الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011

الخطر الخارجي على الثورة المصرية

الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. سمير كرم

لا يكاد يكون هناك فرد أو جماعة أو حزب سياسي أو قوة سياسية في مصر هذه الأيام إلا ويتحدث عن خطر خارجي يهدد الثورة المصرية أو يهدد مصر عن طريق الثورة المصرية أو عن أي طريق آخر.

هناك اقتناع شبه إجماعي في مصر ـ وربما خارج مصر أيضاً - على أن هناك خطراً خارجياً يهدد ثورة مصر او يهدد كيان مصر نفسه، او حتى وحدتها، التي قاومت الانقسام منذ أيام الفرعون مينا «موحد القطرين» أي منذ نحو خمسة آلاف عام.

ثوار مصر أنفسهم - الذين أصبحوا ممثلين في أعداد صغيرة بقيت في الميادين بعد أن كانوا يعدون بالملايين فأصبحوا لا يتجاوزون المئات او الآلاف المحدودة - يشاركون في هذا الاعتقاد بأن مصر مستهدفة من الخارج. لكن أحداً لا يقول على وجه التحديد ما هو هذا الخطر الخارجي وما طبيعته وما هو هدفه أو أهدافه.

المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي لا يتنازل أبداً عن وصف نفسه بأنه حامي الثورة بعد كل ما طرأ عليها من تغييرات، يشارك في بياناته الرسمية وتصريحات أعضائه التي تصدر بين حين وآخر كلما تلبدت سماء مصر بالغيوم السياسية والاجتماعية في تأكيد هذه الفكرة عن خطر خارجي يلاحق مصر، مصر الثورة او مصر المجتمع او مصر الدولة. كذلك الحال بالنسبة لرئيس «حكومة الإنقاذ الوطني» الدكتور كمال الجنزوري، فقد دلت تصريحاته الكثيرة منذ توليه هذا المنصب على انه أكثر إيماناً من غيره بأن مصر مستهدفة من قوى خارجية. ولكي يثبت انه ليس بعيداً او غريباً عن الثورة - رغم انه من فلول النظام السابق الذي يفترض انه انهار بانهيار الرئيس المخلوع حسني مبارك - أكد في آخر تصريحاته أن القوى الخارجية التي تشكل خطراً على مصر إنما تستهدف الثورة في الأساس. وأكد أيضاً انه يعتبر أن من أوائل مهام حكومته حماية الثورة من الخطر الخارجي الذي يتهددها.

وشأنهم شأن غيرهم، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء الجنزوري يحجمان عن تحديد هوية او وجهة او هدف هذا الخطر الخارجي الذي يحاربانه، وكأن الاحتفاظ بهذا السر جزء من محاربة هذا الخطر الخارجي.

مع ذلك لا بد من التنبه الى حقيقة أساسية، بل حقيقة أولى في هذا الصدد، هي أن الخطر الخارجي الذي يتهدد مصر لا يمكنه أن يعمل على تنفيذ خطته لتقويض الثورة او تضليلها، او لتقسيم مصر او حتى شغلها عن أدوارها القومية والإقليمية، من دون الاستعانة بأيد داخلية، أي بأيد مصرية، على أن تكون هذه الأيدي خفية بل سرية الى أقصى الدرجات. ولما كنا لا نستطيع أن نتهم أياً من القوى المصرية التي تجمع على أن هناك خطراً او أخطاراً خارجية بأنها تمارس حماية الأيدي الداخلية الخفية من الافتضاح، فإننا لا بد أن نحاول معرفة كل خطر خارجي على مصر وعلى الثورة، تاركين أمر كشف الأيدي الداخلية الخفية لمن يهمهم الأمر بحكم سلطاتهم او أدوارهم في المجتمع.

سؤالنا الأساسي إذن أين تكمن الأخطار الخارجية على مصر وعلى الثورة المصرية؟

- أولاً : بكل معاني الأولية والأولوية - هناك الولايات المتحدة الأميركية. وهذه تعني المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) والمخابرات العسكرية (وكالة الأمن القومي)، كما تعني السفارة الأميركية في القاهرة ومن ينتمي من طواقمها الدبلوماسية وغير الدبلوماسية الى تلك الأجهزة المعنية بالتجسس والتدخل وعمليات تقصد بالتحديد الى مراقبة الهيمنة الأميركية على مصر وتجديدها وتقويتها.

ومن المؤكد أن للولايات المتحدة في مصر أهدافاً لا تتفق مع المصالح المصرية ولا تتفق مع أهداف الثورة. وقد ارتأت الولايات المتحدة أن ما تحقق من أهداف الثورة يمكن قبوله والاعتراف به، ونعني بهذا سقوط نظام مبارك الذي نال اكبر قسط ممكن من الدعم والتأييد الأميركي طوال ثلاثين عاماً سيطر فيها على مصر بمساعدة من أميركا وأجهزتها. أما أهداف الثورة التي لم تتحقق فإنها الأهداف الاجتماعية وأهداف السياسة الخارجية التي تهدف الى استعادة ادوار مصر القومية والإقليمية، ومن بينها قيادة المنطقة مع القوى الإقليمية الأخرى ضد التوسع «الإسرائيلي» وضد عدوانية «إسرائيل» وغطرستها العسكرية والسياسية.

ومن المنطقي هنا أن نؤكد أن أميركا تقف بكل قوتها وحيلها ضد هذه الأهداف، أي ضد استمرار الثورة وتوجيهها للسياسات الخارجية المصرية. وغني عن القول إن الأهداف المتعلقة بالجانب الاجتماعي من حياة المجتمع المصري تتعارض مع ما ترمي إليه أميركا من الهيمنة الاقتصادية والثقافية على مصر. نعني الخصخصة وحرية التجارة وفتح أبواب الاستثمارات الخارجية (الأميركية خاصة) على مصراعيها.

يضاف الى هذا أن هناك جانباً شبه علني من الخطر الخارجي الأميركي على مصر يتمثل في تقوية العلاقات مع القوى الإسلامية المتمثلة في الإخوان المسلمين وفي السلفيين، باعتبارهم القوى المرشحة لتولي السلطة في مصر، نتيجة لما أسفرت وتسفر عنه الانتخابات. ولهذا لا يمكن استبعاد هذه القوى «الإسلامية» من قوى الخطر الخارجي على مستقبل الثورة ومستقبل مصر.

- ثانياً : «إسرائيل»، وينطبق عليها ما ينطبق على الولايات المتحدة باعتبارها قوة خارجية تشكل أهدافها في المنطقة خطراً على مصر وعلى الثورة. وليس خافياً أن «إسرائيل» لم تستطع حتى أن تقبل ما أنجزته الثورة المصرية. فهي لا تزال تنظر الى هذه الثورة باعتبارها خطراً على طموحات «إسرائيل». فالثورة المصرية لا تترك ولن تترك لـ «إسرائيل» فرصة الإبقاء على «معاهدة كامب ديفيد» التي فرضت على مصر تقزيم دورها في سيناء المصرية وفي الوطن العربي ككل.

ومثل الولايات المتحدة فإن لـ «إسرائيل» أذرعاً تمتد داخل مصر تتمثل في المخابرات «الإسرائيلية» والسياح «الإسرائيليين» وفي وسائل التجسس الالكترونية على مصر وعلى مؤسستها العسكرية وأجهزتها. وليس خافياً - او ينبغي أن لا يكون خافياً ـ أن لـ «إسرائيل» أذرعاً أخرى تتمثل في يهود غير «إسرائيليين» مستعدين، بسبب الولاء او بسبب التمويل، لمساعدة «إسرائيل» على تنفيذ مخططات خطرة ضد مصر وضد الثورة المصرية.

- ثالثاً : حلف شمال الأطلسي. بصفة خاصة منذ تفكك النظام السوفياتي ونظائره في أوروبا الشرقية - وهو الذي كان يعد الخطر الأكبر على أميركا وأوروبا عسكرياً واقتصادياً وثقافياً - أصبح حلف الأطلسي أكثر اتجاهاً نحو التوسع صوب جنوب البحر الأبيض المتوسط ونحو «الشرق الأوسط» والشمال الأفريقي ونحو الخليج. ولا يتمثل هذا الاتجاه فقط في التوسع في المناورات المشتركة مع دول هذه المناطق، إنما أصبح للحلف نفوذه واتصالاته التي ظهرت نتائجها في الدور الذي أداه في ليبيا ويستعد لأداء مثله في سوريا إذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه نفسه.
وقد أصبح لحلف الأطلسي دور متميز في العلاقات مع مصر لا يقتصر على ما تريده الولايات المتحدة لهذا الدور، إنما يتمثل في المناورات المشتركة وفي الدور السياسي شبه الخفي الذي يلعبه الحلف. ومما لا شك فيه أن أهداف الحلف لا تتفق بأي حال مع أهداف الثورة المصرية.

- رابعاً : المملكة العربية السعودية. ويعرف المصريون - سواء كانوا من أنصار دور سعودي اكبر في مصر او كانوا ضد هذا الدور لاعتبارات اقتصادية او ثقافية او سياسية - أن المملكة تلعب بأموالها على الأقل ومن خلال أتباعها من المصريين الذين قضوا سنوات في السعودية بغرض العمل وكسب العيش (ومنهم أعداد كبيرة من الإخوان المسلمين والسلفيين) دوراً يكاد يكون مكشوفاً في تأجيج التطرف الديني الذي يرمي الى تحويل مصر الى تابع للسعودية في ثقافتها الدينية وفي تطرفها اليميني. لهذا فإن السعودية تعد من أنشط القوى الخارجية تدخلاً في الشأن المصري. وقد زاد هذا الخطر بشكل خاص بعد الثورة، حيث لم تستطع المملكة أن تخفي مخاوفها من تأثيرات الثورات العربية من أن تصل إليها. إن انزعاج المملكة من الثورة المصرية بشكل خاص لا يحتاج الى تأكيد. ويأتي نجاح «الإسلاميين» في تحقيق المركز المتقدم في انتخابات مصر ليؤكد قدرة المملكة، ليس فقط على تشجيع هذا التيار بالمال والتأثير الديني لتحقيق هذا المركز السياسي، إنما يأتي مؤكداً قدرة المملكة على التصدي - في الخفاء - لقوى الثورة المصرية لإجبارها على التراجع داخل مصر، الأمر الذي يضمن تراجعها أيضاً في الوطن العربي وبالأخص في السعودية.

وقد تحدثت مصادر غربية عديدة في الفترة الأخيرة عن تعاون سعودي - «إسرائيلي» باتجاه ضمان وضع سلمي في المنطقة تضمنه «إسرائيل» بلجم القوى الوطنية الفلسطينية وتضمنه المملكة بوقف تيار العداء لـ «إسرائيل» الذي يسيطر على المنطقة بما فيها جماهير المملكة. مع ذلك فإن السعودية تتمتع بقدرات مالية و«دينية» الى جانب ولاء القطاعات من المصريين التي ارتبطت بالسعودية في سوق العمل وسوق الأفكار الدينية المتطرفة او المحرفة، ما يجعلها من اشد الأخطار الخارجية قدرة على استخدام الأيدي الداخلية لعرقلة مسيرة الثورة في مصر.

- خامساً : قطر وباقي إمارات الخليج الغنية التي تستشعر خطر مصر الثورة على أنظمتها. وهذه لا تختلف في حيثياتها عن المملكة السعودية. وتخضع هذه الإمارات الخليجية خضوعاً شبه تام للمملكة السعودية في رسم خطوط سياساتها الخارجية واستخدام أموال النفط كسلاح في هذا المضمار.

لقد نجحت القوى الخارجية المذكورة بما بينها من تعاون وتنسيق في وقف تيار الثورة من اجتياح المنطقة العربية، بل نجحت في تحويل الثورات العربية ـ ربما باستثناء الثورة المصرية ـ الى نظم جديدة تابعة للتيار الديني متحالفة مع الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. فهل تنجح بعد ذلك في فرض هيمنتها السياسية على مصر والثورة المصرية لإجبارها على السير في هذا المسار الموالي للغرب والمصالح الغربية؟

إن جسامة الخطر الخارجي على مصر وعلى الثورة المصرية تتجسد في حقيقة التعاون والتنسيق بين هذه القوى الخارجية والداخلية مجتمعة.

مع ذلك تبقى مصر ـ كما كانت دائماً - حالة خاصة لها سماتها التاريخية والسكانية والثقافية، ولها أيضاً رؤيتها الدينية الخاصة بحكم واقعها السكاني الذي يضم الديانتين الإسلامية والمسيحية في وئام وتضافر حميمين فشلت مصادر الخطر الخارجي في كل الأزمنة في عرقلته او دفعه الى الوراء.

ولا يعني هذا الاستهانة بالأخطار الخارجية او التقليل من شأن الأيدي الخفية الداخلية.

إن الثورة المصرية مطالبة ـ قبل أي شيء آخر ـ بأن تعلن صراحة وبلا أي التباس حقيقة القوى الخارجية التي تهددها وتهدد مصر، وحقيقة الأيدي الخفية الداخلية التي تتعاون مع الخارج لإيقاع الضرر بمصر وبثورتها.

...حتى لو اقتضى ذلك تجديد المليونيات التي أطاحت بالنظام الاستبدادي الفاسد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2178753

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178753 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40