الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011

الرؤية «الإسرائيلية» للثورات العربية

الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. فواز موفق ذنون

راقبت «إسرائيل» تطورات الأوضاع السياسية في بعض الدول العربية وما شهدته من حراك شعبي وصل إلى مستوى انتفاضات وثورات أطاحت بعض أنظمة تلك الدول، فأخذت دوائر صنع القرار السياسي في «إسرائيل» تسعى إلى دراسة هذه التغيرات ومدى تأثيرها في وضع «إسرائيل» السياسي والأمني في المنطقة.

بسبب عنصر المفاجأة التي أحدثتها تلك الثورات بتمكنها من إسقاط أنظمة سياسية، فقد تباينت ردود الأفعال «الإسرائيلية» حيال تلك الثورات، إذ برز تياران داخل القيادة «الإسرائيلية» اختلفا في نظرتهما لطبيعة وأبعاد تلك الثورات، فيرى جناح يتزعمه الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز أن الثورات العربية قد تكون حالة إيجابية تنعكس على «إسرائيل»، وقال في كلمة نشرتها صحيفة «هارتس» ما نصه «إن الثورات العربية سببها الفقر والظلم وإن زوال هذين السببين المؤديين للثورات، قد يسفر عنهما أنظمة ديمقراطية مزدهرة تسعى إلى تحسين العلاقات العربية «الإسرائيلية»». ويعتقد بيريز أن الفقر والظلم وغياب العدالة الاجتماعية عناصر أسهمت في تغذية مشاعر العداء والكراهية للوجود «الإسرائيلي» في المنطقة.

ويؤكد أصحاب هذا الرأي بان موضوع «إسرائيل» لم يكن له مكان في أجندة الثورات العربية، حيث يؤكد عاموس يادلين وهو جنرال ورئيس سابق للاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» (أمان ) بأن «إسرائيل» لم تكن لب المشكلة بالنسبة للمجتمعات العربية عندما اندلعت الثورات العربية، بل إن قضايا الفقر والبطالة والمشكلات الاقتصادية هي التي تهم تلك المجتمعات وهي التي بسببها قامت تلك الثورات.

وتؤيد هذه النظرية تسيبي ليفني زعيمة المعارضة «الإسرائيلية» ورئيسة حزب «كاديما». وتشير إلى أن الثورات العربية لم تعاد «إسرائيل»، بل قامت من أجل تلبية حقوق شعوبها مطالبة في الوقت ذاته بضرورة التحرك لمد جسور التواصل مع الأنظمة الجديدة للوصول إلى تسوية وتطبيع للعلاقات بين العرب و«إسرائيل»، ويذهب مؤيدو هذا الجناح بعيداً عندما بدأوا يطالبون بالعمل على توقيع اتفاقيات سلام مع الأنظمة الجديدة التي سوف تفرزها تلك الثورات، ويعلل المؤرخ «الإسرائيلي» توم سيغيف ذلك بأن اتفاقيات السلام السابقة كانت مع أشخاص حكام ولم تكن مع الشعوب العربية.

في مقابل هذه النظرة المنفتحة على الثورات العربية، كان لبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» رأي آخر، فقد تزعم نتنياهو الجناح المعارض لتلك الثورات، ويؤكد نتنياهو بان الثورات العربية ستفضي إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة العربية ستنعكس سلباً على «إسرائيل» وهو الأمر الذي اتفق معه ايهود باراك وزير الدفاع «الإسرائيلي» الذي يعتقد بان المنطقة تشهد هزات عنيفة ستؤثر في صيرورة الأوضاع المستقبلية، مؤكداً أن الأمر يستحق من «إسرائيل» مراعاة التأهب واليقظة لمواجهة تلك التغيرات.

ومن أجل فهم حقيقة تلك التخوفات التي أبدتها الحكومة «الإسرائيلية» والتي أصبحت هي النظرة السائدة رسمياً وشعبياً داخل «إسرائيل»، لابد أولاً من فهم طبيعة الارتباطات «الإسرائيلية» بمحيطها الإقليمي وصولاً إلى دراسة طبيعة تأثير الثورات العربية في تلك الارتباطات وشبكة المصالح «الإسرائيلية» الإقليمية في المنطقة.

فـ «إسرائيل» إضافة إلى الدعم الدولي، فإنها كانت ترتبط بمنظومة إقليمية من خلال شبكة التحالفات التي أقامتها مع دول المنطقة كتركيا ومصر والأردن، وهذه التحالفات أمنت لها مصالحها الاستراتيجية من خلال المحافظة على أمنها القومي، فضلاً عن ذلك استطاعت «إسرائيل» من خلال سياسة المحاور والتعاقدات مع تلك الدول أن تؤمن لها هيمنة إقليمية في تلك المنطقة.

غير أن تدهور العلاقات التركية «الإسرائيلية»، وبروز حركة التغيير العربية وسقوط النظام السياسي في مصر، واقتراب حركة التغيير من الأردن، شكلت تهديداً حقيقياً للمنظومة الإقليمية التي كانت تعتمدها «إسرائيل» مما استوجب على الأخيرة إعادة قراءة أوضاع المنطقة من جديد وترتيب أوراقها بالتعاون مع الولايات المتحدة للمحافظة على أمنها ووضعها في ظل الثورات العربية التي تجتاح المنطقة في المرحلة الراهنة.

أمنياً وعسكرياً، كانت للمؤسسات الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» هواجسها هي الأخرى من الثورات العربية، إذ يعتقد دان شوليفتان نائب مدير مركز الدراسات الأمنية بجامعة حيفا ومحاضر بكلية الدفاع الوطني التابعة للجيش «الإسرائيلي»، أن أكبر التغيرات في ما يخص الاستراتيجية الأمنية لـ «إسرائيل» تتمثل بتغيرات القوة العسكرية في داخل الدول العربية، وخاصة في مصر، ذلك أن انشغال المؤسسة العسكرية في مصر بالتجاذبات السياسية مع الأحزاب والتيارات السياسية المصرية سيجعل تلك المؤسسة تنشغل عن ضبط الحدود المصرية «الإسرائيلية» ما يسمح للحركات المسلحة بالقيام بأنشطة معادية ضد «إسرائيل»، بمعنى آخر سوف لن يكون لمصر (كما كانت سابقاً) الملاذ الإقليمي الذي حافظ على الهدوء في المحيط «الإسرائيلي». ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن الثورات العربية التي أطاحت بأنظمة الحكم أسهمت في غياب قوة الدولة في ضبط الحدود العربية «الإسرائيلية» ما يشكل تحدياً لأمن «إسرائيل»، فالحدود «الإسرائيلية» مع مصر وسوريا غير مستقرة بشكل كبير والحدود “الإسرائيلية” مع الأردن في خطر دائم.

كما يرى صانع القرار «الإسرائيلي» أن الفراغ في السلطة العربية قد يدفع بتركيا للتقدم لسد هذا الفراغ والسعي نحو الهيمنة الإقليمية، وهذا مايدفع دول المنطقة ذات النفوذ الإسلامي المتنامي للاقتداء بتركيا وجعلها نموذجاً جذاباً يحتذى في أنظمة حكمهم.

ومادمنا بصدد الحديث عن النموذج الإسلامي، فالحقيقة ان تصاعد المشروع الإسلامي في المنطقة العربية، واعتبار البعض بأنه البديل الناجح للحلول محل الأنظمة السابقة، قد أثار مخاوف حقيقية داخل القيادة «الإسرائيلية» التي باتت تنظر إلى نمو وتصاعد القوى والتيارات الإسلامية بقلق شديد لما قد يسفر عنه هذا الصعود من تشكيل بيئة (معادية) محاطة بها، فضلاً عن أن هذه التيارات اذا ما وصلت إلى سدة الحكم فإنها قد تعمل على تشكيل جبهة عربية إسلامية داعمة للفلسطينيين وبالتالي تفعيل البعد العربي الإسلامي نحو نصرة القضية الفلسطينية.

خلاصة القول تعتقد «إسرائيل» أن مرحلة الثورات العربية تمثل تحدياً سياسياً وأمنياً للوجود «الإسرائيلي»، وذلك لوجود عاملين أساسيين يمثلان خلاصة الهواجس «الإسرائيلية» من الثورات العربية، وهما يتعلقان بمستقبل «إسرائيل» السياسي والأمني في المنطقة العربية، فالعامل السياسي يتمثل بوصول أنظمة سياسية جديدة مدعومة شعبياً سوف تكون أقل استجابة للضغوط الأمريكية و«الإسرائيلية» وأكثر استجابة لتطلعات شعوبها، وهذا سوف يلقي بظلاله على مستقبل العلاقات العربية «الإسرائيلية» باعتبار أن ذلك سوف يسهم في إضعاف تطبيع العلاقات العربية مع «إسرائيل» المكروهة شعبياً في المنطقة العربية، العامل الثاني وهو العامل الأمني، إن الثورات العربية قد وضعت نهاية لاعتماد «إسرائيل» ولعقود طويلة على حلفائها في المنطقة الذين كانوا يسعون لتأمين وجودها، وبالتالي سوف تجد «إسرائيل» نفسها أمام مرحلة غاية في الصعوبة في ظل تصاعد حركات الممانعة ضد وجودها.

على أن «إسرائيل» وهي تجد نفسها أمام تلك الاحتمالات، فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى ان هناك تحولات استراتيجية تحدث بالقرب من حدودها، لذا فإنها لن تتردد في اتخاذ إجراءات وخطوات تؤمن لها وجودها ومستقبلها ضد أي خطر خارجي محتمل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178600

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178600 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40