السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2011

كامب دافيد والسيادة المصرية

السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par الياس سحاب

لا يجادل أي من المراقبين، مهما كان اتجاهه السياسي، في أن احتمال تطور الموقف المصري الرسمي من معاهدة كامب دافيد، إما تطويراً أو إلغاءً، كان على رأس اهتمامات أي مراقب لانهيار نظام حسني مبارك ومقدمات قيام نظام جديد يحل محله.

وقد تساوى في الاهتمام بهذا الموضوع أولئك الذين يضعون امن الكيان الصهيوني، في مقدمة أولويات سياستهم الدولية، كالإدارة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، وفي عدد من الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، مع أولئك المهتمين على الضفة الأخرى بعودة مصر الى دورها المركزي في الصراع العربي «الإسرائيلي»، بعد أن ألغى هذا الدور تماماً أنور السادات، بمعاهدة كامب دافيد، وحوله حسني مبارك طوال عهده، من دور محايد في البداية، الى «الكنز الاستراتيجي لـ «إسرائيل»»، في صراعها مع الفلسطينيين خصوصاً، ومع سائر العرب عموماً.

غير أن ما ميز هذا الاهتمام، لدى جميع الفرقاء على مختلف مشاربهم السياسية المتناقضة، هو تلقف أي كلمة تصدر في الوضع المصري الجديد، بشأن اتفاقية كامب دافيد، سواء في ما يصدر من تصريحات عن رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، او عن أحد من قيادات الإخوان المسلمين.

ومن باب هذا الاهتمام، كان جيفري فيلتمان، يطمئن العرب «المعتدلين» من حلفاء الولايات المتحدة، بأنه استمع من قيادات الإخوان المسلمين في مصر، الى ما يطمئن بشأن معاهدة كامب دافيد، التي وعدوه باحترامها.

وفي مقابل ذلك، كان ملفتاً للنظر أننا حتى في ذروة اللحظات الثورية التي سيطرت على ميدان التحرير في مناسبات عديدة منذ 25 يناير حتى يومنا هذا، لم نلحظ تركيزاً خاصاً على الموقف من معاهدة كامب دافيد، ولعل ذروة ما صدر من مواقف في هذا الشأن هو الموقف السلبي الواضح للمتظاهرين من مقر السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة.

أما المرشحون المحتملون للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، والذين تحصي عليهم الدوائر الغربية بالذات أنفاسهم، وألفاظ ومفردات تصريحاتهم، قلما اقترب احدهم بالحديث المباشر من معاهدة كامب دافيد. ربما باستثناء حمدين صباحي، المرشح الناصري الصريح، أما بقية المرشحين فقد مالت تصريحاتهم الى التعبير عن احترام المعاهدات الدولية لمصر بشكل عام، دون تخصيص الحديث بمعاهدة كامب دافيد.

غير أن توجهات مصر القادمة في هذا الشأن ليست برأيي مرتبطة، فقط بالتصريحات المباشرة لأي من المسؤولين المصريين، الرسميين او الشعبيين، عن معاهدة كامب دافيد. بمعنى انه إذا لم تكثر الأحاديث والمطالبات الوطنية بضرورة إلغاء او تعديل معاهدة كامب دافيد، فلا يعني هذا أبداً أن مصير هذه المعاهدة، قد أصبح في أمان، كما تشتهي وتتمنى الدوائر الصهيونية، الأشد قلقاً في هذا الموضوع.

برأيي ان الموقف المصري الجديد من كرامة مصر الوطنية المهدورة، خاصة في عصر حسني مبارك، هذا الموقف هو الذي سيحدد مصير معاهدة كامب دافيد، سواء في ذلك موقف رئيس الجمهورية الجديد في مصر، الذي سينتخب كما يبدو قبل انتصاف العام 2012، او موقف الغالبية البرلمانية المصرية الجديد، بعد اكتمال عقد مجلسي النواب والشورى في مصر، او حتى موقف كل من رئيس الحكومة الذي سيختاره رئيس الجمهورية الجديد، او اختيار وزير الخارجية الجديد لمصر.

إن موقف هذه المنظومة السياسية على رأس الإدارة الحاكمة الجديدة في مصر، التي سيكتمل عقدها بعد اقل من سبعة شهور، موقف هذه المنظومة السياسية من مسألة السيادة الوطنية والقومية لمصر، خاصة على حدودها الشمالية المتاخمة لـ «إسرائيل»، أي صحراء سيناء، هو الذي سيقرر الموقف من مصير كامب دافيد؟

لقد امتلأت وثائق محادثات كامب دافيد، وما تلاها من مذكرات كل من شارك في المحادثات التي أفضت الى صياغة نصوص المعاهدة، خاصة مذكرات وزراء خارجية السادات، المستقيلين واحداً بعد الآخر، امتلأت هذه الوثائق بما يؤكد أن النصوص المهينة لكرامة وسيادة مصر الوطنية في الاتفاقية، كانت في البداية مرفوضة رفضاً قاطعاً حتى من السادات نفسه، لكن ضغط الرئيس كارتر على السادات، جعل السادات يفرض الرضوخ للنصوص التي تنتقص من السيادة المصرية الوطنية والقومية، على جميع أعضاء الوفد المرافق له، رغماً عنهم.

أما الآن، وقد زال عهد السادات، وامتداده الأبشع في عهد مبارك، فان تقييما حراً لا بد أن يسيطر على الإدارة المصرية الجديدة، التي ستتشكل قريباً، خاصة وأنها ستكون محاطة بالموجات المتتالية للثورة المصرية المتجددة في ميادين التحرير، في سائر أرجاء مصر.

ولن يكون سهلاً بعد اليوم، حتى على أي غالبية برلمانية جديدة في مصر، أن تواظب على الاستهانة والتفريط بمسألة الكرامة الوطنية والقومية المصرية في سيناء، كما فرط بها أنور السادات، وحسني مبارك حتى لو اغضب ذلك «إسرائيل»، والدول الغربية الكبرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165765

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165765 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010