الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

القلق «الإسرائيلي» والتحولات العربية

الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par الياس سحاب

امتلأ عام 2011 منذ بدايته بصدور عدد من التقارير الاستراتيجية «الإسرائيلية»، المائلة في اتجاهها العام الى تشاؤم لا سابق له بمستقبل «إسرائيل»، وكان آخرها التقرير الأهم والأشمل الذي اصدره في أواخر آب/ اغسطس من العام الحالي مركز دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة «تل أبيب»، والذي اعتبر الأشد سوداوية منذ ثلاثين عاماً.

وقد ترافق صدور هذه التقارير «الإسرائيلية» المتشائمة نسبياً مع اندلاع تحركات عربية هامة منذ الشهر الأول للعام الحالي، أدت بمجملها الى سقوط ثلاثة أنظمة في بقعة جغرافية واحدة على الحدود الجنوبية الغربية لـ «إسرائيل»، هي حسب قربها الجغرافي من «إسرائيل» مصر وليبيا وتونس، مع هبوب حركات احتجاج شعبية في كل من اليمن والبحرين وسوريا، والأردن وعُمَان بنسب متفاوتة.

ومع ان هذه التحولات العربية قد انتهت في ثلاث حالات منها الى إسقاط زعيم النظام (تونس ومصر وليبيا)، فإنها حتى في هذه الدول الثلاث لم تؤد بعد الى تقديم ما يكفي من الدلائل، على ان سقوط رأس النظام، سيؤدي حتماً الى سقوط كامل للنظام نفسه، ومع أن الأوضاع في الحالات الأخرى ما تزال غير جلية الآفاق، فإن «إسرائيل» لم تستطع ان تمنع نفسها (وهي صاحبة القلق التاريخي الدائم على مصيرها منذ إنشائها) من إبداء القلق.

ذلك ان ما حدث حتى الآن عام 2011، وحتى قبل نهايته او اتضاح آفاقه النهائية، كفيلٌ وحده بما يكفي لإثارة مثل هذا القلق العميق في الدوائر الاسترايجية في «إسرائيل»، ذلك ان هذه التحولات العربية ـ حتى بحدودها الحالية - جاءت لتنهي عصراً طويلاً من الاستقرار والثبات والجمود، في وضع للنظام العربي العام، بدا مؤاتياً للمصالح الاستراتيجية «الإسرائيلية»، كما لم يحدث لـ «إسرائيل» منذ إنشائها.

فقد سادت الأوضاع العربية العامة حالة خروج متدرج للأنظمة العربية، واحداً بعد الآخر، من مستلزمات الصراع العربي - «الإسرائيلي». وقد دخلت عدة انظمة عربية هامة وأساسية، في حالة علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني، تم تتويجها بتوقيع اتفاقي «كامب دافيد» مع مصر ووادي عربة مع الاردن. لكن هذين الحدثين لم يكونا المكافأة الوحيدة لـ «إسرائيل» في الوضع العربي العام السائر - حتى قبل الاعتراف المباشر بها - الى قبول تاريخي بها،عن طريق الصديق المشترك، للأنظمة العربية ولـ «إسرائيل»، الولايات المتحدة الاميركية.

إذن، مصدر القلق «الإسرائيلي» الاول والأسرع، هو مجرد تسلسل احداث في ثمانية بلدان عربية، أدت حتى الآن، وعلى الأقل، الى وضع نهاية لثلاثة عقود ونيف من الاستقرار الذي كان يحمل في طياته كل ما يدعو «إسرائيل» الى الاطمئنان على حاضرها، والتفاؤل بمستقبلها.

لكن احداث الوطن العربي المتتالية بزخم غير عادي في مجرى عام 2011، وما سيليه من أعوام حتماً، لم يقف فقط عند حدود زعزعة عصر الخمول العربي الطويل ازاء «إسرائيل». ذلك ان ظاهرة شديدة الوضوح كانت تغطي هذه العقود الثلاثة، هي انه كلما زاد تورط الانظمة العربية الرسمية في مزيد من التحولات التي تبعث الاطمئنان قوياً في الاوساط «الإسرائيلية» الحاكمة، كانت الشعوب العربية، في دول تلك الانظمة، تزداد عداء لـ «إسرائيل»، وتفاعلاً مع اي بؤرة مقاومة عربية لـ «إسرائيل»، تظهر هنا او هنالك من الوطن العربي، وتزداد نفوراً من محاولات الانظمة الرسمية لفرض تطبيع في العلاقات مع «إسرائيل». ولعل العنوان الأبرز في هذا المجال بالذات فشل كل محاولات التطبيع مع «إسرائيل»، لدى الشعب العربي في مصر والشعب العربي في الاردن، رغم مرور عقود ثلاثة، هي العقود نفسها التي كانت مبعث اطمئنان وتفاؤل في «إسرائيل».

والحقيقة هي ان المحللين الاستراتيجيين في «إسرائيل» على حق فيما يذهبون إليه من تشاؤم استراتيجي بالربط بين التحولات العربية من جهة، ومصير «إسرائيل» من جهة ثانية. ذلك أن ما تم حتى الآن وحده من تحولات، وحتى بالمدى المحدود الذي ذهبت إليه هذه التحولات، يؤكد شيئاً بات محتماً وجلياً، هو ان عصر ارتهان الارادات السياسية للشعوب العربية لدى انظمة الاستبداد والفساد والتخلف لديها (التي ترتاح لها «إسرائيل» كثيرا)، قد بدأ يدخل مرحلة الغروب، معلناً عن قرب تبلور عصر تتحرر فيه الارادات السياسية للشعوب العربية، شعباً شعباً، من أسر انظمة الاستبداد والتخلف.

المسار التاريخي الذي بدأت تبشر به التحولات العربية عام 2011، وما سيليه من اعوام، بدأ يلمح الى الدعوات الأميركية الكاذبة الى الديمقراطية العربية تغطية لاستعمارها للعراق، هذه الدعوة بدأت تتغلب على النفوذ الاميركي، وحليفته «إسرائيل». انه من الحتمي ان تبلور ظهور انظمة عربية جديدة تتحرر فيها الارادة السياسية للشعوب العربية من أسر انظمة الاستبداد والفساد والتخلف، هو نقيض كامل للكيان الصهيوني، بصفته نظاماً استعمارياً استيطانياً عنصرياً، لا مستقبل له في منطقة تسير نحو امتلاك الشعوب لإرادتها السياسية الحرة، ودخول رحاب العصور الحديثة من أوسع أبوابها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2181357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40