الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011

المضيق الضيق .. والأحجام الكبيرة

الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. حبيب فيَّاض

الانسحاب الأميركي من العراق يفتح صفحة جديدة من المواجهة بين إيران وأميركا في الإقليم. المناورات الإيرانية العسكرية في بحر عُمَان ومضيق هرمز تعيد رسم موازين القوة بين الجانبين بالاستناد إلى واقع الفشل الأميركي في بلاد الرافدين. طهران مندفعة الى تكريس حضورها الإقليمي انطلاقا من القوة المضافة التي وفّرها لها تعثر المشروع الأميركي في المنطقة. فيما واشنطن لا تملك في هذا الخضم غير التصعيد سياسيا وإعلاميا للتغطية على عجز مستديم في التعامل مع الخصم الإيراني.

إقفال مضيق هرمز لا يستدعي تدريبات و مناورات عسكرية ما دام الأمر عند الإيرانيين أسهل من شربة ماء. المناورات الأخيرة تتجاوز، استعراض القوة والتحضر لوجستياً وميدانياً لحرب محتملة. كما تتجاوز كونها رسالة إيرانية تتضمن استعداد إيران لإقفال المضيق متى ما أرادت. المناورات هذه تندرج في إطار تمدد إيراني ميداني يهدف إلى إيجاد تراجع أميركي فعلي. التمدد هذا ينطلق من ذروة الاستعداد الإيراني للمواجهة العسكرية مستغلاً ذروة الاستعداد الأميركي للهروب منها. يقول قائد القوة البحرية الإيرانية: «إننا نسيطر على بحر عُمَان... ومضيق هرمز تحت سيطرتنا بالكامل». الكلام بالغ الخطورة ويحمل دلالة واضحة بأن إيران قد بدأت بالفعل مرحلة مزاحمة الوجود الأميركي في جوارها المائي تمهيداً لاستعادة السيادة الإقليمية على مياه الخليج.

بادرت إيران إلى مناوراتها العسكرية البحرية وهي تعلم أن العقوبات المحتملة على صادراتها النفطية أمر متعذر حصوله رغم التهويل به. لأن مثل هذه العقوبات ما زالت تفتقد إلى الإجماع الأوروبي فضلاً عن الدولي. ما يرجح فرضية أن إيران تريد تكثيف حضورها العسكري وتثبيته في مياه الخليج على مرأى ومسمع من القوات الأميركية...

إضعاف الحضور الأميركي في المنطقة بات أولوية مرحلية على الأجندة الإيرانية. واشنطن، من جهتها، الأولوية عندها الحؤول دون كون المواجهة العسكرية هي الطريقة الوحيدة المتاحة أمامها للجم التمدد الإيراني في الإقليم... خلو المشهد العراقي من التواجد العسكري الأميركي، يغري طهران باعتماد إستراتيجية جديدة ،تهدف عبرها إلى الانتقال في ميزان العلاقة الإقليمية مع واشنطن، من حالة التوازن إلى حالة التفوق. إيران تراهن على نجاح إستراتيجيتها هذه من خلال تمددها البطيء من دون الاضطرار الى الصدام المباشر مع القوات الأميركية، بينما تراهن واشنطن، لمنع طهران من الوصول إلى ما تريد، على اكتمال ظروف تسوية، تشمل كل الملفات بدلاً من حرب عسكرية مرجحة بين الجانبين على المديين المتوسط والبعيد.

«إسرائيل» مستاءة من وهن واشنطن في التعامل مع صلف طهران. وعد أوباما المسؤولين «الإسرائيليين» بضرب إيران في حال التثبت من نشاطها النووي العسكري، قد يكون له مفاعيل انتخابية في الداخل الأميركي، لكنه لن يردم هوة الخطوط الحمراء بين «تل أبيب» وواشنطن على خلفية المعضلة الإيرانية. الأولى ترى العمل العسكري خطوة أولى للتعامل مع هذه المعضلة فيما ترى الثانية أن مثل هذا العمل يجب أن يظل خياراً أخيراً واضطرارياً.

تركيا، من جانبها، باتت تراهن على لجم أميركي لإيران يساعدها على مواصلة صعودها في الإقليم، وذلك بعدما أدخلت الأزمة السورية العلاقات بين طهران وأنقرة حيز الخصومة والتأزيم. أما الدول العربية في الخليج فيبدو أن ما لديها اقرب إلى الهواجس منه إلى الحسابات، لأن هذه الدول ستخسر من رصيدها الإقليمي سواء ذهبت الأمور بين إيران وأميركا نحو المواجهة أو نحو التفاهم.

اختارت إيران مضيق هرمز مكاناً لمناوراتها وهي تعلم أن الجغرافية الضيقة لا تتسع لطرفين بحجمها، هي وأميركا... فهل سيكون المضيق الشرارة الأولى للحرب المحتملة بين طهران وواشنطن؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165975

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165975 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010