السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) 2011

سوريا في عين العاصفة.. من يوقد الحرائق؟ (2)

السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par غالب ابو مصلح

إن أميركا وأتباعها في المنطقة خائفون على مصيرهم، نتيجة التطورات العالمية كما نتيجة الانتفاضات الشعبية العربية. فعلى طول الشاطئ الغربي للخليج صنع الاستعمار البريطاني كيانات سياسية هشة، تم إغراقها بالعمالة الأجنبية بدل العمالة العربية المسيسة. وتعيش الآن الأقلية العربية الحاكمة فيها على ريوع النفط وكدح الأجانب، وحماية القواعد العسكرية الأميركية وتحت إمرتها. وتعمل الآن أميركا على إنشاء حلف للدول والكيانات التابعة لها على امتداد الوطن العربي، كما استطاعت أن تلحق الجامعة العربية بسياساتها المعادية للشعب العربي ومصالحه الإستراتيجية. وتستعمل كل أتباعها وقسماً من تدفقات أموال النفط العربي لإذكاء الثورة المضادة فوق الأرض العربية. وتركيا اردوغان، القادم الجديد الى ساحة المشرق العربي مأزومة على أكثر من صعيد. فهي مرذولة في «النادي الأوروبي المسيحي» كما تقول «الإيكونومست»، بالرغم من توظيفها لعقود في حلف الأطلسي للدفاع عن هذا النادي. وفشلت تركيا في استقطاب دول شعوب وسط آسيا، التركية بمعظمها، وبينها وبين روسيا عداء تاريخي يتخطى الايدولوجيا. ولم يبق لها غير أميركا وأتباعها للدخول الى مجالها الحيوي المتبقي ـ الوطن العربي. ولبس اردوغان قناع العداء لـ «إسرائيل»، لمواكبة التحول الكبير والسريع في وعي الجماهير التركية، وكبطاقة دخول الى الوطن العربي. لكن المرشد الروحي لأردوغان وحزبه هو «فتح الله غولن»، الذي يعيش في أميركا، ويمثل مجموعة ضخمة من المؤسسات غير الحكومية في تركيا، ويجاهر بصداقته للغرب، ويمزج خطابه الصوفي بالدعوة لرجال الأعمال. ويبرر قتل الكوماندوس «الإسرائيلي» لتسعة أتراك على سفينة مرمرة، كما تقول مجلة «الإيكونومست» عنه. بالرغم من حدة خطاب اردوغان ضد «إسرائيل»، فانه لم يلغ معاهدات تركيا العسكرية والسياسية معها. ونمت العلاقات التجارية التركية «الإسرائيلية» بشكل سريع منذ سنة 2010 حتى اليوم. وصعدت تركيا في علاقتها التجارية مع «إسرائيل» من المرتبة التاسعة في الفصل الرابع من سنة 2010 الى المرتبة الثالثة (بعد أميركا وهولندا) في الفصل الأول من سنة 2011. ويعاني الاقتصاد التركي من صعوبات جمة. فوتائر نموه تتراجع بسرعة. وخلال فترة (آب 2010 الى آب 2011) ارتفع العجز التجاري السنوي من 57 ملياراً الى 100،9 مليار دولار، وارتفع العجز في ميزان المدفوعات الجاري من 33،6 مليارا الى 86،1 مليار دولار. والجيش التركي عاجز ومقعد. يقول «ارك ادلمان» سفير أميركا السابق في تركيا : «إن الجيش التركي يعطي كل الدلائل على انه جيش مكسور ويبحر دون توجيه» مع وجود 12% من جنرالاته العاملين في السجون (The Economist .Aug. 6/2011).

وتتناقض توجهات اردوغان للحاق بأميركا، مع توجهات الشارع التركي. فحسب استطلاع غربي للرأي، كان 52% من الأتراك ينظرون بايجابية لأميركا سنة 2000، وانخفضت هذه النسبة الى 10% في سنة 2007. واظهر استطلاع ألماني للرأي في تركيا ان نسبة التأييد لأوروبا انخفضت من 50% سنة 2009 الى 28% سنة 2010 .

وأدخلت أميركا تركيا المأزومة الى دول الخليج التابعة، كشريك استراتيجي، عبر معاهدة مع مجلس التعاون الخليجي في سنة 2008 لتوجيه التوظيفات الخليجية الى السوق التركية، ولدفع تركيا الى مواجهة إيران بدل التقارب معها في إطار «الشرق الأوسط الكبير».

وبعد انتفاضة الجماهير العربية في طول الوطن العربي وعرضه، وسقوط حكومتي تونس ومصر، حشدت الولايات المتحدة وأوروبا تركيا وأتباعها من الأنظمة العربية لشن ثورة مضادة، جندت لها كل وسائل الإعلام وأموال النفط، من البحرين الى ليبيا والتصدي لإيران، وإجهاض ثورتي تونس ومصر، وأخيراً لإسقاط سورية ودورها القومي التحرري، كمقدمة لإسقاط المقاومات في لبنان وفلسطين والعراق، ثم الانقضاض على إيران، وضمن مخطط عالمي في إطار تجديد الحرب الباردة. ويجري كل ذلك تحت شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مجندة متساقطي اليسار المأزوم، وحطام المناضلين والمثقفين على الصعيد العربي، مسترشدين بمقولة صحافي بريطاني بأنه «لكل إنسان ثمن، حتى ملكة بريطانيا»، وأموال النفط كفيلة بدفع الأثمان.

لكن هذا الحلف الرجعي العربي ومن يقف خلفه ليسوا مثالا يحتذى للديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان ـ وخدام الحرمين الشريفين ومطاوعتهم ليسوا مثالا للعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة. و«درع الجزيرة» ليس «جيش» الأم تريزا في البحرين. وأمير قطر المثقل بأموال النفط العربي المنهوب ليس خليفة عنترة بن شداد، وسورية ليست البحرين، وليست ليبيا. ليست سورية وحدها عربيا وإقليمياً ودولياً، ليست مع الماضي، بل مع حركة التاريخ الى المستقبل. جيشها ليس من المرتزقة، ودعائمها القومية والوطنية ليست من قصب، وفهم الصراع الدائر حولها يتطلب الخروج من زواريب حماه وحمص القديمة والنظر إليه من أفق عالمي وإقليمي وبعد تاريخي. وإلا ... فان طريق الخيانة معبدة بالنوايا الحسنة وبالغباء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2181108

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2181108 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40