الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011

«الربيع العربي» ينقلب في «إسرائيل» إلى «ربيع اليمين» بعد إثارته المخاوف تجاه المستقبل

الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par حلمي موسى

هناك إجماع في «إسرائيل» حول أن ما بات يعرف بـ «الربيع العربي» لا ينطوي في مآله النهائي على أية حسنات للدولة العبرية من دون أن يعني هذا الإجماع أن هناك اتفاقاً على أخطاره عليها. كما أن المتفقين على المخاطر يختلفون فيما بينهم على طبيعتها من ناحية وعلى شدتها وجدولها الزمني من ناحية أخرى. والواقع أن الثورات العربية أنهت وبشكل واضح ما كان يعرف بـ «النظام العربي» بتقسيماته السابقة والذي خلا تقريباً من أي دور متكامل للإنسان العربي البسيط وحصر مشاركته إما في السلطة أو ببعض النخب المقاومة أو المثقفة.

ولا ريب في أن «إسرائيل» التي ألفت الواقع الذي كان قائماً وارتاحت أكثر للهيمنة الأميركية على المنطقة تشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بانعدام اليقين، على أقل تقدير. فالشعوب العربية تحركت وثمة ميل متزايد في المنطقة لأخذ موقف المواطن البسيط بعين الاعتبار. كما أن الولايات المتحدة تعيش أزمة ليست اقتصادية وحسب وإنما معنوية أيضاً إثر انسحابها من العراق. بل أن هناك في «إسرائيل» من استشعر نذير الشؤم في تزامن الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الربيع العربي من تونس بإعلان أميركا الانسحاب التام من العراق.

وينبع الشؤم، وفق المعلق في «معاريف» عوديد غرانوت، من حقيقة أن «الفرار من العراق وامتناع واشنطن عن عمل حازم ضد إيران المتحوّلة نووياً مسا جداً بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى مصمّمة على الدفاع بكل ثمن عن مصالحها وعن حلفائها في المنطقة». ولاحظ أن هذه الحقيقة تدفع حلفاء أميركا في المنطقة إلى محاولة أخذ زمام الأمور إقليمياً بأيديهم وهو ما يمكن تلمّسه أيضاً في التهديدات «الإسرائيلية» المنفردة ضد إيران. وأشار إلى أنه «عاجلاً أم آجلاً، سوف تتوصل «إسرائيل» أيضاً الى الاستنتاج بأنه من المجدي أقل الاعتماد على التدخل الأميركي لحماية المصالح الحيوية، والمجدي أكثر العمل بالتعاون والارتباط بالعناصر المعتدلة في العالم العربي، برئاسة السعودية ودول الخليج التي ترى في إيران تهديداً جسيماً. ولكن الثمن الذي يتعين على «إسرائيل» دفعه سينطوي على تحسين العلاقات مع الأردن والسعي الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وسيكون هذا أيضاً الجواب على تعزيز القوى الإسلامية المناهضة لـ «إسرائيل» في العالم العربي».

ولكن لا يبدو أن هذا حال القيادة اليمينية في «إسرائيل» التي تستشعر أنه في الوقت الذي تتأثر فيه «إسرائيل» سلباً بالربيع العربي تتعاظم قوة هذا اليمين ومعسكره. بل أن وزراء في اليمين العقلاني، بعض الشيء، صاروا يرون حتى في الدولة الفلسطينية وضمن الاشتراطات «الإسرائيلية» خطراً على الدولة العبرية. وذهب وزير التعليم الليكودي جدعون ساعر، وهو من أقرب المقربين لأفكار بنيامين نتنياهو، إلى حد المطالبة علناً بالبحث عن خيارات أخرى مما يعني أن خيار «دولتين لشعبين» صار يتآكل في القيادة «الإسرائيلية». وبديهي أن السبب ليس الواقع الفلسطيني وإنما أيضاً ما يجري في المنطقة من تعاظم للإسلاميين.

ويقول ساعر في تبريره موقفه أن «إسرائيل» تقترب حالياً من وضع تغدو فيه محاطة بقواعد «الإرهاب»، «إثر الانسحاب من لبنان، من غزة، ومن سيناء التي أخليت باتفاقيات مع مصر، تتعاظم قوى «الإرهاب»... ولذلك محظور علينا أن يتعرّض مركز البلاد لمخاطر من يهودا والسامرة. لن نعرّض أمن «إسرائيل» للخطر على أساس أفكار تبسيطية، أوهام وأهواء غير واقعية».

ومن المؤكد أن القيادة اليمينية في «إسرائيل» لا تفكر البتة، حالياً على الأقل، في التصالح حتى مع الدول التي تطالبها أميركا بالتصالح مع «إسرائيل» أو تقديم أية إغراءات سياسية لها. فالوضع متأزم مع الأردن ويصعب تحسينه مع مصر والخلاف مع تركيا متفاقم ومن الصعب التجسير عليه مع السعودية. ولذلك فإن إحدى الألاعيب التي يمكن لنتنياهو اللجوء إليها قريباً هي إشغال المجتمع «الإسرائيلي» بانتخابات تعزز بشكل كبير قوة اليمين وتحول دون أي محاولة لتغيير الواقع السياسي القائم حالياً في المنطقة.

وفي هذه الأثناء يلعب نتنياهو على مخاوف «الإسرائيليين» ويتراقص فوق ألسنة اللهيب المعنوي. وقد أشار الباحث في مركز دراسات الأمن القومي في جامعة «تل أبيب» ألوف بن في مقالة له نشرت في «هآرتس» بعنوان «ربيع اليمين» إلى أن الهزات في المنطقة أقلقت معظم «الإسرائيليين». ولكن «إسرائيلياً» واحداً هو بنيامين نتنياهو اعتبرها فرصة لم يسبق لها مثيل، فهو يرى فيها نهاية لفكرة «الأرض مقابل السلام». ومن الجائز أن نتنياهو سوف يستفيد أيضاً من إظهار الربيع العربي لمحدودية قدرة «إسرائيل» الاستخبارية والتقديرية. فقد أثبتت الأحداث أن «إسرائيل»، كغيرها، بعيدة عن معرفة ما يجري في أعماق المنطقة العربية من سيرورات. وإلى وقت قريب كانت الاستخبارات «الإسرائيلية» ترى أن الوضع الذي كان قائماً في العام الماضي لن يتغير قريباً وأن أي تغيير فيه لن يكون لغير مصلحة «إسرائيل».

ومقارنة بالتقدير الاستخباري «الإسرائيلي» نهاية العام 2011 يبدو التقدير الجديد نقيضاً تاماً. فالتقدير الجديد يتعامل مع ما يجري في المنطقة ليس بوصفه «ربيعاً» وإنما باعتباره «هزة» وهو يميل أكثر من أي وقت مضى نحو سوداوية عالمية وإقليمية. فأميركا تضعف وروسيا والصين وأوروبا وتركيا وإيران كلها تحاول دس أنفها في الصحن الذي كان حتى وقت قريب بيد حصرية أميركية تقريباً. وفي رأي الاستخبارات «الإسرائيلية» فإن الهزة في المنطقة العربية لن تخمد قريباً وأنها سوف تتواصل في العام المقبل. ولذلك يصعب الحديث عن احتمال أن يضغط «العقلاء» بين العسكريين على القيادة السياسية «الإسرائيلية» لتغيير قناعاتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 75 / 2165922

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165922 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010