الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

الرسالة التي لا تصل

الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par عوني صادق

فجر التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فجر «ملثمون» خط تصدير الغاز إلى الأردن و«إسرائيل»، بقرية المزار غرب مدينة العريش في شمال سيناء، وذلك للمرة السابعة منذ شهر فبراير/ شباط الماضي. وفي اليوم نفسه، لقيت سيدة بمحافظة الشرقية مصرعها في معركة الحصول على أنبوبة بوتاغاز أثناء وقوفها في طابور أمام أحد مستودعات مركز دير نجم، وأصيب عدد من المواطنين في عدة محافظات بسبب التزاحم أمام المستودعات، كما أفادت صحيفة (الشروق - 11/11/2011) المصرية.

منذ الأيام الأولى التي شهدت انتفاضة الشعب المصري ضد نظام حسني مبارك، شهد ميدان التحرير بالقاهرة، وغيره من الميادين في المدن المصرية الأخرى، شعارات تكشف عما يكنه الشعب المصري للكيان الصهيوني وللعلاقات السياسية والاقتصادية التي أقامها نظام الرئيس المخلوع معه. وقد حرص البعض على طمس تلك الشعارات، وحاول الفصل بين المطالب الاجتماعية للمتظاهرين وبين المواقف السياسية التي كشفت عنها الشعارات تجاه الكيان.

وقد جاء التفجير الأول قبل «تنحي» مبارك بيوم أو يومين ليحمل رسالة إلى حكام مصر ولتكشف بعداً من أبعاد الانتفاضة يراد تجاهله، إلا أن السلطات في حينه أصرت على تجاهله، ليأتي بعد ذلك «تنحي» مبارك، ثم أيلولة السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولتتكرر عملية تفجير أنابيب الغاز ست مرات، حتى الآن، حاملة الرسالة نفسها التي حملها التفجير الأول.

وقبل أن ينتفض الشعب المصري، كانت «فضيحة» بيع الغاز لـ «إسرائيل» قد اتضحت واتضح معها كيف فرّط نظام مبارك بثروات البلاد، ومدى الإجحاف الذي لحق بحقوق الشعب من جراء صفقة الغاز الموقعة مع الصهاينة، وحول هذا التفريط والإجحاف امتلأت الصحف المصرية بالتعليقات، فكتب د. حسن نافعة، مثلاً : «لقد كشفت هذه الفضيحة أن النظام الحاكم يبيع الغاز لـ «إسرائيل» بثمن بخس، وبشروط مجحفة جداً، أي أن النظام أقدم بتصرفه هذا على جريمتين كبيرتين في وقت واحد : جريمة بيع سلعة استراتيجية مهمة لدولة توسعية يفترض أنها لا تزال تشكل التهديد الرئيسي لأمن مصر، وجريمة إهدار جزء من ثروة البلاد، كان بالإمكان التصرف فيه واستثماره بشكل أفضل لصالح الوطن والمواطنين». ونتيجة لتكرار عمليات التفجير، وتواصل الضغط على السلطات المسؤولة لإعادة النظر، ليس فقط في موضوع الغاز بل في كل العلاقة القائمة مع الكيان الصهيوني، صار التركيز على الجانب الاقتصادي من المسألة وما يخسره الاقتصاد المصري نتيجة استمرار العمل بصفقة الغاز المعقودة منذ عام 2005 (التي كان وراءها رجل الأعمال الهارب والمطلوب للمحاكمة حسين سالم)، وبدأ الحديث عن إعادة «التفاوض» مع الأردن و«إسرائيل» على السعر الذي يباع به الغاز المصري. وفي الفترة الأخيرة، نقلت وسائل الإعلام أن اتفاقاً على السعر الجديد تم التوصل إليه مع الأردن، لكن شيئاً من ذلك مع «إسرائيل» لم تتم الإشارة إليه.

في المقابل وفي الفترة نفسها، شدد «خبراء» «إسرائيليون» على أن الإخلال بصفقة الغاز يعد إخلالاً بـ «اتفاقية كامب ديفيد»، أي أنه في الوقت الذي يحاول فيه بعض المصريين أن يبعدوا صفقة الغاز عن السياسة، يصر «الإسرائيليون» على اعتبارها جزءاً من «اتفاقية كامب ديفيد» الملزمة بجانبيها السياسي والاقتصادي. لكن وزير البنى التحتية الأسبق، يوسي برينسكي، أكد أنه لا يوجد ما يلزم مصر بتصدير الغاز إلى «إسرائيل»، أو تقديم تعويضات لها في حال وقفه، وكان وزير البنى التحتية «الإسرائيلي» الجنرال بنيامين بن أليعازر الذي وقع على الصفقة، قد وصفها بأنها «بركة» تعزز العلاقات الثنائية و«تشكل رافعة للاستقرار في المنطقة»، وهو نفسه الذي وصف نظام مبارك بأنه «كنز وذخر». جدير في هذه المناسبة أن يتم التذكير بأن الغاز المصري الذي يصدر إلى «إسرائيل» يغطي 40% من حاجة السوق «الإسرائيلية» ويستعمل في تزويد محطات توليد الكهرباء.

ومسألة تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني لا تنحصر في قضية السعر الذي يباع به على أهميتها، والذي يصل إلى نصف السعر العالمي، ما يجعل خسائر مصر منذ 2005 تصل إلى مليارات الدولارات. لكن في الإطار تبرز قضية المواطن المصري الذي يحصل على أنبوبة الغاز بأضعاف السعر الذي يباع به لـ «الإسرائيلي»، وهذا إجحاف واضح. أما مسألة السيادة الوطنية، والتعامل مع عدو وطني وقومي، فهي ما يثير حفيظة المواطن المصري بشكل خاص. إن محاولة التغطية على هذه المسألة بعد ثورة 25 يناير هو نوع من الاستهانة بالشعب الذي خرج، وبدماء أبنائه التي سالت، باسم الكرامة الوطنية ودفاعاً عنها.

لقد تم تجاهل الرسالة التي اختصرتها شعارات ميادين التحرير، فكانت الاعتصامات أمام السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، ثم الهجوم الأخير عليها، وكانت التفجيرات المتلاحقة لأنابيب الغاز صوراً أخرى من تلك الرسالة، وليس صحيحاً أو مفيداً الصمم الذي أصيب به المعنيون، أو القول إن الذين ينفذون هذه التفجيرات هم «مخربون»، وإن «إصرارهم على تكرار التفجيرات في الخط يعكس نيتهم التخريبية للإضرار بمصالح البلاد». ويكفي دليلاً على ذلك ما تركوه وراءهم في التفجير الأخير، حيث قال شهود عيان، إن المتهمين نقشوا عدة رسائل على الرمال ترفض تصدير الغاز إلى «إسرائيل».

فهل تصل الرسالة هذه المرة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2176586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40