السبت 7 كانون الثاني (يناير) 2012

صرخة ضد التطبيع

السبت 7 كانون الثاني (يناير) 2012 par أمجد عرار

يستخدم بعض مناهضي التطبيع في الساحة العربية مصطلح التطبيع الثقافي، ويتبعون تشخيصهم المفهومي هذا بوصفات وطرائق مواجهة للمطبّعين الثقافيين وسبل فضحهم وإخراجهم من الأمة والملّة. هؤلاء مشكورون على حملهم لواء مناهضة التطبيع باعتباره الآفة الأخطر في هذه الأمة طالما بقي الصراع العربي الصهيوني قائماً، حتى لو غابت قرقعة سلاحه الصدئ على الأرض. لكن ألا يجدر التساؤل إن كان هناك أصلاً تطبيع غير ثقافي؟ فلسطين، باعتبارها ساحة الاشتباك المباشر الأساسية، هي أيضاً الساحة الأولى للتطبيع، والذريعة التي يتخذها المطبّعون العرب وغير العرب من بلاد الله الواسعة. في فلسطين لم يلحظ أحد عمالاً يجرون لقاءات تطبيعية مع صهاينة، ولم تسجّل حالات تطبيع «أبطالها» فلاحون.

كل «أبطال» التطبيع الفلسطينيون سياسيون في الحقل الحزبي والرسمي والثقافي. هناك من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين من تأثّر بفكر شمعون بيريز الذي طالما كرّس جل وقته لإشاعة ثقافة التطبيع، وحدد عناوين واشتغل عليها وفي مقدّمها تحطيم الصراع النفسي ومحاربة الثوابت الوطنية التي يعتبرها بيريز «مواد تحريضية». ولهذا عمل على تأسيس مركز يحمل اسمه إلى جانب كلمة «السلام»، وإلى جانب مجزرته المروّعة في بلدة قانا اللبنانية أيضاً.

في الضفة الأخرى (الفلسطينية) وجد بيريز من يتعاطون معه ومع «شرق أوسطه الجديد»، وحملوا معاً فريقاً فلسطينياً «إسرائيلياً» مشتركاً ليلعب مباراة كرة قدم في كاتالونيا مع فريقها برشلونة، بموازاة مخيمات كشفية مشتركة في الساحة «الإسرائيلية».

ولكي توضع الأمور في نصابها، هذا لا يعني أن التطبيع حالة عامة أو كبيرة في الجانب الفلسطيني، بل لا بد من التأكيد أنها حالة ضيّقة من حيث الحجم ولا تشمل فريقاً فلسطينياً بعينه بل أفراداً حتى لو كانوا حزبيين لا يمثّلون أحزابهم بالمجمل.

قبل يومين أشعلت الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الضوء الأحمر، ورفعت صوتها عالياً ضد مطبّعين رسميين ورموز محسوبة على الكتّاب والمثقفين والشباب والنخب الفكرية والسياسية شاركت في مؤتمرات مشبوهة داخل المناطق المحتلة عام 48 والمحتلة عام 67، وحتى في القدس المحتلة التي تشهد مذبحة تهويدية تهدّد بسحق كل هويتها وتاريخها، إلى جانب مؤتمرات تطبيعية تعقد في الخارج بمسميات مختلفة، وتجد من الفلسطينيين من يروّج لها.

الخطورة في نشاطات التطبيع أنها تحمل شعارات مضللة، سياسية واقتصادية وثقافية وحقوقية، وأخطرها عناوين الحوار والسلام والديمقراطية بذريعة يلوكها بعض المثقفين فحواها «معرفة وجهة نظر الآخر وتوصيل رأينا إليه».

ويحار المرء كيف يقبل فلسطيني على نفسه أن يعقد لقاء مع هذا «الآخر» وهو يمثّل الاحتلال والاستيطان والتهويد، فكيف إذا كانت اللقاءات تعقد داخل مستوطنة؟

فأن يشارك فلسطينيون في مؤتمر تطبيعي داخل مستوطنة مثل «أرئيل» التي أعلنتها حكومة الكيان «عاصمة السامرة»، أمر لا يمكن وضعه إلا في سياق عملية تدمير سافلة لما تبقى من ثوابت وطنية وقومية، في وقت يعلن مثقفون من «الآخر» نفسه مقاطعتهم للمستوطنات.

سيجد الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين من يشد على يديه ويصرخ معه في دفاعه عن الثقافة الوطنية والقومية وثقافة المقاومة، وعلى القوى والأحزاب الفلسطينية والعربية والأممية أن تتنبّه لخطورة فتح باب التطبيع في هذه المرحلة بالذات، حيث تنضم حديثاً قوى عربية سياسية وثقافية وإعلامية كانت تزايد في موضوع التطبيع، وباتت تجاهر في امتطاء صهوته على سبيل تقديم أوراق اعتماد لـ «الإسرائيليين» والأمريكيين ولو على أشلاء ما تبقى من فلسطيننا وعروبتنا التي لا تعترف بالفصول والألوان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165905

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165905 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010