ستكون «كل عام وأنتم بخير» أفضل وأكثر منطقية إذا كان الأمل حياً بخير يعم العالم. لن يكون خير ما لم يكن عاماً، ذلك أن آباءنا وأجدادنا الأسطع حكمة يقولون دائماً «الموت مع الجماعة رحمة»، فكيف يكون الحال إذاً عندما ننعم بالخير بمعية كل البشر. قد يقول البعض إن هذه الدعوة للأمل بمنزلة حلم طوباوي بلا رصيد واقعي، لكن، ومع الاعتراف بذلك، لا ينبغي للإنسان التوقّف عن الحلم حتى لو كان طوباوياً، فلربما يحصل من يحلم بالكثير على القليل. ليس العالم بخير لكنه سيكون كذلك لأن التطور سنة الحياة ومنطق الحركة وصيرورة التاريخ، وأن بدا مساره حلزونياً ومتعرجاً، متعثراً ومتراجعاً أحياناً.
ستكون فلسطين بخير لأنها تنتمي إلى عالم حدائق الزهور، ولأن شعبها متشبث بها، متمسك بحريته، ولأن الاحتلال ينتمي إلى مزابل التاريخ مهما بلغت العقبات ومهما علت التحديات ومهما طال الزمن. ستكون فلسطين أكثر أماناً وسيأتي ذات يوم عيد بلا قصف ودماء. سيأتي يوم بلا سفن تضامن تتعرّض للقرصنة لأنه لن يبقى من يعترض ومن يقرصن ويحتجز ويعترض ويرحّل أناساً «جريمتهم» إنهم إنسانيون يرفضون الظلم والقهر والاستعباد.
ستكون الأمة العربية بخير عندما تكتسي بثوب الحرية الحقيقية، وعندما تنتفي أصابع العبث الأجنبي بمصيرها، وعندما يتمتع المواطن العربي بالكرامة والحرية والتعبير المسؤول عن الوجود تحت شمس صافية يتساقط منها شعاع الأمل بدل الصواريخ والقذائف. ستكون أمة متطورة ومزدهرة عندما يتحول التخلف إلى استثناء، وعندما تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع ولا تضطر لكي تصل ارحامها أن تركب وسيلة مواصلات غربية.
سيكون العالم أفضل عندما تصنع الشعوب حاضرها ومستقبلها وتمسك بثروتها بعد انتزاعها من أيدي العصابات والطغم والاحتكارات. لن تبقى أمريكا وأخواتها من قوى الهيمنة والنهب والاستغلال، عندما تواصل شعوبها صحوتها ويتحول «وول ستريت» إلى «وول ستريتس»، وعندما يتحول جشع الشركات إلى قطعة معروضة في متحف الذكريات، وعندما يكف صندوق الاقتراع عن أن يكون شكلاً من أشكال صناديق العجب وستائر التظليل والتعمية على حقيقة النصوصية التي تفعل فعلها البشع باسم الديمقراطية والتداول الاحتكاري للإمساك بأعناق العباد وأرزاقهم وحليب اطفالهم.
ستكون الأرض أحلى وأجمل عندما يتم تفريغها من أسلحة الدمار الشامل، وعندما تستبدل المفاعلات النووية بمخابز، ومصانع الأسلحة بمستشفيات، ومعسكرات التدريب العسكري إلى رياض أطفال. ستكون الفصول لغة حقيقية تنطق باسم الطبيعة الصافية. سيحتكر الشتاء المطر فلن تتساقط على رؤوس الناس زخات الرصاص وسيعود الثلج إلى بياضه الناصع، غير ملوث بغبار المصانع والدماء. سيتصالح الخريف مع أوراق الشجر فلا تسقط كما تسقط الأنظمة اليابسة. سيصبح الصيف أكثر تصالحاً مع الحصاد، ولن يحتج الربيع على إقحامه في لعبة العبث.
RLS
