الثلاثاء 20 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مرحلة بوتين

الثلاثاء 20 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. فايز رشيد

روسيا تبدأ مرحلة جديدة مع انتخابات الدوما، وبوتين يرد الصاع صاعين إلى الولايات المتحدة (المتضامنة مع المعارضة الروسية)، باتهامها بالضلوع في قتل القذافي. الغرب كلّه ترقبٌ للمرحلة الجديدة في الدولة وريثة الاتحاد السوفييتي. ومثلما كان متوقعاً فاز «حزب روسيا الموحّدة» بأغلبية أعضاء المجلس في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وحصل على 238 مقعداً من أصل 450. هذا الفوز شكّل نكسةً للحزب من وجهة نظر الكثيرين من المراقبين، ففي الانتخابات ما قبل السابقة كان للحزب أغلبية مطلقة (أكثر من الثلثين) أي 315 مقعداً. حجم الحزب في الدوما الحالي يؤهله لاتخاذ قرارات بالأغلبية، أي تشكيل الحكومة من دون الاستعانة بالتحالف مع أية أحزاب أخرى. غير أن ذلك لا يؤهله لاتخاذ إجراءات دستورية، فتلك بحاجة إلى أغلبية الثلثين، وهذا ما لا يتوافر له في مجلس الدوما الحالي. ربما تحسباً لأوضاع شبيهة استغل الحزب وضعه الماضي في تعديلات دستورية، فقد مدّد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، ودورة الدوما من 4 إلى 5 سنوات.

ما كادت النتائج تظهر حتى سارعت المعارضة إلى إصدار بيانات وتصريحات واتهامات بتزوير الانتخابات، والقيام بمظاهرات ومسيرات احتجاجاً على «تزويرها». لم يقتصر هذا الأمر على الجبهة الداخلية، بل امتد إلى الخارج. بريطانيا أعلنت أن الانتخابات الروسية غير نزيهة، وبدورها فإن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وعلى هامش مؤتمر دولي بشأن أفغانستان، عبرّت عن انزعاجها مما دار في الانتخابات الروسية بالقول «إن لديها بواعث قلق خطرة بشأن إدارة الانتخابات البرلمانية في روسيا، وإن الروس يستحقون أن يجري تحقيق شامل في كل المخالفات التي تردّد حدوثها، وإنها انزعجت من تقارير عن أن منظمات جولوس الروسية لمراقبة الانتخابات، تعرضت لعمليات تسلل إلكتروني»، لكن بوتين قلل من إمكانية تأثير المعارضة في نتائج الانتخابات وسخر منها.

كرّست نتائج الانتخابات ثنائية زعامة بوتين - ميدفيديف لروسيا، وبالتأكيد فإن الأول سيكون مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في مارس/ آذار المقبل . كما أن ميدفيديف سيتسلّم منصب رئيس الحكومة . أما من حيث نتائج الانتخابات والتراجع الذي حدث فيها للحزب، فإنها على الرغم من ذلك، لن تؤثر في فوز بوتين في انتخابات الرئاسة للعديد من الأسباب،

أولاً : الحزب ومع التراجع، حقق أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية، وهذا مؤشر على الانتخابات الرئاسية أيضاً.

ثانياً : انعدام وجود منافس قوي لبوتين، فالحزب الشيوعي الروسي ورغم تقدمه في الانتخابات الأخيرة، إذ حقق 92 مقعداً، بعد أن حصل في انتخابات عام 2007 على 57 مقعداً، فإن مرشحه للرئاسة غينادي زيوغانوف سبق أن ترشح للرئاسة في دورات سابقة وحصل على نتائج متواضعة، فالروس لا يحنّون إلى العهد السوفييتي.

ثالثاً: في العادة فإن «حزب روسيا العادلة» يتحالف في كل الخطوات مع حزب روسيا الموحدة، فالحزبان قريبان من بعضهما في النهج الفكري الأيديولوجي، وفي النظرة السياسية على المستويين الداخلي والخارجي أيضاً، وحزب روسيا العادلة حسّن من مقاعده في البرلمان إذ ضاعفها تقريباً (ارتفع من 38 إلى 64 مقعداً) وهو حزب يساري.

رابعاً : إن منجزات بوتين (في الأساس) كبيرة وكثيرة للمواطنين الروس، ففي عهد «حزب روسيا الموحدة» تحقق الأمن للمواطنين الروس بعد أن عانوا لسنوات طويلة تسلط عصابات المافيا عليهم، وهذه الأخيرة قضى عليها بوتين في ولايتيه السابقتين. كما أن بوتين أعاد المؤسسات الوطنية الكبرى إلى القطاع العام كالنفط والحديد والصلب والغاز والمؤسسات التصنيعية الأساسية الأخرى بعد أن سيطرت عليها طغمة مالية قليلة العدد، وُجهت إلى معظمهم اتهامات وحُكم عليهم بالسجن، وبقرارات حازمة تم تجريد هذه المنشآت منهم مع وعود بتسديد المبالغ التي اشتروها بها. روسيا في عهد بوتين تعيش بحبوحة اقتصادية، فبعد العجز في الميزانية لسنوات طويلة في عهد يلتسين، أصبحت هذه الميزانية ذات فائض مالي كبير، بفعل تجارة الأسلحة وتصدير النفط والغاز والتقدم الذي صاحب المنتجات الروسية الكبيرة والصغيرة.

عالمياً، فإن روسيا عادت بقوة إلى الساحة الدولية، الأمر الذي يذكر بالعهد السوفييتي، فهي تتصدى لواشنطن في العديد من مناطق العالم ومنها على سبيل المثال لا الحصر : الموقف من سوريا (بالرغم من تقدم روسيا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يدين القوة المفرطة التي تستعملها السلطات ضد جماهيرها)، وإلى حد ما الموقف من إيران وغيرهما. كذلك فإن روسيا تتصدى لمحاولة إحاطتها بدرع صاروخي أمريكي -ناتوي في الدول المحيطة بها، وهي تجابه واشنطن والدول الغربية في العديد من المسائل الأخرى. صحيح أنه وفي عهد رئاسة ميدفيديف كان هناك تباين بينه وبين بوتين، لكنه التباين الثانوي وليس الجذري، هذا إضافة إلى أن ما يرسمه بوتين من سياسات هو الذي يجري تنفيذه على صعيد روسيا، بالرغم من أنه رئيس الحكومة. نعم المرحلة المقبلة في روسيا هي مرحلة بوتين وسياساته بامتياز، إذ إن كثيرين من المراقبين يصفون المرحلة المقبلة في روسيا بأنها مرحلة العودة إلى الحرب الباردة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165238

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165238 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010