حتى الآن من لي ذراع الأسد وثنيه عن المضي في التحالف مع طهران على طريق دعم المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، فانه اعجز من هز إغراء طهران بـ رشى اقتصادية عثمانية ناهيك عن هز ركبها بالتهويل بان البديل ستكون الحرب الاقتصادية الشاملة!

إن طهران لمن لم يتعلم قراءتها بعد لن تقايض أحداً أي أحد على بقاء سوريا صامدة وراسخة الى جانب المقاومة ولو منحت كل إغراءات الدنيا! وان طهران لم تعد بحاجة الى وسيط أي وسيط لها مع الغرب حول ملفها النووي بعد أن تجاوزت حاجز «التعرفة النووية» والمفاجآت على هذا الطريق لا تزال كثيرة! نحن لا نقول شعراً ولا نردد شعاراً بل نتحدث عن إمكانيات حقيقية باتت تمتلكها طهران، زمن يريد ان يتعرف عليه لا يحتاج سوى أن يرفع الغشاوة عن عينيه ويدفع بحجب الغرب عن ناظريه!

لقد أثبتت طهران على مدى العقود الثلاثة الماضية بأنها لا تريد الحرب مع احد وهي قد تجنبتها أكثر من مرة، لكنها أثبتت أيضاً بأنها لن تركع لإرادة أحد أي أحد مهما تسلح بأسلحة الدمار الشامل! وطهران تعرف تماماً قدرة الغرب التدميرية وكتل السلاح المتنوع الذي يخزنه الغرب على مدى عقود في عنابر جيرانه، لكنها تعرف علماً أيضاً لا يملكه الغرب إلا وهو كيفية تحويل هذه الكتل التسليحية الضخمة الى «مجرد خردة حديد»! لأنه ما فائدة أن تمتلك كل شيء وأنت لا تملك توظيف أي شيء منه؟! في المقابل قد تكون لا تملك إلا اليسير مما يملكه الآخرون لكنك تملك القدرة الكافية والإرادة الصلبة على توظيفه في الوقت المناسب والمكان المناسب! هذا ما لم تتعلمه أنقرة بل وضيعته في غمرة صخب ما حاولوا تشويهه من يقظة حقيقية عند ناس هذه المنطقة باسم «الربيع العربي» الذي اثبت انه حمل كاذب لا يحمل المطر والعاجز عن تفتح الزهور!

لقد سمع أوغلو في طهران ما كان يفترض أن يتعلمه من شباب ميادين الثورة العربية التي رفضت بإصرار ولا تزال أن تكون لعبة في مخطط «الناتو»! وبات عليه حسم أمره هو وكل من يسير على خطاه فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40