الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

المالكي وطريق الفتنة في العراق

الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par منير شفيق

رئيس وزراء العراق نوري المالكي كان آخر من اضطر للموافقة على سحب القوات الأميركية، وعدم منح أيّ عدد يمكن أن يبقى منها حصانة فوق القانون. ويجب أن يسجّل بالتقدير موقف السيد مقتدى الصدر في إغلاق الباب في وجه بقاء قوات أميركية في العراق.

الحرب العدوانية التي شنّتها أميركا، بلا وجه حق، على العراق فرضت عليه احتلالاً دام ثماني سنوات، وقد ألحق به من الكوارث ما لا يعدّ ولا يحصى، وكان منها تمزيق وحدته الداخلية، وإشعال الفتن الدينية والمذهبية والإثنية، وأسفر عن أربعة ملايين مهجّر ومئات الألوف من القتلى والجرحى والمعوقين، وإلغاء دور العراق العربي والإسلامي والعالم ثالثي.

فالعراق اليوم ينزف دماء وينفث أحقاداً ما بين أبناء الشعب الواحد، ناهيك عن استباحة الفساد لثرواته النقدية والعينية بما فاق كل فساد في البلدان الأخرى.

لا شك في أنّ المسؤول الأول عن كل ما حلّ في العراق من كوارث هو الاحتلال الأميركي، ومن تواطؤوا معه ردحاً من الزمان. ولكن اقترب اليوم الذي تنسحب فيه قوات الاحتلال بفضل ما واجهته من مقاومة باسلة وممانعة شعبية واسعة.

وهذا يفترض بأنّ الأرض أخذت تمهّد لتوحيد العراق ولأم جراحه واستعادة هويته العربية والإسلامية، كما مكانته التي تليق به ودوره المنشود. ولا يتم ذلك إلاّ بمصالحة وطنية شاملة تجمع كل مكوّنات الشعب العراقي التي تمزّقت تحت سيطرة الاحتلال الأميركي وسياساته المتصهينة.

ولكن يبدو أنّ رئيس وزراء العراق لم يفكّر لحظة واحدة بلأم الجراح ونزع فتيل الأحقاد وإعادة توحيد العراق، فبدلاً من أن يتماشى والمتغيّر الجديد واصل العقلية التي حكم فيها في ظلّ حراب الاحتلال.

والدليل ما يجري الآن من اعتقالات وإثارة صراعات قبل أن تأتي لحظة رحيل آخر جندي أميركي، كأنّ المطلوب استمرار اللعنة التي حلت بالعراق في ظلّ الاحتلال. وقد استغلت معلومات مسرّبة من بعض الأطراف المشبوهة في ليبيا عن وجود مؤامرة بعثية دبّرت زمن معمر القذافي لقلب الأوضاع في العراق.

لم يكن من رئيس الوزراء نوري المالكي إلاّ أن يستند إليها ليبدأ بعملية اعتقالات واسعة تشمل الآلاف وتمتد إلى مناطق ومدن كانت مراكز لمقاومة الاحتلال.

ما هي هذه المعلومات حتى لو صحّ وجود اتصال بين وفد من البعث مع القذافي، وهو في كل الأحوال لا يمكن أن يتعدّى بضعة أفراد ممن هم في خارج العراق. فكيف تصبح مؤامرة تشمل الآلاف ولا تقتصر على بعثيين وإنّما على معارضين كثر أيضاً. ففي منطق المالكي تكون الوثيقة المسرّبة قد شملت أسماء الآلاف التي افترض أنّ الوفد سلّمها للقذافي، وأخذ المالكي يعتقل كل من ورد اسمه فيها. فهل يعقل هذا؟

يعني أنّ المالكي لا يملك وثيقة مؤامرة تحمل كل الأسماء التي اعتقلها وإنّما هو قرار لفتح معارك داخلية ليعزز وجوده في رئاسة الوزارة من خلالها. والدليل أنّه فتح معركة، في الآن نفسه، مع الأنبار وصلاح الدين ومع الموصل، وفي بغداد، ومن ثم يريد أن يحوّلها إلى حرب مذهبية استباقاً لما هو مطلوب من وفاق وطني بعد رحيل قوات الاحتلال الأميركي.

وهذا أخطر ما يكون الاحتلال الأميركي قد خلّفه من وراء انسحابه.

فالذين يذهبون إلى الفتنة المذهبية أو الإثنية في العراق أرادوا أو لم يريدوا، أأدركوا ما يفعلون أم لم يدركوا، سوف يضعون الحَبّ في طاحونة أميركا والكيان الصهيوني.

قد تكون ثمة إشكالات كثيرة في ما بين مكوّنات الشعب، فإما أن يصار إلى حلّها بالحكمة والتفاهم والتقاسم والتنازلات المتبادلة وتغليب الوحدة على الفتنة، ومصلحة الأمة على أيّ مصلحة فئوية ضيقة، ناهيك عن مصلحة استئثار في حكم وسلطة، وإمّا الذهاب إلى طريق الدمار الذاتي..طريق الفتنة.

والعراق هنا يشكّل مدخلاً لأحد النجديْن : النجد المؤدّي إلى الوحدة أو النجد المؤدّي إلى الفتنة. وفي الحالين سيؤثّر في أكثر من بلد عربي وإسلامي، إيجاباً أو سلباً، يواجه التحدّي نفسه.

ولهذا على المالكي أن يفكّر جيداً في ما يفعله الآن تحت حجة واهية، وعلى كل من له كلمة عند المالكي أن ينصحه، أو يضغط عليه، كي لا يذهب في الطريق المؤدّي إلى الفتنة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2177761

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177761 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40