الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011

ماذا حدث لسيادة اللواء؟

الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. علاء الاسواني

سيادة اللواء وفضيلة الشيخ يشتركان في أمور كثيرة... الاثنان جاوزا السبعين ويتمتعان بصحة جيدة. الاثنان ينامان ويستيقظان مبكرا كما أن الاثنين يسكنان في الحي ذاته: التجمع الخامس. بل ان القصر الفخم الذي يقيم فيه فضيلة الشيخ لا يبعد عن قصر سيادة اللواء الا بضع دقائق بالسيارة. كل هذه الاعتبارات تسهل لقاءهما عند الضرورة. مع التطورات التي حدثت الأسبوع الماضي اتصل فضيلة الشيخ بسيادة اللواء وطلب لقاءه فوافق على الفور واتفقا على أن يتناولا الافطار معا. في اليوم التالي الساعة الثامنة صباحا.. توقفت أمام قصر سيادة اللواء السيارة المرسيدس السوداء الفارهة التي تقل فضيلة الشيخ وسرعان ما قفز منها اثنان من الحراس الشخصيين. فتح أحدهما الباب لينزل الشيخ بينما راح الحارس الآخر يجول بنظره محدقا كالصقر في أرجاء المكان وقد استعد بيده على زناد البندقية الآلية التي يحملها. كان اللواء ينتظر الشيخ على المائدة في قاعة كبيرة متفرعة من بهو القصر. رحب اللواء بالشيخ الذي احتضنه بود ثم جلس بجواره. على المائدة كان الافطار يجمع بين فنون المطبخ الفرنسي وتقاليد الريف المصري العريقة. راح السفرجي النوبي يقدم الأطباق بلهجة مهذبة وحروف واضحة: «كان هناك كرواسون وباتيه بالجبن واللحم والسبانخ و كان هناك أيضا فطير مشلتت ساخن وفول مدمس وبيض وانواع عديدة من الجبن ثم أطباق صغيرة ممتلئة بالعسل الأبيض بالقشدة».

كان ذلك افطار عمل كما يقول الدبلوماسيون. راح اللواء والشيخ يأكلان ويتحدثان. بدأ اللواء قائلا :

ـ ألف مبروك نجاحك في الانتخابات يا فضيلة الشيخ.

ـ الحمدلله. ربنا نصرني وما النصر الا من عند الله.

ـ ونعم بالله.. بصراحة. بقدر فرحتي بفوزك الساحق الا أن لي عتابا عليك.

ـ خير يا سيادة اللواء؟

ـ يا أخي .. لما يكون عندك ملاحظة على قرار أنا اتخذته، لماذا لا تتصل بي مباشرة بدلا من أن توجه لي نقدا في الاعلام.

ـ حاضر يا فندم.

هكذا قال الشيخ ثم قضم البيضة المسلوقة التي في يده. على أن اللواء انفعل فجأة قائلا :

ـ على فكرة دي مش أول مرة.. كل مرة تقول لي كلام وتعمل العكس.

قطب الشيخ حاجبيه كأنما انزعج من لهجة اللواء وقال بنبرة جافة :

ـ سيادة اللواء. الموضوع لا يستأهل كل ذلك.

ـ لأ يستأهل. أنت تريد أن تعمل بطلا على حسابي.

ـ أنا لم اخطئ. لقد عبرت عن رأيي في الاعلام. ورغم ذلك لن أكرر ذلك اكراما لك

ـ أنا لا أحتاج الى كرمك.

ـ يا فندم. أنت تعلم احترامي لك، لكن لا تنس انني أمثل الشعب.

ـ لقد أردت لك أن تفوز ففزت في الانتخابات، ولو أردت لك أن تخسر لكنت خسرت.

هنا وضع الشيخ اللقمة في فمه وبعد أن مضغها وبلعها قال لسيادة اللواء :

ـ اسمح لي أنت لست سبب نجاحي. لقد نجحت بتوفيق ربنا ومجهودي.

ـ أنت باين عليك صدقت نفسك.

ـ سيادة اللواء. أرجو أن تتمالك أعصابك. أنا أحترم سيادتك وأتوقع أن تحترمني.

كان اللواء قد بدا عليه التحفز وهمس بشيء ما للسفرجي الذي غاب لحظة ثم عاد بحقيبة صغيرة مغلقة وضعها بجوار مقعد الشيخ .مرت لحظة من الصمت ثم قال اللواء :

ـ أرجو أن تأخذ هذه الحقيبة معك الى البيت. افتحها وافحص محتوياتها جيدا.

ـ ماذا في الحقيبة؟

ـ كل المخالفات التي ارتكبتها موثقة بالصوت والصورة. سوف تجد بيانا بالأموال التي قبضتها.

ـ عن أية أموال تتحدث؟

ـ أنت تفهمني جيدا. الأموال التي انهمرت عليك من الخارج. في هذه الحقيبة سوف تجد صورا من الشيكات التي قبضتها بأرقامها وتواريخ صرفها.

ـ يا سيادة اللواء من فضلك.

سوف تجد وقائع شراء الأصوات التي قمت بها. سوف تجد فيديوهات تثبت كيف استغللت جهل الناس وفقرهم من أجل ارغامهم على التصويت في صالحك.

ـ يا فندم. لا داعي لهذا الكلام.

ـ كل هذه الأدلة سوف أتقدم بها في بلاغات ضدك وسوف نترك الأمر كله للقضاء.

ـ يا فندم أرجوك.

ـ هل يضيرك تنفيذ القانون يا فضيلة الشيخ؟

ـ بل يضيرني غضب سيادتك.. أرجوك يافندم لا تغضب.

تنهد اللواء وعاد بظهره الى الخلف ورشف من فنجان الشاي وقال :

ـ يبقى كل ما أقوله يجب أن تسمعه.

ـ تحت أمرك.

ـ اياك أن تتصور في أية لحظة أنك أصبحت قويا وأنني لن أقدر عليك.

ـ يا فندم أنا ديني يأمرني بطاعتك.

ـ يبقى لما يكون عندك ملاحظات تقول لي قبل ما تتكلم في الاعلام. مفهوم؟

ـ مفهوم يا فندم.

اندفع الشيخ يقول كأنما يريد أن يستعيد الصفاء بينهما :

ـ يحزنني أن تشك سيادتك حتى الآن في اخلاصي.

ـ أفعالك هي الفيصل.

هكذا قال اللواء بهدوء فاندفع الشيخ يقول :

ـ يا فندم. لقد كنت أطالب من البداية بدستور جديد للبلاد. كان هذا موقفي المعلن، لكني عندما علمت أن رغبة سيادتكم اجراء تعديلات على الدستور القديم، غيرت موقفي تماما وساندت التعديلات بكل قوة.. أظن سيادتك تذكر ذلك.

هز اللواء رأسه واستطرد الشيخ قائلا :

ـ لم أتخذ موقفا واحدا ضد سيادتك. من أجلك أنت خسرت أصدقاء كثيرين. حتى أثناء الاحداث الدامية المؤسفة لم أفتح فمي بكلمة ضد سيادتك.

ساد الصمت من جديد وقال الشيخ بالحاح :

ـ خلاص يا فندم. سيادتك راض عني؟

قال اللواء :

ـ بشرط أن تسمع الكلام.

ـ تحت أمرك.

انتقل الشيخ واللواء الى الحديث عن تفاصيل ما سوف يفعلانه معا في المستقبل. كانا قد انتهيا من الطعام واقترح اللواء أن يشربا القهوة في المكتب. سارا عبر الردهة الطويلة حتى دخلا من الباب قاعة المكتب الفخمة الفسيحة. جلس اللواء خلف المكتب المصنوع من خشب الأرو بينما جلس الشيخ في المقعد الوثير المواجه له. كان اللواء قد أعد ورقة صغيرة بالموضوعات التي يريد أن يناقشها مع الشيخ.. على مدى ساعة تحدث اللواء والشيخ واتفقا تماما في وجهات النظر. انتهى اللقاء بطريقة ودية واصطحب اللواء الشيخ وظل واقفا يلوح له بيده حتى ابتعدت السيارة. كان اللواء يحس برضا كامل عن اتفاقه مع الشيخ، وكانت لديه تقارير كثيرة يجب أن يطالعها فعاد الى مكتبه وهرع اليه الفراش بفنجان القهوة المضبوط. قرأ الأوراق وأجرى عدة اتصالات تليفونية مهمة وبعد نحو ساعة من العمل، عاد اللواء بظهره في المقعد ووضع يديه خلف رأسه. كان يريد أن يستريح قليلا لكنه لما أغمض عينيه وفتحهما وجد شيئا غريبا على الجدار المواجه للمكتب. لمح تهويمات أو خيالات تتحرك على الجدار أمامه. أحس اللواء بانزعاج وحدق من جديد فرأى على الجدار أربعة أو خمسة وجوه لشبان في العشرينات من العمر. الغريب أن وجوه الشبان كانت هيئتها واحدة. كانوا يتطلعون اليه بعين واحدة أما العين الأخرى فكانت فارغة مثقوبة تعكس فراغا أسود. أحس سيادة اللواء برهبة، وتأكد له أنه يعاني من هلوسة ما نتيجة للارهاق. فكر أن هذه التهيؤات سوف تتلاشى بالتأكيد اذا نال قسطا من الراحة. أغمض عينيه لحظات ثم فتحهما من جديد لكن الوجوه لم تختف من فوق الجدار بل ازدادت. الوجوه ذات العيون المفقودة انضمت اليها وجوه أخرى كلها مصابة بطلقات رصاص في أعلى الرأس أو في الرقبة. كانت الوجوه كلها تحمل تعبيرا واحدا غامضا نهائيا. صارما ومخيفا. غرق اللواء في الحيرة وانحنى الى الأمام وقد وضع رأسه بين يديه. بعد حوالي دقيقتين. رفع رأسه وهو يتفادى النظر الى الجدار ثم أضاء نور الحجرة على آخره. كانت هذه محاولته الأخيرة .كان أمله أن يبدد النور الساطع الخيالات التي تطارده. راح قلبه يدق بقوة ثم فتح عينيه ونظر في الضوء , كان الجدار قد صار مزدحما عن آخره بالوجوه. بالاضافة الى الوجوه ذات العيون المثقوبة والوجوه التي تحمل طلقات الرصاص ظهرت وجوه أخرى كثيرة، وجوه مربدة متشنجة كأنها مختنقة بغازات سامة ووجوه ملامحها مشوهة تماما كأنما قد تم دهسها تحت عجلات سيارة. هذه المرة أحس اللواء بأن الوجوه كلها تتزاحم عليه. تقترب منه وهي تحمل كلها فكرة واحدة. كأن لها جميعا ارادة معينة تصر على تنفيذها. مد اللواء يده ورن الجرس بعنف عدة مرات فهرع اليه سكرتيره الخاص. حاول اللواء أن يبدو متماسكا. تبادل معه حديثا عابرا وعندما نظر السكرتير نحو الجدار فهم اللواء حالا أن الوجوه الرهيبة التي تطالعه لا يستطيع السكرتير أن يراها. عندئذ صرف اللواء السكرتير وأسرع بالخروج من المكتب وهو يقنع نفسه بالتفسير الوحيد الذي يستطيع تقبله. استقر في يقينه أنه مرهق وأن هذه الأشكال التي لاحت على جدار مكتبه ليست الا ظلالا صورها له ذهنه المتعب.. بذل اللواء مجهودا مضنيا حتى سيطر على نفسه و عاش يوما عاديا بل انه تعمد أن يأخذ زوجته وابنته الكبرى الى النادي بعد الظهر حيت تناولوا العشاء.. عندما عاد الى البيت دخلت زوجته لتنام بينما جلس هو وحيدا أمام التليفزيون في الصالة الكبيرة التي تقع في الدور الأول للقصر. كان يحس بقلق حقيقي. كان يخشى الدخول الى مكتبه. لم يصدق نفسه عندما تطلع الى الستارة الكبيرة أمامه فوجد نفس الوجوه .نفس العيون المثقوبة والوجوه المختنقة بالغاز والوجوه المقتولة بالرصاص والوجوه الممزقة المشوهة المدهوسة تحت العجلات.. أحس اللواء بفزع. ارتعد. كاد يصرخ. رفع كفيه ليغطي بهما عينيه حتى لا يرى كل هذه الوجوه المقتولة لكنه فوجئ بأن يديه ملطختان بالدم تماما.. ماذا حدث لسيادة اللواء؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010