الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011

هل سيولد نظام عالمي جديد من الرحم السوري؟

الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. أمين محمد حطيط

في بادئ الأمر ظن حسنو النية أن الأصوات التي انطلقت في درعا في آذار 2011 مطالبة بالإصلاح إنما هي تعبير عن مطالب الناس ولا شأن للخارج بها، لكن السلوك الرسمي السوري الذي استجاب للحركة الإصلاحية فضح من كان يخطط لسوريا ويريد تغيير موقعها الاستراتيجي المتمثل في تمركزها حالياً في واسطة عقد منظومة المقاومة للمشروع الغربي، بغية نقلها الى الضفة المعاكسة التي عبر عنها من غير خجل برهان غليون الذي عين في اسطنبول رئيساً لما شكل هناك بإشراف تركي - قطري مباشر وقيادة غربية واضحة، رئيساً لـ «المجلس الوطني السوري».

إن تغير وجه الحركة الاحتجاجية في سوريا بات بشكل أكيد حركة عصيان مسلح ضد النظام ومؤسساته وقتلاً للمواطنين وتدمير ممتلكاتهم، لإظهار النظام بمظهر العاجز الذي عليه أن يرحل، وفي المقابل استمر النظام ممسكاً بتلابيب الأمر يعمل على خطين : الإصلاح والأمن، وبين هذا وذاك نرى انقساماً واضحاً إقليمياً ودولياً مصحوباً بتحشد في معسكرين اثنين :

[**1)*] الأول معسكر غربي السياسة والقيادة ويعمل على تغيير نظام سوريا وموقعها الاستراتيجي، رافضاً أي حوار مع النظام إلا تحت عنوان واحد هو كيفية انتقال السلطة الى «المجلس الوطني السوري» ومن يلتحق به او يأتلف معه مما يسمى «معارضات سورية»، وهو يعمل على شيطنة النظام وإظهاره بأنه نظام قتل وإجرام. تقود هذا المعسكر أميركا وتلتحق بها أوروبا الغربية، وعملت بإمرتها أدوات تنفيذية إقليمية، تتمثل بتركيا ودول عربية والجامعة العربية التي باتت دائرة من دوائر الخارجية الأميركية.

يعول الغرب على نجاحه في خطته هذه الكثير، لأنه يرى فيها كسباً استراتيجياً هاماً متمثلاً بتحويل سوريا الى أداة في يده تمكنه من السيطرة على المنطقة وثرواتها بعد فشله في الحروب. وستكون النتيجة الإستراتيجية المباشرة لهذا الانجاز توجيه ضربة بالغة الشدة الى منظومة المقاومة التي يعتقد الغرب بأنها ستتفكك ويتحول من يبقى منها جزراً غير متصلة يسهل خنق الواحدة منها تلو الأخرى، ما يمكن أميركا من ربط المنطقة التابعة لها ببعضها البعض، من الشرق، حيث دول الخليج، الى الغرب في الشمال الإفريقي. خطة إن نجحت ستؤدي الى تشكل البرزخ الاستراتيجي الممتد من تركيا الى شمال إفريقيا عبر الجزيرة العربية و«إسرائيل»، الأمر الذي سيعوض كلياً على أميركا خسارتها لحروبها.

[**2)*] الثاني، معسكر إقليمي مشرقي ويعمل على إصلاح النظام السوري وتطويره وتثبيت سوريا في موقعها الاستراتيجي الحالي، على أن يكون ذلك عبر الحوار الداخلي الذي يفضي الى تعديلات أساسية في القوانين والنظم المتعلقة بالشؤون الداخلية، مع المحافظة على الخيارات السورية القائمة في المجال الخارجي والاستراتيجي، أي الاستمرار بلعب دور مؤثر وفاعل في منظومة المقاومة للمشروع الغربي، والسعي لإقامة «شرق أوسط لأهله» متحرر من الإملاءات والأوامر الأجنبية ومتعاون بصدق وحسن نية مع من يريد التعاون بهذه الصيغة. ويعمل في هذا الخيار النظام السوري مدعوماً إقليمياً من إيران و«حزب الله»، ودولياً من مجموعة «البريكس»، مع تفهم وقبول من اغلب الدول الإسلامية ودول ما كان يسمى بعدم الانحياز.

إن نجاح سوريا والمعسكر الذي يحتضنها في تحقيق هذا الأمر سيؤدي الى إقامة منطقة مشرقية متجانسة متكاملة في خياراتها الإستراتيجية تمتد من إيران الى لبنان عبر سوريا والعراق، قادرة على الاستفادة من تحالفات إستراتيجية وتفاهمات أساسية مع كل من الصين وروسيا، بما يؤدي الى الحد، إن لم نقل الإجهاز على النفوذ الغربي في المنطقة، وهو ما كانت تخشاه أميركا وتعمل على منعه.

هذا هو لب الصراع الحقيقي اليوم الذي يظهر من المشهد السوري، الحقيقة صراع دولي شامل، صراع بين الغرب الذي ينفذ هجوماً للمحافظة على مكتسباته ومصالحه التي مارسها طيلة القرن الماضي على حساب أهل المنطقة ووحدتهم وحقهم بالحرية واستثمار الثروة، وبين «شرق أوسط» استفاد من تنظيمه لمقاومة فاعلة وإقامة الأنظمة المستقلة، والمتعاونة مع من لا يريد سيطرة واستعماراً، فانبرى للدفاع عن كياناته وحقوقه، صراع ستترتب على نتائجه تحديد وجهة العالم والنظام العالمي الجديد الذي فشلت أميركا في جعله آحادياً وتسعى لتعويض الفشل بإقامة «شرق أوسط» يناسبها. فهل ستقدر؟

انطلاقاً من موازين القوى المتشكلة لا نرى قدرة لأميركا على النجاح في سعيها، فهي لن تستطيع أن تدخل من النافذة السورية بعد أن خرجت من باب العراق وبعد أن استطاع النظام السوري الصمود والاستمرار هو وحلفاؤه في المواجهة الدفاعية الناجحة، وانتقل الى الهجوم في معرض الدفاع الذي تجلى في السلوك الروسي بإرسال السفن الحربية الى الشواطئ السورية، والسلوك الإيراني بإسقاط طائرة التجسس الأميركية والتهديد بالأكثر، والسلوك السوري بالمناورة العسكرية الأخيرة وسلوك التحدي من قبل «حزب الله» في عاشوراء.

لكل هذا نجد أميركا الآن تتحسب لهذا لفشل وتسعى لإقامة جبهة من «الإسلام السياسي السني» بقيادة الإخوان المسلمين، لمواجهة «الإسلام الشيعي الحركي» بقيادة إيران ودفعهما لصراع ولمواجهة تغيّران وجهة الصراع الحقيقي بما يجعل «إسرائيل» منسية من الطرفين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2181434

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2181434 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40