الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

تَهْويد صناعي

الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par خيري منصور

أكثر من نصف اليهود في الولايات المتحدة يتزوجون من غير اليهود، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، وثلاثة أرباع اليهود في روسيا يفعلون ذلك أيضاً، وهذا ما بدأ يقض مضاجع الساسة والحاخامات والجنرالات في الدولة الصهيونية، لأن أهمّ معزوفة في الاستراتيجية الصهيونية هي استمرار «الغيتو» أي العزل، لكن بصيغ مختلفة، ويرى هؤلاء القلقون من مستقبل الصهيونية وإنجازها البكر وهو الدولة الصهيونية، أن مثل هذا الزواج من «الغوييم» أو غير اليهود من شأنه أن يؤدي إلى الاندماج، وبالتالي ذوبان الهوية.

ومقاومة الاندماج من الحركة الصهيونية بدأت بعد الثورة الفرنسية وانفتاح أوروبا على اليهود بحيث يكونون مواطنين كسائر المواطنين من غير اليهود. واقتُرفت جرائم صهيونية ضد يهود ثم نسبت إلى غيرهم من أجل تكريس «الغيتو» ومقاومة الاندماج.

وهذه المسألة وثيقة الصلة بسؤال الهوية اليهودية، هذا السؤال الذي كلما أخرج من الملفات والأدراج عاد إليها ثانية، لأنه لا يلقى القبول من يهود الولايات المتحدة الذين يُخرجهم تعريف الهوية عن الإطار اليهودي، والانزعاج الصهيوني من زواج يهود من غير دينهم هو امتداد عُضوي لمشروع قديم، فالأوتار التي يُعْزَفُ عليها لم تتبدل لهذا، فقد ارتخت واهترأت، لأن كل ما يتغير هو تنويع كميّ على الإيقاع القديم، والمفارقة هي أن هذا الانكفاء والتشرنق الأيديولوجي يتزامن مع انفتاح كوني ما يجزم أن الدولة اليهودية التي يطمح اليمين الصهيوني إلى ترسيخها في الأرض المسروقة والتاريخ المزور تنمو عكسياً، لأنها مضادة للمستقبل ومرجعياتها التي تغذي وأحياناً تُدخل إلى غرفة الإنعاش هي أقرب إلى الأسطورة من التاريخ، وهذا هو أحد أسباب مرونتها ومطاطيتها، لأن أرض الميعاد أو الجغرافيا التوراتية لا حدود معروفة لها، وهذا ما دفع الدولة الصهيونية إلى عدم ذكر أي شيء له علاقة بحدودها، فهي تتناسب طردياً مع القوة والاحتلال . لهذا كانت بمساحة ما احتُل في فلسطين عام 1948 حتى حرب يونيو/ حزيران، ثم تمددت واتسعت بعد تلك الحرب وأضافت ضِفة وقطاعاً وشبه صحراء وهضبة.

والسؤال الذي يفرض نفسه حتى على المراقب الذي ليس طرفاً في هذا الصراع هو كيف تتعايش مزاعم الحرية والحداثة والديمقراطية مع أطروحات أفقدها التاريخ صلاحيتها؟

في الماضي غير البعيد كانت ذريعة الصهيونية من إبقاء «الغيتو» سواء بمعناه المكاني أو الديني والثقافي هي اجتذاب مهاجرين من شتى بلدان العالم، ثم دخل مشروع التهجير العكسي طوراً آخر من خلال حركة تهويد واسعة لمسيحيين من روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية، ذلك لأن هاجس اللغم الديمغرافي والمقصود به تكاثر الفلسطينيين على أرضهم يُلح على رُواد الصهيونية في المرحلة الثانية أو ما يسمى استكمال حرب الاستقلال كي يضاعفوا ما استطاعوا من عدد اليهود في فلسطين، وثمة إحصاءات مستقبلية ترعبهم عن الخلل الديمغرافي بعد ربع قرن.

إن كل الحركات أو حتى الفلسفات المضادة للتاريخ التي تحتكم إلى مرجعيات ثبُت بطلانها تسعى إلى استبدال المنطق بالقوة، لعلها تلوي عنق التاريخ والجغرافيا معاً، بحيث يستجيبان لأهدافها، وما يُنشر أحياناً من كتابات بالعبرية حول سؤال الهوية وهاجس الديمغرافيا والزواج من «الغوييم» أو غير اليهود له دلالة واحدة حتى لو تعددت صيغ التعبير عنها، هي أن كل المشاريع من هذا الطراز لن تكون سوى تكرار لقصة فشل واحدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2180784

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180784 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40