الثلاثاء 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

القدس بين الخط الأحمر والقبة الصفراء!

الثلاثاء 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د.امديرس القادري

ما هي المقدمة التي يمكن أن تساعد الإنسان حتى يستطيع أن يعطي للقدس حقها من هذه البضاعة التي ليست سوى كلمات؟ فهناك عناوين ومضامين لا بد وأن تستسلم أمامها المفردات ويظهر مدى عجزها، ومهما حاول كاتبها أن يغذيها بشحنات القوة اللغوية التي تليق بها، فكيف سيكون الحال إذا كانت القدس هي المقصودة؟ وهل يمكن الحديث عن القدس وحدها وبمعزل عن فلسطين المغتصبة والمنكوبة؟ فهذه العلاقة الجدلية بين فلسطين والقدس أو العكس سوف تبقى سراً من أسرار التاريخ ونشأة الكون، ولن يعلم حقيقتها سوى السماء التي ترعاها وتراقب وترصد كل ما يجري على أرضها، ووحدها العناية الإلهية هي المخولة والقادرة على حماية ما بداخلها من قداسة وعظمة.

شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب هو الذي صرّح مؤخراً بأنّ تهويد القدس خط أحمر، ولذلك فهو يحذّر «إسرائيل» والقوى التي تدعمها من التداعيات التي يمكن أن تنتج عن استمرار مشروعات التهويد وطرد السكان الأصليين، هذا الكلام في مضمونه لا يحمل جديداً، ولكن أهميته تنبع من أهمية ومكانة المتحدث، وصاحب التصريح، وما يمكن أن يتبادر إلى ذهن كل عربي ومسلم غيور على مقدساته عندما يقرأ وبكل جوارحه هذا الحديث.

لن نزاود على الدكتور الطيب وهو يعكس حرصه وتخوفه مما قامت به ولا تزال «إسرائيل»، ولن نضيف لمعلومات شيخ الأزهر إذا ما كررنا على مسامعه سرد لكل الجرائم البشعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق كتاب الله، ودور العبادة، والمقابر إلى باقي المعالم الإسلامية والمسيحية التي لم تسلم من اعتدائهم عليها وتخريبهم لها، فنحن على ثقة تامة من قيام الشيخ بدوره على هذا الصعيد، فالواجب يملي عليه متابعة كل ما يجري على أرض فلسطين من انتهاكات في القدس أو في غيرها.

التحذير والاستنكار والخط الأحمر، ومخاطبة «عقلاء اليهود» من العواقب الوخيمة التي قد تنجم بسبب ممارسات الاعتداء على القدس وأقصاها، فالمقدسات على أرضها لا تشكّل قضية وطنية فلسطينية أو قومية عربية فقط بل قضية إسلامية عقائدية، لذلك فإنّ عليهم احترام حق وحرية الأديان، والتوقف الفوري عن كل محاولات التخريب التي يقومون بها، والتي تجد كامل الدعم والمساندة من كل المؤسسات الرسمية داخل هذا الكيان الصهيوني العنصري، هذه هي خلاصة موقف الأزهر.

أما الموقف والتحذير الثاني، فقد جاء في بيان صدر عن دائرة الأوقاف والمقدسات الإسلامية في القدس ولجنة المتابعة في الداخل الفلسطيني المحتل والقيادات الوطنية والإسلامية ووجهاء القدس وأهلها، وهذا التحذير الموجه إلى الحكومة الصهيونية، صدر كي ينبّه من مخاطر المخطط الذي تقوم بتنفيذه، والرامي إلى هدم باب المغاربة المؤدي للمسجد الأقصى المبارك وبناء جسر بديل. البيان يناشد الاحتلال إذا كان «عاقلاً» بالتوقف عن محاولة الهدم هذه، لأن ذلك سيقود إلى حرب لن تبقي ولن تذر.

الأزهر الشريف من القاهرة يخاطب «عقلاء اليهود» ويحذّرهم، والمؤسسات الدينية الفلسطينية تحذّر «عقلاء الاحتلال»، وإذا ما جاز لي أن أعتبر نفسي كواحد من عقلاء المسلمين فإنني وبكل القطع والجزم لا يمكن أن أتفق مع أيّ وجهة نظر تتحدث عن وجود صفة التعقل لدى هذا الكيان ومؤسساته، كيف يمكن لنا أن نراهن على وجود عقلاء فيه وهو لا ينفك عن تحطيم وسحق كل القيم الإنسانية؟ إنّ الحرث في البحر أهون من ذلك بكثير.

هذه عصابات لا تجتمع إلاّ على الدم والقتل، وعلى رفض قبول الآخر، وهذا هو المبدأ الذي أقامت عليه كيانها ومنذ أن أعطاها بلفور البريطاني الوعد بالمساعدة على تحقيق ذلك، وحتى لا نغرق في بحور التاريخ فإنّ المراجعة السياسية للعقدين الماضيين وما رافقهم من مشوار تفاوضي عبثي وعقيم بين السلطة الفلسطينية وحكومات هذا الكيان المتعاقبة تؤكد على صحة ما نقول وما نطرح، فأيّ تعقل هذا الذي نتحدث عنه عند هؤلاء الزناة الذين بات وجودهم يشكّل وصمة عار على جبين الإنسانية الحرة انطلاقاً من أفعالهم وجرائمهم التي يجب أن يندى لها الضمير العالمي وحيثما يكون؟!

علينا أن نعترف وعلى مدى السياق التاريخي للمشكلة بأننا خذلنا فلسطين وشعبها، والقدس ومقدساتها، لقد قصّرنا وتقاعسنا بحقهم، وتحوّل الشجب والاستنكار والتهديد الفارغ إلى كلام لا يقدّم ولا يؤخّر في نظر سفلة هذا التاريخ من بني صهيون، لذلك فقد أدمنوا عليه بعد أن أيقنوا أنّهم قادرين على تنفيذ كل مخططاتهم السوداء دون أن يأبهوا لموقف دولي أو عربي أو إسلامي، مليار مسلم وأكثر ومن خلال عشرات المؤسسات التي تمثّلهم يستنكرون، وهم بالمقابل ينفّذون ويفعلون كل ما يرونه مناسباً وخادماً لأطماعهم ولرغباتهم في التهويد، والاستيطان، والهدم، والاستيلاء على بيوت الناس وإلقاءهم في العراء!

الدخول إلى القدس لمجرد الصلاة فيها ممنوع، وقد يتحوّل إلى رحلة موت وعذاب، وإفراغ المدينة من سكانها الأصليين هو ما يحاولون تنفيذه وعبر العديد من السياسات العنصرية البغيضة، واعتبارها عاصمة تاريخية أبدية لكيانهم المزعوم بات خط أحمر استراتيجي لا تستطيع أيّ حكومة الاقتراب منه أو المساس به أو التراجع عنه، ونحن بالمقابل نحاول مخاطبة عقلاء عندهم فأيّ منطق يختفي وراء ذلك!

خطوط القدس الحمراء وقبة صخرتها الصفراء اللامعة ومسجدها بحاجة إلى أن يولد صلاح الدين من جديد لكي يحررها من الذين اغتصبوها، لقد ضاقت حجارتها ذرعاً بكل مفردات الاستنكار والتهديد في الوقت الذي يحيط بها ملايين من المسلمين، لكنّهم وللأسف لا يريدون تحريك ساكن، القدس تنادي حي على الجهاد، والمسلمين هم خير من يعرف دروبه وأبوابه، وتوفّر شروطه اللازمة لكي يبدأ بالأفعال وليس بالأقوال. فهل يا ترى سنجد في هذا الربيع العربي ما يحرّكنا خطوة نحو القدس؟ أم أننا على أبواب أميال جديدة من التراجع، فالوصول إلى «سويمة» للاستنكار جيد لكنه لم يعد كافياً، والله المستعان وهو من وراء القصد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2181074

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181074 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40