الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

«وول ستريت» والشارع العربي

الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

محتجو حركة «احتلوا وول ستريت» وضعوا جانباً بطالتهم وجوعهم وبرد شتائهم وهمومهم الخاصة وأهدافهم المباشرة، وتذكّروا ضحايا سياسات حكومتهم ذاتها التي جعلت منهم ضحايا. لم يتوقّع أحدنا، حيث أدمن البعض القومية الشوفينية والقطرية الضيقة والقبلية فالذاتية. أحرق هؤلاء العلم «الإسرائيلي» تضامناً مع القضية الفلسطينية، واحتجاجاً على سياسة بلادهم المعادية لأحلام الفلسطينيين وحقوقهم، والداعمة لـ «إسرائيل»، وبخاصة بعدما قررت الولايات المتحدة قطع التمويل عن منظمة اليونيسكو التي اعتبرت واشنطن أنها ارتكبت جريمة بمنحها فلسطين عضوية كاملة بعد عملية ديمقراطية تصويتية عبرت فيها معظم دول العالم عن إرادتها السياسية رغم تهديدات الولايات المتحدة بقطع مساهماتها المالية في المنظمة الدولية.

نعرف أن حركة «احتلوا وول ستريت» تتبنى أهدافاً أوسع وأعمق، من وجهة نظر ما، من قضية خاصة هنا أو هناك، لكننا نستطيع أن نرى كيف أن شعاراتهم المناهضة للنظام الرأسمالي الذي وصل إلى ذروة اللصوصية والنهب ممثلاً في جشع الشركات المتضخّمة والتجمعات الاحتكارية ورأس المال المالي، ترتبط بعلاقة جدلية مع القضايا العادلة لشعوب تعاني من الاستعمار والاحتلال والقهر اليومي المرتكب بأيدي كيانات تمثّل النتاج الطبيعي والذيل الهزيل والممثل العضوي للنظام الرأسمالي دفيئة الظلم ومفرّخ الاستعباد والاضطهاد وحامي الدكتاتوريات.

هذه الحركة ليست منفصلة عن السياق التاريخي لبلدها الذي كان ذات حقبة تاريخية مستعمراً فقاوم أبناؤه وضحّوا وانتصروا وأوصلوا إلى سدة الحكم، فيما جاء لاحقاً، حكومات باتت تصف من يسلكون الطريق النضالي التحرري ذاته بالتطرف و«الإرهاب»، بدل أن تكون عوناً وسنداً للشعوب المناضلة من أجل الحد الأدنى من حقوقها. عوض ذلك راحت تتبنى وترعى الظلم والقهر وتدافع عن الاحتلال والتمييز العنصري والأنظمة الدكتاتورية التي تختبئ تحت جناحها.

لكن «وول ستريت» تحوّل من رمز لجدار بنته سواعد العبيد الأفارقة في القرن السابع عشر لصد المستعمرين البريطانيين الذين احتلوا نيويورك ودمروها، إلى شارع للمال والبورصة والأعمال، ورمز لمركز النظام الرأسمالي الإمبريالي في العالم، والواجهة الرئيسية للسوق الأمريكي حيث البورصة وتجمع الشركات المالية الأمريكية في ذروة التضخّم الاحتكاري وميلاد الطغمة.

اختيار «وول ستريت» مكاناً للاحتجاجات الحالية لم يكن اعتباطياً أو مجرد اختيار رمزي مجرد من جذوره التاريخية، فهو شهد أحداثاً كبرى كالانهيار الكبير عام 1929 حين مني الاقتصاد الأمريكي بأعظم كساد في تاريخه، والانهيار الاقتصادي عام 1987 الذي تسبب بانهيار مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 23% في يوم واحد وهو أكبر هبوط في تاريخ المؤشر، وصولاً إلى أزمة الرهن العقاري عام 2007 التي تسببت في إفلاس أهم المؤسسات المالية العالمية، وما زالت الأزمة وآثارها وتداعياتها مستمرة إلى الآن، ويجري حلها من دماء الشعوب.

المحتجون ذوو النزعة الأممية، عبّروا عن عدم انغلاقهم على ظرفهم الخاص حين أصدروا صحيفة لترويج أهدافهم، ويستعدون لإعداد ترجمة عربية لها حيث لم يُخفوا تأثّرهم بالاحتجاجات في بعض البلدان العربية وبخاصة في مصر، بل إنهم عبّروا عن هذا التأثر بشكل مباشر من خلال ترديد شعار «الشعب يريد إسقاط وول ستريت»، إلى جانب شعار «الشعب الأمريكي ليس مرفّهاً مدلّلاً كما يُعتقد».

مهما يكن من أمر، لا يخلو المشهد الكلي من مفارقة مؤسفة، ففي حين نرى متظاهرين في أمريكا الراعية والمتبنّية لـ «إسرائيل»، يتضامنون مع قضية فلسطين ويحرقون علم كيان محتل في بداية ربيع أمريكي، نجد هذه القضية غائبة تماماً عن شارع «الربيع العربي».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2166056

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166056 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010