الأحد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أسئلة «الميدان» الكثيرة

الأحد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. نهلة الشهال

... وهي كثيرة إلى حد أنه يمكن الاكتفاء بإثارتها، واعتبار الأجوبة مؤجلة، ستصوغها السيرورات المتعددة الاحتمالات، ومنها العائدة للتطورات على الأرض في ميادين القاهرة وشوارعها وسائر مدن مصر، وهناك الأسئلة الأخرى التي تحددها توازنات القوى ومصالحها.

فكيف يتأتى لشباب مصر أن يتجاوزوا السياق المخطط للسياسة، ما اتفق عليه المجلس العسكري وحكومته، والأحزاب الكبيرة كالإخوان والوفد، وتحالفات كل منهما مما يشمل تعبيرات الحياة الحزبية المنظمة كافة أو يكاد، ليفرضوا على الجميع، رغماً عنهم وعلى رغم غيظهم، التعاطي مع ترتيب آخر للمعطيات والأولويات؟ كيف أمكن ائتلافات الثورة التي نشأت في ميدان التحرير الأول في كانون الثاني (يناير) الفائت، وحركات أخرى كـ «6 أبريل» وغيرها (مثلت إرهاصات هذا الذي جرى من دون أن تُحمل وقتها على محمل الجد، ثم بقيت في خانة ما يُفترض به تعريفاً الهامشية)، أن تفرض التعاطي مع رؤيتها لما هو مهم وممكن في مصر اليوم؟

هل المفارقة تفضح «المؤامرة»، كما يقول بعضهم؟ من يتآمر على مصر؟ الولايات المتحدة التي يبدو أنها زودت الأمن المركزي، قوات النخبة في الشرطة، قنابل غاز مسيلة للدموع لكنها تقتل بلا توقف. واشنطن بإمارة القبض على ثلاثة شبان أميركيين كانوا يلقون الحجارة بل حتى قنابل «المولوتوف» على الشرطة، تبين أنهم طلاب في الجامعة الأميركية في القاهـرة، ولعلهم لو لم يشاركوا هنا لكانوا الآن في اعتصام «احتلوا وول ستريت» في نيويورك؟ قانوناً لا يحق لهم كأجانب الاشتراك في الإضراب والاعتصام، ولكن ماذا بعد ذلك؟ ألم يعرض نفسه لـ «البهدلة» المفكر الكبير محمد سليم العوا، وهو مرشح للرئاسة، بعدما صرح بأن خطاب المشير «نقلة كبيرة في الديموقراطية»، (وهذا رأي، وهو حق للجميع)، وأردف أن «ثوار التحرير لم يفهموا المغزى السياسي» (وهذا أيضاً رأي، لكن تعاليه كريه)، لينتهي بقول أحدهم له إن «جنيهات توزع في المقاهي للتخريب»، وإن هناك تخريباً بدليل وجود «أجانب بين الموقوفين»!

ستصبح فكرة المؤامرة التي تفسر ما يجري لنا، وتعيّنه بأنه عبَث أمني واستخباراتي غامض، من الأساطير المؤسِّسة للثورة المضادة، لذلك الميل للقبول بـ «السخونة بدلاً من الموت»، و «القرف الذي تعرفه عوضاً عن المجهول الآتي». ولا يبدو أن شباب ميادين وشوارع التحرير يشاطرون هذا المزاج العتيق إلى حد العفن.

ما قانون المراوحة بين أوجه عدة يمارسها الإخوان المسلمون؟ وكيف سينتهي بهم المطاف؟ ما فلسفتهم السياسية التي لا يمكن (لا يُعقل) حصرها في ترتيبات الوصول إلى السلطة، وإلا لكان الأمر صغيراً جداً، ومجهضاً للآمال؟ ودافع السؤال ليس عدائياً بالمرة، بل على نقيض ذلك، ينطلق من الحرص على لعب الإخوان المصريين دوراً متقدماً في العملية الثورية الجارية، إن لم يكن محبة بهم فاعترافاً بما يمثلون من ثقل لا يمكن تجاهله، وبما يعنون من مثال سيؤثر في مسارات سائر مجتمعات المنطقة وبلدانها. ولا تكفي تصفية موقف الإخوان بالقول «انتهازيون»، كما، في المقابل، لا يمكن أي سلطة أن تستقل عن الاشتراطات التي حكمت الوصول إليها، ولا يمكن «تنظيفها» بعد الإمساك بها. كيف يتعايش «الإخوان» مع طرد زعيم حزبهم السياسي، السيد البلتاجي، من الميدان حين جاءه زائراً لتسجيل موقف ينتمي إلى تلك المراوحة، بينما هم يعلنون أنهم يمتنعون عن المشاركة وأن مطالب الثائرين «غير واقعية»؟ كيف يتعايشون مع حقيقة أن شبابهم في الميدان، بقرار أو من دونه، وأنهم يختلطون هناك بالشباب اليساري والليبرالي والمتمرد، مثلهم في ذلك كمثل شباب التنظيمات السلفية (حزب النور أيضاً يمتنع ويتكلم على قلة الواقعية)، ما يجعل الجميع يتغير، هم ومقابلوهم، ومما يعد بتفاعلات لا يمكن أحداً التكهن بها.

ما دور الأزهر المتجدد؟ ما التعديل في العلاقة بينه وبين السلطة؟ قرأنا وثيقة الأزهر منذ أسابيع، وهي لم تنل حقها من الاهتمام. واليوم نرى مجموعات من شباب الأزهر ينزلون إلى الشوارع للفصل بين المتظاهرين والشرطة وتحقيق «هدنة». وهو دور ينبغي لجهة ما أن تتولاه، طالما وصلت الأمور إلى الهدنات! لكننا سمعنا خصوصاً شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، يطلق صرخته: «الجيش والشرطة مسؤولان عن وقف العنف»، ما يبدد تلك الميوعة التي تحيل المسؤولية ضائعة أو متقاسَمة. ثم يقول إن «الحوار المضمخ بالدم مشؤوم»، وهي جملة ستذهب مثلاً وتدخل في حِكَم التاريخ.

كيف يجرؤ المشير في خطابه على اقتراح إخضاع سلطة المجلس العسكري الحالية إلى استفتاء، وهو لم يصل إلى تلك السلطة باستفتاء؟ هل نحن أمام «ديموقراطية» من نوع جديد، «عسكريتاريا شعبوية» مثلاً، أم هذا تجديد للـ99 في المئة العتيدة، ولو أن المشير لا يمكنه نيل تلك النسبة اليوم؟ لكن الأمر ليس في النسب والشعبيات، بل يُفترض أنه عائد فحسب إلى احترام السيرورات المفضية إلى المرحلة الجديدة وتطبيقها. ثم ما هو الكائن الهجين الذي سيولد من تركيب أجزاء من القديم على الجديد؟

هل السلطة في مصر عادت مراكز قوى؟ هل وزارة الداخلية وقيادة الشرطة مستقلتان عن المجلس العسكري وحكومته؟ من يقود الأمن المركزي الذي عاد للظهور بشراسة مضاعفة؟ تحمل على طرح هذه الأسئلة تناقضات تتجاوز توزيع الأدوار بين تلك الأجهزة، وأيضاً وعلى الأخص، إرسال الجيش للفصل بين الشرطة والمتظاهرين!

ما تركيب قنابل الغاز التي لا تقتل إلا في مصر؟ شاهدت يوماً في أثينا كمية تفوق الوصف منها تطلق على متظاهرين كانوا هم أيضاً في غاية العنف، تتقدمهم تنظيمات فوضوية (هذه ليست شتيمة بل اسم لتيار فكري وسياسي) من مجموعات «الكتل السود». ولم يسقط قتلى. فرض عدد القتلى في مصر بقنابل الغاز أن تتحرك النيابة العامة لتتحفظ على عبوات نزل فريقها لالتقاطها من ميدان التحرير. فرض على ممثلة منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن تحدد للشرطة بكل براءة الوسيلة القانونية لإطلاقها، «في الهواء وليس على مستوى الأرض»، وفرض على اللواء سامي عنان، نائب المشير والرجل الذي تعقد عليه واشنطن الآمال، أن يصرح علناً بأن الجيش سيتولى تحليل الغاز وتحديد نوعه، وسط جدل بأنه من غازات الأعصاب المحرّمة دولياً، ووسط تأكيد أنها تحمل كلها دمغة «صُنع في الولايات المتحدة» وتأكيد صلاحية تواريخها، وسط الحزن على الطبيبة الشابة رانيا فؤاد التي قتلها الغاز، مِن جملة من قتل.

البقية تلي!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010