الأربعاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

«إسرائيل» وإيران.. الضربة وليس الصفقة

الأربعاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. عدنان أبو عامر

تزايدت في الأيام الأخيرة التسريبات والتحليلات «الإسرائيلية» حول الفرضية القائلة بأنّ إبرام «إسرائيل» لصفقة التبادل مع حركة «حماس»، إنما يأتي للتفرغ لشنّ هجوم عسكري على منشآت إيران النووية، ما يعني أن إنهاء قضية الجندي يزيح عائقاً آخر في الطريق لما يوصف في «تل أبيب» بـ «الهدف الأسمى» الذي يسعى إليه رئيس الحكومة ووزير الدفاع، بحيث أنهما بعد أن غيرا قادة أذرع الأمن، لا سيما جهازي «الشاباك» و«الموساد»، و«تخلصا» من جملة القادة الأمنيين والعسكريين الذين عارضوا هذا التوجه، وأثقلوا عليهما في العمل ضد إيران، وأعادا الجندي، فإنهما متفرغان للانقضاض على البرنامج النووي الإيراني.

[**شواهد الاستعدادات*]

وهو ما دفع بارتفاع حدة التحذيرات المتزايدة في «إسرائيل» مما بات يسمى «صفقة شاليط - إيران»، والمطالبة بمنع رئيس الحكومة ووزير الدفاع من تحويل الفرحة العارمة بإطلاق سراح الجندي إلى مظلة أو شرعية لشن هجوم على إيران، رابطة بين توقيت إبرام صفقة التبادل، والتأهب «الإسرائيلي» لتنفيذ ذلك الهجوم على طهران، الذي وصفته بـ «المغامرة المتهورة».

وقد وصف «سباق الزمن» الذي يجريه رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» ووزير الدفاع «إيهود باراك» نحو شن هجوم على إيران في هذه الآونة بسلوك رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع في قضايا تاريخية سابقة، حيث تظهر مؤشرات دالة تتراكم لتصبح اتجاهاً واضحاً لهما، في الطريق نحو مغامرة عسكرية، في ضوء تقارير الخبراء الأكثر مصداقية في «إسرائيل» ممن يقدرون أن الخطر الكامن في النووي الإيراني سيتحقق في أقرب وقت عام 2014.

ويذكر هنا ما صرح به قبل أسابيع قائد الجبهة الداخلية «آيال آيزنبرغ» حين قدر تعاظم الاحتمالات للاشتعال الإقليمي، لأن «جهاز قياس الحرارة» يبين أنه قد يشتعل صدام كبير، متعدد الجبهات، مع صواريخ ومقذوفات صاروخية من الشمال والجنوب على الجبهة الداخلية، رداً من «حزب الله» و«حماس» على حملة كبيرة للجيش، أو كضربة مسبقة، بتكليف من إيران.

مع العلم أن السنوات الأخيرة، شهدت تهديدات «إسرائيلية» مراراً بشن هجوم على إيران، فلماذا تمّ إعادة إحياء هذا الموضوع اليوم؟ وهل تشعر «تل أبيب» بالقلق بسبب اقتراب طهران من حيازة القدرة على صناعة قنبلة نووية؟

يُجمع معظم الخبراء الاستخباراتيين «الإسرائيليين» على أن إيران لم تتخذ بعد قراراً بشأن صناعة الأسلحة النووية، لكن الدافع الأرجح لـ «إسرائيل» وراء تخوُّفَها يكمن في موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، على العرض الإيراني القاضي بتجديد المحادثات، كما تخشى كثيراً أن تتوصل المجموعة لتسوية معها تسمح لها باستكمال تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية، ما قد يدفع العالم للموافقة على التعايش مع إيران النووية، وإن حصل ذلك، ستخسر «إسرائيل» احتكارها للأسلحة النووية التي تشكّل مصدر قوة أساسياً للحفاظ على هيمنتها العسكرية الإقليمية.

علماً بأن «إسرائيل» وجهت في السابق عمليات عسكرية ضد دولتين ذريتين عدوتين، وفي المرتين أفشلت برامجهما النووية بالقوة، فقد أمر «مناحيم بيغن» بمهاجمة العراق، وأمر «إيهود أولمرت» بمهاجمة سوريا، ما يعني أنه توجد سوابق وتركة ونجاحات، لكن إيران مشكلة مختلفة تماماً، والأخطار والكلفة كذلك، فكل قرار مقرون بمقامرة على مصير الدولة، رغم أن المثير في النقاشات السائدة، ما قاله الكاتب البريطاني البارز «ديفد هيرست» من أن «إسرائيل» ترى عدوها الحقيقي إيران، ويمكن فهم اعتذارها لمصر بعد مقتل جنودها، وإتمامها صفقة تبادل الأسرى مع «حماس»، بأكثر من طريقة، إحداها تهيئة الأجواء لهجوم عليها.

[**التنفيذ العسكري واللوجستي*]

يأخذ النقاش «الإسرائيلي» حول ضرب إيران أبعاده الجدية في ضوء المطالبات المتكررة من المستويات العسكرية والأمنية بضرورة وضع ملف مهاجمتها على طاولة صناع القرار في «تل أبيب» لمنعها من نيل السلاح النووي، وهو ما رفع حالة التأهب لدى جيوش دول عدة في المنطقة، مقابل حالة الاستنفار في إيران استعداداً لأي تطورات أو حالات طارئة.

وعلى فرض أن «إسرائيل» هاجمت المنشآت النووية في إيران، وسواء نجح الهجوم أم لا، فإن الأخيرة سترى في هذا الهجوم خطوة شاذة، حربية، تستدعي رداً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وهناك عدة إمكانيات لرد إيراني في المجال العسكري، منها :

1- إطلاق صواريخ على «إسرائيل»، أو مهاجمتها بسلاح الجو، واستخدام سلاح البحرية ضدها.

2- الإيعاز لحلفائها من «حزب الله» و«حماس»، والمبادرة لعمليات في العراق ضد أهداف أميركية.

3- أعمال عدائية في أرجاء العالم ضد أهداف يهودية.

4- إمكانية متدنية، تتمثل بإطلاق الصواريخ من الأراضي السورية.

5- ضرب السفن التي تمر في مضيق هرمز، أو مكان رسوها، ما قد يقلل حجم تصدير النفط والغاز، مما سيؤدي لرفع أسعارها في العالم.

في هذه الحالة، فإن مراحل عمل الجيش «الإسرائيلي»، وبالتنسيق مع نظيره الأميركي كفيل بأن يكون :

1- مهاجمة الأسطول الإيراني، القواعد والوسائل التي تستخدم لإغلاق مضيق هرمز.

2- ضرب منظومات مضادات الطائرات، مراكز التحكم والرقابة، وسلاح الجو، ومنظومة الصواريخ، مع التشديد على الصواريخ بعيدة المدى.

3- استهداف المنشآت النووية، والفرضية أن هذه المنشآت «لا تهرب».

[**توريط أميركا*]

تتزايد المزاعم «الإسرائيلية» المتكررة من أن إيران النووية خطر كبير، ليس فقط على «إسرائيل»، بل على الكثير من الأنظمة الغربية، وهناك مصلحة دولية بقيادة الولايات المتحدة للقيام بجهود كبيرة طوال الوقت، لمنعها من التوصّل إلى المشروع النووي، بزيادة الضغط عليها.

لكن السؤال المفتاح في النقاش «الإسرائيلي» الدائر حول ضرب إيران، يكمن في كيفية ضمان مشاركة الولايات المتحدة في الهجوم، أو أقله وقوفها إلى جانب «إسرائيل» في حال أدّى الهجوم الأولي إلى اندلاع حرب أوسع، بعد أن شكّلت التقارير المتعلقة بهذه النقاشات مصدرَ قلق كبير في واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية، ونُقل عن بعض الخبراء العسكريين الغربيين قولهم إنه سيتم إغلاق نافذة الفرصة لشنّ هجوم صهيوني على إيران في غضون شهرين، بما أن قدوم فصل الشتاء سيجعل هذا الهجوم أكثر صعوبة.

كما شكّلت الخشية من أن تقرر «تل أبيب» شن هجوم دون إعلام الولايات المتحدة مسبقاً، السببَ الرئيس الذي دفع بوزير الدفاع الأميركي «ليون بانيتا» لزيارة «تل أبيب» مؤخراً، ويكمن هدفها على ما يبدو في كبح جماح الصقور «الإسرائيليين»، وهو ما دفع أوساطاً «إسرائيلية» نافذة لتلخيص رسالته على هذا النحو: ١تقف أميركا بجانب «إسرائيل»، إلا أن شن الأخيرة هجوماً غير منسق على إيران قد يتسبب باندلاع حرب إقليمية، ورغم أن الولايات المتحدة ستعمل على الدفاع عن «إسرائيل»، لكن ينبغي عليها التصرف بطريقة مسؤولة».

في المقابل، فإن ما قد يعزز الرغبة «الإسرائيلية» بـ «توريط» واشنطن في هذه الضربة، التقدير السائد لدى «نتنياهو» بأن الوقت قد حان لانتهاز المبادرة، حيث تقوم حساباته على أن شن هجوم مدمر على إيران من شأنه إضعاف سوريا التي تعاني الاضطرابات، وجعل «حزب الله» يتيماً، وبذلك تصيب «إسرائيل» ثلاثة عصافير بحجر واحد.

أكثر من ذلك، فقد ذكرت محافل أمنية غربية أنّ الولايات المتحدة و«إسرائيل» تخططان لإجراء تمارين مشتركة لا سابق لها لقواتهما الميدانية في مايو/أيار المقبل، لإرساء قوة تدخّل مشتركة مستعدّة للتدخّل في حال حصول حرب إقليمية كبيرة، وتقوم الخطة على إرساء مقرات قيادة أميركية في «إسرائيل»، ومقرات قيادة «إسرائيلية» في أميركا، ونادراً ما كان التعاون بين القوتين وثيقاً لهذا الحدّ.

كما نشرت الولايات المتحدة 41 طائرة نقل عسكرية ضخمة من السرب «22» في «الشرق الأوسط»، وتجرب قيادة النقل العسكري في الجيش الأميركي حالياً قدرتها على توفير استجابة سريعة وفعالة في حال نشوب أي أزمة في المنطقة، ومن المقرر انتشار طائرات «سي 5» الضخمة للنقل في «إسرائيل» ودول عربية، تحمل على متنها عناصر قيادة وسيطرة ووحدات قتالية، زاعمة أن إيران هي المقصودة بتلك التحركات.

في ذات السياق، نقل عن رئيسة لجنة الموازية في مجلس الشيوخ الأميركي «ديان فاينشتاين» قلقها من إجراءات إيران، وفي الوقت ذاته عن قلق غير قليل من إجراءات «إسرائيل»، والارتياب الحاصل لديها من أنها تعد لعملية عسكرية مغامرة تورط أميركا حتى عنقها، مشيرة إلى أن الفروق بين تقديرات الاستخبارات الأميركية و«الإسرائيلية» قد رُدمت، من حيث وجود تقدم سريع في البرنامج الذري الإيراني، لكن الفرق موجود في أن أميركا باعتبارها القوة العظمى تسمح لنفسها بالانتظار، وتعريفها للحظة التي يكون فيها السيف موضوعاً على عنقها مختلف عن «إسرائيل»، وربما لا تهاجم البتة، لأنها تعايشت مع كوريا الشمالية وباكستان والهند، وكلها دول ذرية، وكذلك تستطيع أن تعايش إيران.

وبدون مقدمات، وفجأة، عبرت أوساط «إسرائيلية» عن ارتياحها لتصريحات رئيسة لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، «ديان فاينشتاين»، بأنّ الولايات المتحدة وإيران تسيران نحو الاصطدام، لأنّ الأخيرة تواصل تطوير مشروعها النووي، وتصعد اعتداءاتها، بما في ذلك مخطط اغتيال السفير السعودي في واشنطن، الأمر الذي دفع بكبار المحللين الأمنيين في «تل أبيب» للحديث عن شكوك كثيرة تحيط بالمخطط المزعوم، لأن التفاصيل التي كشفت تشير بوضوح إلى أنّه يفتقر للتنظيم والخبرة، مما يزيد من عدم الثقة به، ويطرح فرضية أنّ الإدارة الأميركية بدعم أجهزة مخابراتها، فبركت القصة لتدين إيران في نطاق تهيئة الرأي العام لضربة عسكرية قادمة توجهها ضدها، رغم أنّ هناك من اتهم جهاز الموساد، بالوقوف وراء المخطط لقرع طبول الحرب ضد إيران، مستذكرين دوره في بلورة الدلائل التي أدت للحرب الأميركية ضد العراق.

أخيراً، يستذكر «الإسرائيليون» جيداً كيف أن الرئيس السابق «جورج بوش»، استعان بمعلومات استخبارية خاطئة حول الخطط المزعومة لصدام حسين، لإنتاج السلاح النووي والكيمياوي والبيولوجي، لتبرير اجتياح العراق سنة 2003، وهم يتساءلون ويقولون: إذا كانت الاستخبارات الأميركية مستعدة لملاءمة المعلومات والتقديرات الاستخبارية لأغراض القيادة السياسية، فما الذي يضمن ألا يفعلوا ذلك اليوم؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2180801

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180801 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40