الأحد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أَلـْغـَـازُ الغاز

الأحد 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par عبد الرحمن يوسف

في موقعة الغاز التي بدأت قبل خطاب السيد المشير، وتضاعفت بعد خطابه بساعة أو أقل، يستغرب المرء من تشابه الظروف، ومن تطابق التفكير، ومن عدم قدرة الإنسان على الاتعاظ بغيره.

في الخامس والعشرين من يناير شممنا من الغازات ما يكفينا لبقية العمر، ولم نكن نعلم أن نصيب الثائر المصري من الغازات لم ينته بقدوم يوم الحادي عشر من فبراير، وأن الدولة المصرية قد قررت أن (تصرف) لكل ثائر مصري غازاً فاخراً يبقى معه إلى الأبد، ويوصله إلى الدار الآخرة عبر بوابة السرطان كما سلكها إخوة له من قبل بالمبيدات والأغذية.
ألغازُ هذا الغاز كثيرة، هل هو غاز الخردل؟ هل هو نوع من أنواع غازات الأعصاب؟ الدولة (بكل هيبتها) تقول إن هذا الكلام غير صحيح، ولكن العلم يقول غير ذلك، فأعراض مئات المصابين في المستشفيات الميدانية تقول إن ما ألقي على الثوار لم يكن مجرد غاز مسيل للدموع، بل كان شيئاً أكثر جدية من ذلك.

سيادة المشير قال كلمته، وكان تأثيرها على الثوار لا يقل عن تأثير الغازات التي ألقيت قبل الكلمة أو بعدها، بل من الممكن أن نقول إن تأثير كلمة المشير قد سمم أجواء الوطن أكثر مما سممته القنابل، فكلمة الأسف لم تكن تكفي لتضمد جرح الشهداء الذين ألقيت جثثهم في الزبالة، وكلمة الاستفتاء على شرعية المجلس هي أكثر القنابل سمية في سماء الوطن مذ عرف هذا الجيل معنى الحرية.

هناك قناع واق من القنابل المسيلة للدموع، صيني الصنع، محدود الفاعلية، ولكن قنبلة (الاستفتاء) لا قناع يقي من آثارها، اللهم إلا الاعتصام في ميدان التحرير تحت رحمة القنابل والغازات.

كيف نستفتي المصريين على شرعية المجلس؟ هل نقول لهم في ورقة الاستفتاء اختاروا بين المجلس والفراغ؟ أو لعلنا نكتبها لهم صراحة بأنكم تختارون بين المجلس العسكري وبين الفوضى، تماماً كما قال مبارك ذلك قبل عدة شهور!

لو أردنا أن نستفتي الناس بحق على شرعية المجلس فلنمنحهم بعض الاختيارات، لنقل لهم مثلاً : هل تختارون مجلساً رئاسياً مكوناً من محمد البرادعي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي، وحازم صلاح أبو إسماعيل، (على سبيل المثال)، أم تختارون المجلس العسكري؟

لماذا لا نخير الناس في الاستفتاء فيختارون بين السادة أعضاء المجلس العسكري وبين حكومة إنقاذ وطني برئاسة وعضوية شخصيات وطنية محترمة؟

لماذا نلجأ لأسلوب حسني مبارك المخلوع ومن قبله السادات حين كان يخيرنا بنعم أو لا، بدلاً من إعطائنا فرصة الاختيار بين بدائل واضحة؟

هل يجرؤ أحد على لومنا حين نقول إننا ما زلنا نعيش في نفس العصر، عصر الاستبداد محدود الذكاء والكفاءة؟

قنابل الإعلام وغازاته السامة أيضاً استمرت، فالثوار يريدون مهاجمة وزارة الداخلية، والسادة الضباط مسالمون كما تعودنا على ذلك خلال الثلاثين عاماً الماضية، الإعلام يبث سمه في آذان المصريين بكل ما أوتي من باطل، وقنابل الإعلام لا يبطلها إلا الحساب العسير لكل من أطلق غازاته السامة، وأول هؤلاء السيد وزير الإعلام الذي نسي نفسه، ولم يعتبر بوزير الإعلام السابق الملقي في السجن حالياً، وكأن السجن أمر بعيد.

إن تصوير الثوار وكأنهم هم من يهاجم الوزارة يشبه الغازات السامة التي ألقيت على الميدان، ولكنها ألقيت في ميدان أكبر، فهو بحجم مصر كلها، والحقيقة أن الثوار لم يفعلوا شيئاً سوى الدفاع عن الميدان وذلك بعمل منطقة عازلة لكي لا يقترب أشاوس الشرطة فتصل قنابلهم إلى المعتصمين، وسمع المصريون في ذلك كما من الكذب عبر وسائل الإعلام التي تعيش من ضرائبهم حتى تسممت آذانهم، ويكفي أن نعرف أن الأشاوس قصفوا المستشفى الميداني ست مرات في يوم واحد.

انتظر الناس اعتذاراً رسمياً، ولكنه تأخر، تماماً كما انتظروا خطاب السيد المشير لست ساعات أو يزيد، وحين جاء الاعتذار كان الوقت قد تأخر، لأنه جاء في الوقت الذي كانت تستقبل فيه المستشفيات الميدانية مختنقاً بالغاز كل خمسين ثانية، لذلك تساءلت : ترى هل يعرف اللواء العصَّار كم ضحية سقطت في ميدان التحرير أثناء إلقائه اعتذاره؟

ما فائدة الاعتذار والقتل مستمر؟ كيف يقبل الثوار اعتذاراً وبعض أطباء المستشفى الميداني قد ماتوا مختنقين بفعل القنابل والغازات؟

أليس قتل الأطباء بهذه الطريقة وبهذه الغازات جريمة دولية لا تسقط بالتقادم؟

ترى هل تسقط هذه الجريمة باعتذار متكبر جاء متأخراً؟

يقول المجلس إننا لسنا امتداداً للنظام السابق، والغازات السامة المسرطنة التي تقتل في محيط قطره عدة كيلومترات تقول غير ذلك.

يقول المجلس العسكري على لسان المشير إنه لا يطمح للحكم، ولكن الغازات تقتل العصافير، ترى هل يعلم المشير كم عصفوراً من ذوي الكمامات أو ذوي الأجنحة قد قتل في ميدان التحرير؟

أيها السادة، لن تقتلوا العصافير، ولا بارك الله في شاعر لا يدافع عن العصفور ضد القنبلة، وليجر لي ما يجري!

- [**المقال منع من النشر في صحيفة «الأهرام» المصرية.*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010