الثلاثاء 1 حزيران (يونيو) 2010

أردوغان: فصل الخطاب

الثلاثاء 1 حزيران (يونيو) 2010 par زياد أبو شاويش

الحكومة الصهيونية كانت تعرف مسبقاً أن معركتها الإعلامية في مواجهة قافلة الحرية لكسر الحصار عن غزة خاسرة لكنها كانت تعتقد أن هدف وقف موجة التضامن مع فلسطين ومحاولات كسر الحصار عن غزة تستحق ثمناً كبيراً على هذا الصعيد طالما أن العقاب الذي ستتلقاه سيبقى في هذا الإطار، وطالما بقيت مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية تغطي جرائمها وتمنع صدور أي قرارات إدانة لها في الأمم المتحدة، وقد لاحظنا حجم الجهد والضغط الذي بذلته أمريكا في كواليس مجلس الأمن لعرقلة صدور قرار يدين اعتداء الكيان الصهيوني على قافلة الحرية في المياه الدولية، وكيف نجحت أمريكا في صياغة بيان لا يقدم ولا يؤخر من رئاسة مجلس الأمن ليس أكثر.

ردود الفعل الغاضبة في العالم كانت شاملة وعبرت عن رفض المجتمع الدولي للقرصنة الإسرائيلية. ولازالت تداعيات الاعتداء الآثم والقتل المتعمد للمتضامنين تتدحرج ككرة الثلج ولازالت الدهشة من السلوك الإسرائيلي الهمجي تطغى على تعليقات المراقبين والمتابعين.

وكما كان متوقعاً جاء الرد التركي صاخباً شعبياً وحازماً على الصعيد الرسمي، ليس بسبب القتلى والجرحى من الأتراك والذين يمثلون أغلبية الضحايا للاعتداء الإسرائيلي بل لأن تركيا الجارة الأقرب للعرب كما لإسرائيل بدأت منذ فترة تنظر بطريقة مختلفة لمصالحها وارتباطاتها مع هؤلاء الجيران باتجاه سياسة أكثر عدلاً وأكثر واقعية تجاه القضية الفلسطينية والأرض العربية المحتلة بالعموم.

في الشارع التركي عبرت جماهير الشعب التركي وفي كل المدن التركية تقريباً عن غضبها الشديد إزاء ما وقع، وقامت بكل التحركات والمظاهرات والاعتصامات في إطار القانون من اجل التعبير عن رأيها، كما طالبت حكومتها برد قاس على العنجهية الإسرائيلية والعربدة غير المبررة.

أما على الصعيد الرسمي فكان الأمر مختلفاً وأتى بالفعل ليعبر عن نبض الشارع في تركيا مترافقاً مع خطوات محددة لإظهار رفض تركيا حكومة وشعباً للجريمة النكراء التي ارتكبتها حكومة تل أبيب بحق متضامنين مدنيين لم يكونوا أبداً في حالة استعداد للقتال كما زعمت أبواق الدعاية الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية في التمهيد لعدوانها البربري عليهم.

لم تكتف الحكومة التركية بوقف المناورات العسكرية المشتركة أو مباراة لكرة القدم أو باستدعاء سفير تركيا في إسرائيل، أو حتى بطلب ان لا يعالج المصابون في الدولة العبرية وبالإفراج عن السفن وراكبيها، بل ألقى السيد رجا الطيب أردوغان خطاباً علنياً يمكن وصفه بفصل الخطاب حيث جمع في كلماته كل ما يمكن أن يقال تجاه الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في عرض البحر ضد مواطنين عزل من أكثر من اثنين وثلاثين دولة جاءوا لتحقيق هدف إنساني في قطاع غزة.

إن إشارة أردوغان لجرائم متكررة ترتكبها إسرائيل تحت غطاء قوة أخرى كانت إشارة مهمة للغاية، و
أرفق تلك الإشارة بالحديث عن اتصالات سيجريها مع الرئيس الأمريكي أوباما ورئيسة وزراء ألمانيا أنجيلا ميركل وغيرهما من زعماء الدول في العالم، وأشار في هذا الصدد إلى أن تركيا ليست دولة صغيرة أو ثانوية وتعالج الأمر من هذه الخلفية بل تتعامل باعتبارها دولة لها عراقة وتاريخ وأن تفهم إسرائيل أن تركيا تصادق بقوة وتعادي بقوة أيضاً.

تحدث السيد أردوغان بشجاعة عن استمرار الكذب الإسرائيلي وعن ادعاءات صهيونية تستمر في الخداع وخرق القانون الدولي وتعطيل عملية السلام وأنها تضرب عرض الحائط بكل خطوة إيجابية نحو السلام في المنطقة وأن الوقت قد حان ليقول العالم لهذه الدولة المارقة كفى ويمارس ضغوطه عليها من أجل فرض السلام ليس حفاظاً على العدل والسلام للدول المحيطة بها بل وأيضاً من أجل “الشعب” الإسرائيلي ذاته.

يقول الطيب أردوغان بحدة ووضوح أن إسرائيل يجب أن تدفع ثمن أخطاءها وجرائمها، وأن تحقيقاً يجب أن يتم بشكل دقيق وواضح لإظهار ما جرى وإعلانه على الملأ، وبعدها لابد أن تعتذر عن فعلتها النكراء.

لقد وصف رئيس وزراء تركيا السلوك الإسرائيلي بكثير من التعابير القوية والمؤثرة ليس أكثرها حدة تعبير البلطجة والكذب والعدوان وغيرها من الألفاظ التي تدل على شديد الغضب والمرارة التي تشعر بها تركيا تجاه تكرار هذا السلوك المرضي وغير السوي.

لقد أشار الرجل إلى أن صبر تركيا على أفعال الكيان الصهيوني أوشك على النفاذ وان بلاده سترد بحجم وتاريخ تركيا وقيمها التي حملتها وترسخت عبر التاريخ.

وبكل وضوح دعا السيد أردوغان إسرائيل والعالم لرفع الحصار عن قطاع غزة فوراً، وقال أن بلاده والشعب التركي سيبقوا داعمين لحق الشعب الفلسطيني في وطنه وفي حل عادل ومنصف لقضيته، وأن فلسطين والقدس وغزة والشعب الفلسطيني سيبقوا أمانة في عنق الشعب والحكومة التركية وأن تركيا لن تتخلى عن هذا الموقف والتوجه نحو حل عادل في المنطقة.

كان خطاب أردوغان يعبر بحق عن الرأي العام ليس في تركيا والعالم الخارجي، بل أيضاً عن مشاعر كل مواطن عربي يتمنى أن تحذو بعض الدول العربية حذو تركيا في مواجهة الهمجية الإسرائيلية كما وصفها الطيب أردوغان في خطابه التاريخي الهام.

إن مرحلة جديدة قد بدأت كما أشار رئيس وزراء تركيا في خطابه، فهل تبدأ الدول العربية والجامعة العربية في تدشين أو حتى المشاركة في هذه المرحلة، التي يجب أن توضع العدالة في نهاية المطاف على سكتها الصحيحة لتتحقق هذه العدالة لفلسطين ولكل المظلومين في هذا العالم.

المرء لا يمكن أن يستمع لخطاب رئيس وزراء تركيا دون أن يشعر بالامتنان للرجل على كلماته الصادقة وتعاطفه الواضح مع الحق الفلسطيني ومع الحق العربي، وللمرة الأولى ربما يقوم رئيس وزراء لدولة غير عربية بوصف دولة الاحتلال الإسرائيلي بهذه الدقة وبالحقيقة التي لابد أن يعيها العالم في النهاية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2177889

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177889 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40